«مافيـات» تغـرق السـوق بمنتجـات تركيـة مهربـة بـ«تراب المصاري»
على قارعة الطريق حيث باتت البسطات مقصداً لمواطنين كثر أنهكتم ظروف المعيشة، وعلى رفوف المحال التجارية الشعبية والفاخرة، تتصدر المنتجات التركية, على اختلاف أنواعها بلا خوف, أو اكتراث بخطورة ما فعلته تركيا من كوارث بحق السوريين واقتصادهم عبر تدمير بنيته التحتية وتخريب المعامل وسرق ونهب ممتلكاتها، وقد يكون ذلك ليس مستغرباً بحكم سجلها الحافل بالفظائع ضد السوريين وصناعتهم المشهود لها بالعراقة والجودة، لكن المستغرب قيام أهل الدار أنفسهم, رغم علمهم بمقدار الضرر الذي ألحقه الأتراك بمعيشتهم, المبادرة إلى دعم الاقتصاد التركي بكل بساطة عبر شراء منتجاته وتفضيلها على المنتجات الوطنية بحجة غلاء الأخيرة وعدم جودتها، ومن هنا بدأت علامات الصحوة عبر رفع الصوت عالياً لمقاطعة البضائع التركية، وهذا أضعف الإيمان منعاً لدعم اقتصاد بلد وظّف كل أدواته لإنهاك الاقتصاد المحلي ومحاربة السوري في لقمة عيشه، وهنا نتساءل: أين أصبح مكتب مقاطعة البضائع التركية، وهل يكفي فعلاً منع استيراد المنتجات التركية, أم يفترض اتخاذ أقسى العقوبات بحق كل من يتداول أو يتاجر بالمنتجات التركية بأي طريقة كانت بعيداً عن الحملات الإعلامية .
المنتجات التركية المنتشرة على «أبو موزة» في أسواقنا، لا تقتصر على الألبسة فقط وإنما الغذائية، وهنا تكمن الخطورة, خاصة أن أغلبية السلع حالياً تأتي تهريباً، من تدخل هذه السلع من دون تحليل أو مراقبة بشكل يعرض صحة السوريين وسلامتهم إلى الخطر لاحتمال وجود مكونات فاسدة غير صالحة للاستهلاك أصلاً, أو ربما تصنيع منتجات بعينها خصيصاً للسوريين من أجل إلحاق الضرر الصحي بهم، وهذا غير مستبعد، فمن ساهم في تدمير بلد واقتصاده لا يستغرب منه القيام بهذه الخطوة، علماً أن الأمر قد حُذِّر منه مؤخراً بعد رصد الكثير من المنتجات التركية المهربة غير صالحة للاستهلاك البشري، ما يوجب كخطوة أولى, على كل سوري مقاطعة المنتجات التركية والتوجه نحو شراء المنتجات الوطنية، فاليوم المنتج الرخيص قد يكون دافعاً للشراء بسبب قوة المواطن الشرائية المنخفضة, لكن في المقابل سيحول البلد إلى مستهلك بعد أن كانت منتجاً، وهذا سيدفع المواطن لاحقاً ثمنه باهظاً.
مكتب مقاطعة تركيا
فارس الشهابي -رئيس اتحاد الغرف الصناعية رفع الصوت عالياً لمقاطعة البضائع التركية، وخاصة بعد دور تركيا المشبوه في تدمير الصناعة السورية وتحديداً في حلب، مشدداً على ضرورة تنفيذ مطلب الصناعيين القديم بتأسيس مكتب لمقاطعة تركيا أسوة بمقاطعة «إسرائيل»، عدّ التركي كالإسرائيلي، الذي يعد تداول منتجاته من المحظورات، ويفترض التعامل مع التركي على هذا الأساس.
وعند سؤاله عما يفعله الاتحاد لتحقيق نتائج إيجابية لمقاطعة المنتج التركي أكد قيامه بكل ما يلزم لتحقيق هذه الخطوة بكل جرأة مع مواجهة حرب ضروس من قبل تجار الحرب والمافيا المستفيدة من التركي، مع الضغط المستمر لمكافحة التهريب عبر المعابر ووضع لائحة سوداء بمن يثبت تعامله التجاري مع تركيا.
الاعتماد على الذات
الدعوة لمقاطعة المنتجات التركية تكررت أيضاً على لسان الصناعي مجد ششمان من حلب بتأكيده أن سورية مقبلة على مرحلة إعادة البناء، لكن الصناعة المحلية تضررت كثيراً أثناء الحرب، وقد كان لتركيا دور كبير في ضرب الصناعة السورية ، بعد فتحها الحدود أمام المهربين واللصوص وتسهيلها نقل المعامل المسروقة إلى الداخل التركي بطريقة ممنهجة .
