حَراك أميركي في حضرموت: غزوٌ بلافتة «مكافحة الإرهاب»؟
تبدي الإدارة الأميركية في الآونة الأخيرة اهتماماً استثنائياً بمحافظة حضرموت جنوب شرق اليمن، حيث أصبحت مدينة المكلا، مركز المحافظة، محطة رئيسة للزيارات المتلاحقة التي تقوم بها وفود أميركية أمنية وعسكرية من دون تنسيق مسبق مع حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي. هذا الاهتمام عبّر عنه السفير الأميركي لدى اليمن، كريستوفر هنزل، الشهر الماضي، خلال لقائه محافظ حضرموت فرج سالمين البحسني، بقوله إن «أنظار واشنطن لم تفارق حضرموت»، وهو ما يشير إلى أن الإدارة الأميركية تسعى إلى الحصول على موطئ قدم في المحافظة اليمنية التي تشكّل مداراً للأطماع الإقليمية والدولية لموقعها الاستراتيجي على بعد قرابة 500 كيلومتر من الساحل الشرقي على البحر العربي، ولثرواتها المتعددة.
وللمرة الثانية في أقلّ من شهرين، حطّت طائرة سعودية تقلّ هنزل ووفداً أمنياً واستخبارياً رفيع المستوى في مطار الريان في مدينة المكلا مطلع الأسبوع الفائت، أي قبل الموعد المفترض لإعلان «الهيئة العامة للطيران المدني» التابعة لحكومة هادي إعادة افتتاح المطار بحوالى أسبوع. وفور وصوله إلى المطار، توجّه هنزل إلى مقرّ قيادة «المنطقة العسكرية الثانية» حيث عقد اجتماعاً مع محافظ المحافظة ومختلف القيادات العسكرية والأمنية فيها، وتباحث معهم في الملف الأمني في صحراء حضرموت وواديها، وجهود «مكافحة الإرهاب» فيها، فضلاً عن الترتيبات الأميركية لإقامة قاعدة عسكرية دائمة للولايات المتحدة بالقرب من مقرّ «المنطقة الثانية» في المكلا. وفيما اقتصر بيان السلطة المحلية في المدينة حول الزيارة على أنها ناقشت «احتياجات المحافظة التنموية»، اعتبر الناطق باسم «المنطقة الثانية» أن زيارة هنزل «أكدت حجم الثقة التي حظيت بها حضرموت بعد دحر قوى الإرهاب في مناطق الساحل»، ناقلاً عن السفير الأميركي وصفه التجربة هناك بـ«الفريدة والنموذجية».
هذه التحركات والمواقف أثارت ردود فعل ساخطة في الداخل اليمني، وتحذيرات من خطط لدى الولايات المتحدة لإنشاء قواعد عسكرية برية وجوية وبحرية دائمة، في حضرموت بشكل خاص، وفي جنوب اليمن بشكل عام، تحت ذريعة «مكافحة الإرهاب». مساعٍ يبدو أن واشنطن فقدت الثقة بقدرة الحكومة المدعومة منها على تسهيلها، وهو ما جعلها تلجأ إلى التعامل المباشر مع السلطات المحلية في حضرموت، التي تخطط منذ زمن لأن تكون قاعدة عسكرية لها، تسهم في حماية مصالحها هناك، وتعزّز نفوذها في البحر العربي. وكان «البنتاغون» أكد، أواخر عام 2016، وجود قوات أميركية في مياه البحر العربي، ورسوّ عدد من البوارج الحربية وحاملات الطائرات الأميركية قبالة شواطئ المكلّا والشحر على بعد حوالى 100 ميل.
اللافت أن التحركات الجديدة تأتي في وقت تُسجِّل فيه العمليات الإرهابية التي تستهدف المحافظة أدنى مستوياتها خلال العام الجاري، توازياً مع تراجع عمليات الطائرات الأميركية من دون طيار في محافظات مأرب والبيضاء (وسط) وشبوة وأبين (جنوب)، ما يشي بأن نية الولايات المتحدة هذه المرة تتجاوز حدود العمليات التي نفذتها ضد عناصر مفترضين من «القاعدة» ما بين عامَي 2017 و2018، إلى السعي لتثبيت موطئ قدم في شرق البلاد. وما يعزّز وجود تلك النيّات هو حرص الأميركيين على التقرّب من القيادات القبلية في المحافظة، والعمل على استقطابها، خشية رفض المجتمع المحلي لأجندة واشنطن، الأمر الذي يؤشّر إليه لقاء هنزل بأحد أبرز الوجوه القبلية في حضرموت، زعيم «مؤتمر حضرموت الجامع» عمر بن حبريش، المحسوب على السعودية.
