حول تفعيل أنقرة لاتفاقية مونترو وتأثيرها على أطراف الحرب الأوكرانية
سركيس قصارجيان:
مع ارتفاع حرارة مياه البحر الأسود بفعل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، توجّهت أنظار العالم مجدداً نحو تركيا، ليس بسبب امتلاكها أطول ساحل على البحر المذكور فحسب، بل لكونها الدولة التي تتحكم بإثنين من أهم المضائق البحرية في العالم: الدردنيل والبوسفور.
بعد مرور خمسة أيام على بدء العملية العسكرية الروسية، أعلنت أنقرة مساء الإثنين تفعيل اتفاقية "مونترو"، باغلاق المضيقين المفتاحين في الحرب الروسية-الأوكرانية، محذّرة الدول المشاطئة وغير المشاطئة للبحر الأسود من عبور سفنها الحربية عبر المضيقين المذكورين.
وفي حين فسّر البعض الإعلان التركي بمثابة تغيير في موقف أنقرة تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، رأى آخرون أن الخطوة المذكورة لن تؤثر في مجريات الحرب، في المدى القريب على الأقل.
ترحيب جماعي بالقرار التركي
أولى ردود الأفعال الدولية على القرار التركي جاءت من ألمانيا التي أعربت خارجيتها، في تغريدة يوم الثلاثاء، ترحيبها بتطبيق تركيا اتفاقية "مونترو" الخاصة بالمضائق وشكرها "على ضمان استمرارية التطبيق".
تبعتها روسيا، بعد يوم، حينما شدّد سفيرها في أنقرة ألكسي ييرهوف في تصريحات أدلى بها الى قناة إخبارية محلية على "الأهمية الكبرى لاتفاقية مونترو بالنسبة الى روسيا"، معبّراً عن "تقدير بلاده لموقف تركيا تجاه حماية اتفاقية مونترو والامتثال لها، كونها وثيقة قانون دولي مهمة".
أما أوكرانيا فقد استبقت كلا الموقفين حينما شكر رئيسها فولوديمير زيلينسكي في تغريدة على حسابه في "تويتر" السبت الماضي "صديقه السيد الرئيس رجب طيب أردوغان وشعب تركيا على دعمهم القوي (لبلاده)"، مبيّناً أن حظر مرور السفن الحربية الروسية إلى البحر الأسود وتقديم دعم عسكري كبير لأوكرانيا أمران مهمان للغاية، وأن الأوكرانيين لن ينسوا ذلك، ما استدعى رداً تركياً سريعاً في حينه بنفي وجود قرار تركي بتفعيل الاتفاقية، ذلك لأن أنقرة لم تكن قد أقرّت بكون العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حرباً.
روسيا حشدت سفنها الحربية قبل الإعلان
بالنظر إلى المواقف الثلاثة، وترحيب الأطراف المتحاربة، قد يفتح القرار الباب للتفكير في انتهاج أنقرة مساراً دبلوماسياً مرضياً للطرفين المتعاديين. الترحيب الأوكراني المبكر بقرار الإغلاق قبل إعلانه يشير إلى وجود ضمانات تركية قدمت لكييف بتنفيذ رغبتها في اغلاق المضيقين، فيما يمكن تفسير تأخر أنقرة في وصف العملية العسكرية الروسية بالحرب، بمنح موسكو مهلة زمنية كافية لإجراء الترتيبات الخاصة بتنظيم أسطولها في البحر الأسود بالشكل المناسب روسياً.
ويرى الخبير في السياسات الروسية والتركية المحاضر في العلوم السياسية في العديد من الجامعات الروسية كريم هاس، في تصريحات الى "النهار العربي" أن "هناك فارقاً بين تفعيل الاتفاقية الآن بعد مضي 5 أيام على بدء الحرب، وبين تطبيقها منذ اليوم الأول، بخاصة أن روسيا لم تحقق ما كانت تصبو إليه حتى الآن. طبعاً قد تتصاعد وتيرة الحرب، هناك احتمال لذلك، بتقديري كان الروس يعتقدون بامكان انهائها خلال أيام معدودة"، مضيفاً: "لا ننسى أن الاغلاق يشمل كل السفن الحربية، وليس الروسية والأوكرانية فقط، ما ينهي أيضاً احتمال قيام بريطانيا أو الولايات المتحدة بإرسال سفن حربية لدعم أوكرانيا، لذلك وإن كان القرار التركي يعني روسيا بالدرجة الأولى، لكنه ليس متعلّقاً بروسيا فقط، لأنه يمنع أيضاً دخول دول الناتو إلى المنطقة".