وأضاف: مع بدء التعافي للقطاع الصناعي نواجه عدة مشاكل أهمها التهريب للبضائع التركية بشكل كبير عن طريق مرتزقة وأمراء حرب، ما أثر سلباً في المنتج المحلي، المحتاج إلى الدعم والحماية، فاليوم قد يكون المنتج المحلي أغلى من مثيله المستورد أو المهرب لكن من الواجب الأخلاقي والوطني مقاطعة كل ماهو أجنبي والاعتماد على الذات ولو فترة للنهوض بالصناعة من جديد، ضارباً مثالاً على ذلك التجربة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت جميع المصانع مدمرة وكانت البضائع الأجنبية تغزو الأسواق الألمانية، لكن وعي الشعب, وانطلاقاً من حبه لوطنه, امتنع عن شراء كل ماهو أجنبي، حتى عادت الصناعة الألمانية وتعافت وأصبحت من أول الدول الصناعية الكبرى.
منافسة قوية
تدخل السلع التركية تهريباً عبر الحدود الشمالية أو عبر لبنان , حسب عضو غرفة صناعة دمشق وريفها ماهر الزيات الذي أكد أن البضائع التركية ذات منافسة قوية خاصة بعد هبوط قيمة الليرة التركية مع تقديم كل أشكال الدعم لها، فلا يوجد أي صعوبات أمامها على عكس المنتج المحلي، الذي يعاني مختلف أنواع العقبات ما يجعل منافسته ضعيفة، لكن بمطلق الأحوال ليس جميع السلع المحلية أقل جودة وأعلى سعراً، لكن المنافسة ليست لمصلحة المنتج المحلي حالياً، لكن عند بدء دوران عجلة الإنتاج بعد تأهيل البنية التحتية للصناعة المحلية، سيعود إلى دائرة المنافسة، وهذا يتطلب حالياً المساعدة في استيراد المواد الأولية وتأمين مستلزمات الإنتاج، مشيراً إلى أن الحكومة تحاول قدر الإمكان تحقيق ذلك عبر دعم الصناعي لكن الحصار الاقتصادي يشكل عقبة كبيرة، لافتاً إلى أن المطلوب جهد متكامل من جميع الجهات, وخاصة الجمارك لمكافحة التهريب، مع عمل ميداني على الأرض يضمن تشغيل الصناعة ومراقبة الأسواق ومعاقبة كل من يتاجر ويتعامل بالمنتجات التركية، التي يجب على كل سوري مقاطعتها.
محاربة «عـالمكشوف»!
الصناعي محمد زيزان شدّد على ضرورة مقاطعة المنتجات التركية، خاصة عند معرفة وجود مافيا فعلية تعمل جدياً على إضعاف قدرة المنتج المحلي على المنافسة، إذ يعمد إلى إغراق السوق بالمنتجات التركية التي تباع بـ«تراب المصاري» لإبعاد المواطن عن شراء البضائع السورية، التي لا شك في أنها أغلى سعراً بسبب تكاليف الإنتاج المرتفعة التي فرضتها الحرب، مؤكداً وجود كميات كبيرة من المنتج المحلي تغطي حاجة السوق .
«كلام فاضي»
مع موافقة الصناعي محمد الحموي على مقاطعة المنتجات التركية لكنه رأى أن ذلك «كلام فاضي» لأن المهربات تملأ الأسواق وتحديداً في حلب من دون المبادرة إلى مكافحتها على نحو فاعل، فالحدود مفتوحة على مصراعيها للتهريب، والأمر لا يقتصر على دخول كميات قليلة فقط وخاصة عند معرفة أن الكثير من المنتجات التركية تصنع على الأراضي التركية في معامل للسوريين، ليتم إدخالها لاحقاً وكتابة أنها مصنوعة في سورية، متسائلاً: كيف يمكن مقاطعة التركي إذا كانت كل الموازين تميل لمصلحته وخاصة لجهة السماح بإدخال المهربات التركية من دون مساءلة، وهذا يتطلب اتخاذ تدابير فعلية لمراقبة الحدود ومنع دخول المهربات .مسؤولية جماعية
تحقيق حملة مقاطعة المنتج التركي نتائج فعلية يتطلب اقتناع المواطن بخطورة شراء المنتج التركي وتفضيل المنتج المحلي حتى لو كان سعره أغلى وجودته أقل، وهنا يرفض فارس الشهابي فكرة التعميم، ففي رأيه توجد منتجات وطنية متنوعة بين الجيدة والمقبولة والسيئة، مشيراً إلى أنه في حال عدم الرغبة بشراء المنتج السوري، هناك منتجات أخرى لبلدان أخرى كالصين منتشرة بكثرة بفضل التهريب، لذا المهم في الدرجة الأولى مقاطعة المنتجات التركية .
نسأله عن المطلوب من الحكومة لدعم المنتج المحلي ومنع انتشار المنتجات التركية في الأسواق المحلية، فيشير بكل بساطة إلى ضرورة تنفيذ توصيات المؤتمر الصناعي الثالث.
أما الصناعي مجد ششمان فيعود ويشدد على أن حماية المنتج الوطني ومقاطعة التركي تعد مسؤولية جماعية من أجل مستوى المنتج الوطني وتعزيز مفهوم الجودة والمراقبة كي يعود المنتج الوطني إلى المنافسة، بينما المطلوب من الحكومة تحفيز هؤلاء المنتجين بعدة قرارات أهمها تخفيض كلف الإقراض والتشجيع على التصدير برفع نسبة عوائد التصدير إلى نسب تزيد على ١٥%، والعمل على إصدار قوانين خاصة بالمناطق المتضررة لتشميلها باعفاءات من الغرامات والفوائد .