الاهتمام الأميركي بحضرموت ليس وليد اللحظة، بل هو يعود إلى ما قبل عام 2010، حيث تمكّنت إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، من إنشاء غرفة عمليات لمكافحة القرصنة بعد «ثورة الشباب» التي أطاحت نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلا أن هذه الغرفة تعرّضت للتدمير في العام 2013، عقب اقتحام تنظيم «القاعدة» بعملية انغماسية مقرّ «المنطقة العسكرية الثانية» في المكلا. وخلال السنوات الماضية، استقبلت المكلا عدة وفود أميركية، زيارات بعضها كانت سرية كحال زيارة السفير الأميركي السابق ماثيو تولر، أواخر عام 2017، والتي جاءت عقب وصول قوات أميركية رمزية إلى القاعدة العسكرية الإماراتية - الأميركية المشتركة التي أنشئت في مطار الريان أواخر العام 2016. تضاف إلى تلك الزيارة أخرى علنية قام بها تولر أيضاً برفقة السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، للمشاركة في حفل تسليم الجانب الاماراتي مهامّ حماية سواحل حضرموت لقوات «خفر السواحل» التي تمّ تشكيلها على أساس مناطقي، بعدما تلقّى قرابة 1000 عنصر منها تدريباً عسكرياً مكثّفاً من قِبَل مدرّبين أميركيين. وبعد انتهاء فترة السفير السابق أواخر العام الماضي، وصل وفد أميركي أمني برئاسة القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى اليمن، جنيد منير، مدينة المكلا مطلع شباط/ فبراير الفائت، حاملاً الأجندة نفسها التي حملها وفد أميركي رفيع المستوى رأسته مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الصراعات ودعم الاستقرار، دينيس ناتالي، إلى المدينة في 25 حزيران/ يونيو الماضي، والمتمحورة حول «مكافحة الإرهاب».
مصدر عسكري في صنعاء يقول إن هناك توافقاً أميركياً - إماراتياً على إنشاء قواعد عسكرية في جنوب اليمن، مشيراً إلى أن تمحور تصريحات عدد من المسؤولين الإماراتيين أخيراً حول «مكافحة الإرهاب» يصبّ في هذا السياق. وعليه، فإن الإمارات - وفق المصدر - لم تفِ بالتزاماتها بالانسحاب الكامل من اليمن، الأمر الذي قد يدفع صنعاء إلى تنفيذ وعودها باستهدافها. ويلفت المصدر إلى أن مزاعم تسليم مطار الريان لحكومة هادي، وإعادة افتتاح المطار الأسبوع الجاري، تتجاهل الحديث عن السجن السرّي الكبير الذي أقامته الإمارات هناك، متّهماً الرياض بالتستّر على جرائم أبو ظبي والإبقاء على معتقلاتها في الجنوب. من جهته، يلفت مصدر استخباري في صنعاء إلى أن «دول العدوان تعمل مع الولايات المتحدة منذ عام على إنشاء مركز لمكافحة الإرهاب في مدينة المكلا»، موضحاً أن «المركز يجري الترتيب لإنشائه تحت إشراف الولايات المتحدة، التي تولّت عملية تدريب قوات خفر السواحل في حضرموت خلال العامين الماضيين». ويبيّن أن «المركز يتكون من غرفة عمليات لمراقبة تحركات الجماعات الإرهابية في المنطقة الشرقية من اليمن، وأيّ أعمال متعلّقة بالقرصنة في البحر العربي»، مضيفاً أن «ضباط استخبارات أميركيين سيشرفون على المركز، بمساعدة ضباط استخبارات إماراتيين، فيما ستتولى قوة إماراتية وسعودية خاصة حمايته».
الأخبار
إضافة تعليق جديد