عندما كان راتب الموظف 1000 ليرة
لو تابعنا مشهداً سيريالياً مصوراً لموظف معين حديثاً في بداية ثمانينيات القرن الماضي قبض للتو راتبه الشهري الأول الذي لايتجاوز 1000 ليرة، وقرر أن “يتبضع” حاجيات أسرته من السوق، وليس من الصالات الحكومية، فكم يمكنه أن يشتري من سلع أساسية..؟
لنفترض انه أشترى التالي: كيلو لحمة غنم هبرة بمبلغ 80 ليرة، وفروج وزن 2 كيلوغرام بـ 40 ليرة وثلاث ربطات خبز مدعوم بـ 9 ليرات، وكيلو بندورة بـ 35 ليرة، و3 كيلو بطاطا بـ 24 ليرة، و2 كيلو برتقال بـ 20 ليرة، و2 كيلو ليمون بـ 60 ليرة، و2 كيلو تفاح بـ 40 ليرة، وصفيحة بيض بـ 70 ليرة، وكيلو لبن بـ 20 ليرة، وكيلو قهوة بـ 100 ليرة، وكيلو شاي بـ 75 ليرة، و2 كيلوبرغل بـ 20 ليرة، و3 كيلو رز حر بـ 45 ليرة، وليتر زيت نباتي بـ 20 ليرة، وكيلو سمن عربي بـ 150 ليرة.. إلخ..
ترى كم كان ثمن هذه السلة الغذائية الدسمة والمتنوعة..؟ ثمنها 808 ليرات فقط من إجمالي راتب يبلغ 1000 ليرة للمعين حديثا في جهة عامة..! وهذا المبلغ الذي يبدو هزيلا اليوم كان يشتري أكثر من 200 دولار بالسعر الرسمي، وكان سيبقى لدى الموظف مبلغ 192 ليرة أي 48 دولارا..!
المشهد السيريالي الثاني.. نفس الموظف لو اشترى المواد نفسها في عام 2003، أي بعد عشرين عاماً، بعد أن قفز راتبه إلى 10000 ليرة فكم ستكلفه؟ 1830 ليرات فقط؟ وهذا المبلغ يساوي 39 دولاراً فقط، وكان سيتبقى لدى الموظف مبلغ 8170 ليرة، يتيح له أن يشتري هذه السلة 5 مرات في الشهر..!
أما إذا أراد هذا الموظف أن يشتري السلة العذائية نفسها دون أية زيادة في مكوناتها في بداية عام 2022، أي بعد أن تقاعد واصبح يتقاضى الحد الأدنى للأجر، أي أقل من 93 ألف ليرة (أقل من 37 دولاراً بعدما كان 250 دولاراً عند بدء التعيين في عام 1980)، فستكلفه أكثر من 200 ألف ليرة أي سيعاني من عجز شهري لايقل عن 110 آلاف ليرة.. فمن أين سيأتي بها..؟!.
السؤال الآن: ماذا نستنتج من هذه المشاهد السيريالية التي تحاكي الواقع على مدى أربعين عاماً؟ بدلاً من أن تتحسن الأوضاع المعيشية للأسرة السورية بعد أن قضى معيلها أكثر من ثلاثين عاما في خدمة الدولة، فإن ملايين الأسر انتقلت بفعل القرارات الحكومية إلى ما دون خط الفقر، ولولا الإعانات التي تأتيها من أبناء مغتربين، أو إعانات من جمعيات خيرية، أو فتات من دعم حكومي.. لكان أغلبها انحدر إلى ما دون الدرك الأسفل، هذا إن لم تنحدر فعلاً..!
البعث
إضافة تعليق جديد