تركيا ترفع اعتراضها أمام الأميركيين: استثناء قسد من قيصر ممنوع
أيهم مرعي:
لا توفّر أنقرة فرصةً لإبداء نواياها التصعيدية ضدّ «قسد»، كونها دائماً ما تنظر إليها على أنّها امتداد لـ«حزب العمّال الكردستاني»، يشكّل وجودها على مقربة من حدودها، تهديداً أمنياً مستمرّاً. وخلال الأيام الأخيرة، عادت تركيا لتمارس ضغوطاً على «قسد» ومَن يدعم وجودها، من خلال تنشيط حركة استهداف قياداتها وعناصرها بالطائرات المسيّرة، وتكثيف القصف المدفعي على مواقعها، والعودة إلى منع مياه نهر الفرات عنها مجدّداً. وتزامناً مع إطلاق الجيش التركي عملية «قفل المخلب» العسكرية ضدّ مواقع «الكردستاني» في شمال العراق، شهدت مناطق سيطرة «الإدارة الذاتية» عمليات قصف مكثّفة بالطائرات المسيّرة والمدفعية والصواريخ، طاولت مساحة تمتدّ على أكثر من 30 كيلومتراً بين بلدتَي تل تمر وأبو رأسين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، ومحيط بلدة عين عيسى شمال الرقة. ونجحت القوات التركية في قتل القيادي البارز في «قسد»، قهرمان أيدن، وجرح قياديَّين في «المجلس العسكري السرياني». وجاء التصعيد بعد أقلّ من أسبوعين من إعلان تركي – أميركي مشترك عن توصّل الجانبين إلى وضْع مخطّط لتحسين العلاقات المتوتّرة بينهما، مع التركيز على التعاون في مجالات الاقتصاد والدفاع. وهو إعلان فُسّر على أنه موافقة مبدئية من جانب الولايات المتحدة على شنّ تركيا مزيداً من الهجمات ضدّ مواقع «قسد»، خاصّة في المناطق التي لا تشهد انتشاراً أميركياً، من منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، حتى تل تمر في ريف الحسكة.
ويبدو أن أنقرة تنطلق في تصعيدها الأخير، من مؤشّرات التقارب مع واشنطن، وتسريبات «إعلامية» تركية تفيد بإمكانية الوصول إلى «تقارب» مع دمشق عبر موسكو. كما يبدو أن تركيا تطلق بالون اختبار لاستكشاف مواقف كلّ الأطراف حيال إمكانية إطلاق عملية عسكرية جديدة في سوريا، إذ تسعى إلى اختبار جدّية واشنطن في تحسين العلاقات معها، من خلال الطلب إلى الإدارة الأميركية تجميد المشروع الخاص باستثناء مناطق سيطرة «قسد» من عقوبات قانون «قيصر». وفي هذا السياق، نشرت وسائل إعلام كردية معلومات عن «ضغوط تركية على الإدارة الأميركية، لضمان عدم منْح مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية استثناءات خاصّة من عقوبات قيصر، بحجّة أنّها تعزّز حالة الإدارة الذاتية في المنطقة». ونقلت وسائل الإعلام هذه، عن مصدر مطلع، قوله إن «مسودة القرار كانت جاهزة، وعلى وشك الإعلان عنها من قِبَل وزارة الخزانة الأميركية، قبل أن تندلع حرب أوكرانيا، وتبدأ تركيا، ومن ورائها لوبيات تابعة للمعارضة السورية في واشنطن، بالتدخّل لمنع هذه الخطوة». وتشير معلومات إلى أن الأتراك رفضوا مقترحاً أميركياً، بأن يتمّ استثناء مناطق سيطرة «قسد» من عقوبات «قيصر»، في مقابل استثناء مناطق السيطرة التركية في الشمال السوري منه كذلك. وينطلق الموقف التركي من ثابتة عدم منْح أيّ فرصة انتعاش اقتصادي لمناطق «قسد»، في حين أن مناطق الشمال السوري غير محاصرة أصلاً، وتعمل تركيا على توفير الجزء الأكبر من احتياجاتها من خلال الحدود المفتوحة معها.
أمام هذه التطورات، لا يبدو أن «قسد» ستسلّم للخيارات التركية بسهولة، وهي لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء المؤشرات التي تدلّ على نيّة أنقرة إطلاقَ عملية عسكرية ضدّها. لذلك، يُرجّح أن تعاود «قوات سوريا الديموقراطية» التلويح بورقة سجون ومخيمات «داعش» للضغط على الأميركيين، ومنعهم من تقديم أيّ تنازلات لتركيا على حسابها. كذلك، عمدت «قسد» إلى فرْض حصار على مناطق سيطرة الحكومة السورية، في مدينتَي الحسكة والقامشلي، موجهةً بذلك رسائل إلى دمشق حول ضرورة عدم التفكير بالاتفاق مع الأتراك ضدّها في المنطقة، كونها مدركة لما «يُحاك» من اتفاقات تستهدف وجودها في عموم مناطق شرق الفرات. ومن جهة أخرى، ثمّة مؤشرات إلى إمكانية أن تلجأ «قسد»، في حال فشلت في إقناع الأميركيين بضرورة صدّ الجموح التركي، إلى فتح مسارات لخفض التصعيد مع أنقرة، وقد يكون ذلك برعاية واشنطن نفسها. وأقدمت «قسد» على خطوة الحصار هذه، على رغم تأكيدات الحكومة السورية عدم وجود أيّ لقاءات أو اتفاقات مع الجانب التركي، إذ قالت وزارة الخارجية السورية إن هذه الأنباء «لا تتعدّى كونها بروباغندا إعلامية مفضوحة، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تركيا»، لافتةً إلى أن «دمشق لا يمكن أن تفكّر بأيّ حوار مع تركيا، ما لم تكن الخطوة الأولى هي سحب قوات الاحتلال التركي الموجودة بشكل غير شرعي على الأراضي السورية، ووقف دعم الإرهابيين، والكفّ عن الانتهاكات المتكرّرة بحق السوريين».
الأخبار
إضافة تعليق جديد