بلد مستهلك
وعن كيفية إقناع المواطن بجدوى المنتج الوطني وتفضيله على المنتج الأجنبي وخاصة التركي، أكد ششمان أن المنتج الأجنبي قد يكون الآن أرخص، لكن خسارة المواطن على المدى البعيد أكبر بكثير، لأنه اليوم من الواجب الوطني الوقوف إلى جانب الصناعي، فإذا تخلى الآن المواطن عن منتجه المحلي ستتحول البلد إلى بلد مستهلك فقط، وسنكون مثل لبنان والأردن.
وتابع حديثه قائلاً: علينا جميعاً التحمل ريثما يعود الإنتاج إلى ما كان عليه قبل الأزمة كماً ونوعاً، وما كان يصدر لأوروبا سيعود لتلك الجودة والتكلفة المنخفضة، وسيرى المواطن البسيط أن الإنتاج المحلي أرخص من المستورد من جديد، مشدداً على ضرورة المحافظة على ما نحن نؤمن به بأن نلبس مما نصنع ونأكل مما نزرع.
ليس وليد اللحظة!
وجود البضائع التركية وانتشارها الكثيف ليس وليد اللحظة وإنما كان أيضاً موجوداً قبل الحرب، فقد أغرقت السوق بالبضائع التركية بتسهيلات أو تجاوزات، ما أدى إلى أفول الكثير من المهن كصناعة المفروشات وغيرها من الصناعات السورية، التي كانت تتمتع بجودة ومواصفات مميزة، وسط عطالة عشرات الآلاف من العمال، حسب د.سنان ديب- الخبير الاقتصادي، الذي أكد أن تركيا كانت شريكة في الإرهاب العسكري والاقتصادي لناحية سرقة المعامل وتدميرها، وسرقة المحاصيل الزراعية والنفط، مع إغراق السوق في بضائعها من أجل قتل الطاقات الإنتاجية عبر »تكسيد» السوق، وهو ما كان يحصل للمنتجات الحيوانية والألبسة، إضافة إلى أن ضعاف النفوس، استغلوا الظروف لتهريب سلعهم، وقد مرت فترات كانت بضائعهم تغزو السوق السورية مستغلين أولويات الحكومة.
وشدد د.سنان على أن الظروف اليوم تغيرت، وقدرات وإمكانات الحكومة السورية ومقدرتها على مراقبة الحدود والأسواق أصبحت متاحة للتصدي لظاهرة كهذه، ونحتاج إلى تعاون جميع الجهات لمواجهة هذا الغزو الاقتصادي، حيث يفترض بالجمارك حماية الحدود ومنع التهريب، أما فيما يخص ثقافة المقاطعة الشعبية فيتطلب تعاون الإعلام والمنظمات والهيئات والجمعيات الأهلية، عبر الإشارة إلى خطورة هذا الظاهرة لعدم جودة وصحية البضائع المهربة، بالتوازي مع حملات تموينية موازية والتركيز على جودة البضائع السورية، التي تدنت خلال الأزمة لضعف الرقابة من جهة، ولتخفيض التكاليف لتناسب القدرة الشرائية من جهة اخرى، مشيراً إلى أن الدور الأكبر والمهم يبقى للإعلام السوري عبر القيام بحملات مستمرة والتركيز على البعد الوطني لهذه العملية.
تأمين البدائل
الدكتور جمال السطل- الخبير في شؤون حماية المستهلك، شدد على أن التعويل على العامل الوطني ليس صحيحاً أو فاعلاً لمقاطعة المنتجات التركية، فما دام المواطن بحاجة إلى سلعة ما، سواء أكانت تركية أم من أي بلد آخر، فسيلجأ إلى شرائها، لذا الحل يكون في تأمين البديل المناسب له، سواء عبر استيراده نظامياً أو عبر تحسين جودة المنتج الوطني وتخفيض سعره ليكون مقبولاً لجيوب المواطن، أو العمل على تفعيل سياسة إحلال المستوردات التي تقوم بها وزارة الاقتصاد حالياً، عبر إنتاج منتجات وطنية بديلة عن المستوردات، كما يفترض بالجمارك العمل على مكافحة ظاهرة التهريب.
لاعلم لنا
ولمعرفة الإجراءات المتخذة لمكافحة المهربات، وتحديداً المنتج التركي، قصدنا الجهات المختصة وسألناها عن مكتب مقاطعة المنتجات التركية، لتؤكد كل من وزارتي الاقتصاد والصناعة عدم وجود مكتب بهذا الاسم، ولا علم لهما به، ليتم الاقتصار فقط على توجيه أو تعميم بحظر استيراد المنتجات التركية ومعاقبة كل من يثبت تداوله وتعامله بهذه المنتجات فقط من دون إصدار قرار أو اتخاذ إجراء شديد يشكل رادعاً لمن يهرب ويتاجر بالبضائع التركية في السوق المحلية.
رحاب الإبراهيم
إضافة تعليق جديد