ويشرح هاس، المتخصص بسياسات الأمن والطاقة الأوراسية، أن "روسيا قبل بدء الحرب قامت بحشد أعداد كبيرة من السفن الحربية في البحر الأسود قادمة من المتوسط، وأسطول المحيط الهادئ من قاعدة فلاديفوستوك، وأسطول بحر الشمال من مورمانسك، وأسطول البلطيق من بطرسبرغ، حتى بات هناك المئات منها في قاعدة سيفاستوبول البحرية، لذلك لا أعتقد أن روسيا بحاجة إلى سفن إضافية، بخاصة إذا بقيت الحرب في حدودها الحالية، من دون أن تتحول إلى حرب شاملة ضد الناتو".
ويؤكد أن "قرار أنقرة لن يؤثر سلباً في العلاقات التركية-الروسية، على الرغم من أنها مفتوحة أمام التوترات في أي لحظة".
وفي السياق ذاته، يشرح الباحث في "مركز التحليلات البحرية" CNA كورنيل أوفرفيلد، في سلسلة تغريدات، أن الفقرة الرابعة من البند التاسع عشر في الاتفاقية تمنح سفن الدول المشاطئة للبحر الأسود حق المرور عبر المضيقين في حال العودة إلى القواعد التي تم تسجيل هذه السفن فيها، وبالتالي فإن القيام بتعديلات بسيطة في قوائم السفن المسجّلة في هذه القوائم سيتيح لروسيا امكان استقدام أو ارسال السفن من وإلى البحر الأسود، حتى في ظل تفعيل الاتفاقية.
طلب أوكرانيا معنوي
وعن تأثير القرار التركي في أوكرانيا، التي كانت السباقة الى المطالبة بتفعيل اتفاقية "مونترو" يوضح هاس أن "اغلاق المضائق لن يؤثر في أوكرانيا لأن عدد سفنها محدود بالأصل، كما أنها لا تمتلك أساطيل خارج البحر الأسود".
ويشرح هاس أن "الطلب الأوكراني في الأصل هو نوع من الضغط المعنوي على موسكو، بالتلويح بوقوف أنقرة إلى جانب كييف، مع الأخذ بالاعتبار الاستعراض التي تتقصّد كييف القيام به عبر اظهار مقاطع فيديو لاستهداف مسيّرات بيرقدار التركية أهدافاً روسية".
ويعتقد هاس أن "روسيا كانت تأمل في احراز تقدّم أسرع مما هو عليه الوضع الآن، فقرار الحرب برأيي لم يكن متوافقاً مع المصالح الروسية في الأصل، وتم اتخاذه بدوافع مختلفة على ما يبدو"، مضيفاً أن "أوكرانيا تعمل أكثر على الجانب المعنوي في الوقت الحالي".
وتبقى الإشارة إلى أن الاتفاق المذكور يمنح تركيا الصلاحية المطلقة في التحكم بعملية عبور السفن الحربية عبر المضيقين في حال تفعيل كل من البند 20 الذي ينص على حق تركيا في حال كانت طرفاً في الحرب، والبند 21، الذي يمنح تركيا الصلاحية المذكورة في حال "شعورها بالوقوع تحت تهديد حرب وشيكة". وفي هذه الحالة ينبغي على أنقرة التقدّم بإخطار الى أطراف الاتفاقية والأمين العام للأمم المتحدة يفيد بتطبقها هذين البندين، ولا يمكن منع تركيا من ذلك إلا إذا اتخذ مجلس الأمن قراراً بأغلبية ثلثي أعضائه يفيد بعدم وجود مبرر لدى تركيا لاتخاذ مثل هذا القرار، وموافقة غالبية الأطراف في الاتفاق على ذلك أيضاً.
يذكر أن مضيقي الدردنيل والبوسفور يشهدان مرور أكثر من 3 ملايين برميل من النفط يومياً، (نحو 3٪ من الإنتاج العالمي) آتية من روسيا وأذربيجان وكازاخستان، إضافة إلى كميات كبيرة من المنتجات الزراعية والصلب الذي يتم شحنه من دول البحر الأسود إلى أوروبا وبقية أنحاء العالم.
النهارالعربي
إضافة تعليق جديد