واشنطن تضْمن لأنقرة حصّتها في سوريا: لمسات أخيرة على استثناءات قيصر
علاء حلبي:
في اجتماع حضره وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، وقفت مسؤولة في الخارجية الأميركية لتُعلن اقتراب موعد استثناء مناطق سيطرة «قسد» من قانون العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا (قيصر). مشهدٌ يبدو مرتّباً لاستباق اجتماع مقرّر بين أوغلو، ونظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، الأسبوع المقبل، ضمن خطوات التقارب التركي – الأميركي على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي اشتدّ على إثرها التجاذب الروسي – الأميركي على الساحة السورية.
وأكدت نائبة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، التي حضرت اجتماع «التحالف الدولي» ضدّ تنظيم «داعش» في مدينة مراكش المغربية، نيابةً عن بلينكن، الذي ما زال يتعافى من إصابته بفيروس «كورونا»، وضْع اللمسات الأخيرة لإنفاذ ذلك الإعفاء، في إطار ما اعتبرته «ضرورة منع عودة داعش إلى الحياة، وعدم السماح له بالتجنيد واستغلال مظالم السكان»، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن هذا الاستثناء سيساهم في «تسهيل نشاط الاستثمار الاقتصادي الخاص في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة والمحرَّرة من التنظيم الإرهابي في سوريا».
ويأتي الإعلان الأميركي في سياق خطّة بدأتها واشنطن إثر اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، عنوانها استعمال الاستثناءات من قانون «قيصر» كسلاح للضغط على موسكو، وضرب المسارات السياسية التي تتّبعها الأخيرة لحلحلة الأوضاع في سوريا. وتستهدف هذه الخطّة خلْق حالة «تعافٍ» غير متوازنة، تضْمن استمرار الواقع الميداني القائم، وتقدّم دفعة للجهود الكردية الانفصالية. غير أن الجهود الأميركية في هذا السياق، اصطدمت بالموقف التركي الذي يَعتبر قوات «قسد»، والتي يقودها حزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي، امتداداً لحزب «العمال الكردستاني» المصنَّف على لوائح الإرهاب التركية، الأمر الذي حاولت واشنطن تجاوزه عبر تقديم استثناءات مماثلة لمناطق سيطرة الفصائل التابعة لأنقرة في الشمال والشمال الشرقي السوريَين. ويبدو أن الطرفَين، التركي والأميركي، ناقشا طيلة الشهرَين الماضيَين تفاصيل هذه الاستثناءات وأثرها وسبل استثمارها، وهو ما قد يفسّر مبادرة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى تسريع مشاريع بناء وحدات سكنية في الشمال السوري لإعادة توطين اللاجئين السوريين، بالتزامن مع ازدياد حدّة الصراع السياسي في تركيا على خلفيّة الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها العام المقبل.
وبينما تعرّضت الخطّة التركية، والتي تهدف إلى إعادة أكثر من مليون لاجئ سوري إلى مجمّعات سكنية يتمّ بناؤها في مناطق سورية محاذية للشريط الحدودي لضمان تشكيل حزام سكاني يبعد الأكراد عن تركيا، لانتقادات أوروبية نظراً لما ستكرّسه من تغيير ديموغرافي – بعد تهجير السكّان الأصليين من الأكراد من بعض المناطق خلال العمليات العسكرية التركية السابقة -، إضافة إلى عدم توافر الظروف الأمنية والمعيشية الملائمة لإعادة اللاجئين، جاءت الخطّة الأميركية لتمدّ يد العون لأنقرة، عبر توفير ظروف استثمارية واقتصادية تتجاوز العقوبات الأميركية، الأمر الذي يبدو أنه مثّل نقطة التقاء للمشروعَين التركي والأميركي. وبدا واضحاً، خلال الشهرَين الماضيين، ارتفاع حدّة الاستهدافات التركية لمقاتلي «قسد»، بضوء أخضر أميركي، إضافة إلى الجهود الأميركية المتواصلة لإعادة تنشيط الحوار بين «قسد» و«المجلس الوطني الكردي» المدعوم تركياً، بهدف توحيد الموقف الكردي، وتمهيد الأرض لتشكيل جسم معارض وازن يضمّ الأكراد غير المشاركين في اجتماعات «اللجنة الدستورية»، إلى جانب «الائتلاف» المعارض الذي أعادت تركيا هيكلته وخفّضت تمثيل «الإخوان المسلمين» فيه.
في الوقت نفسه، بدأت واشنطن تخفيض العقوبات المفروضة على أنقرة، على خلفية شراء الأخيرة منظومة «S400» الروسية، حيث طلبت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، من الكونغرس الموافقة على بيع تركيا أسلحة متطوّرة ومعدّات أخرى، بينها قطع غيار لمقاتلات «F-16»، وصواريخ «إيه آي إم-9 سايدويندر AIM-9 Sidewinder»، وصواريخ «إيه آي إم-120 أمرام AIM-120 Amraam»، إلى جانب رادارات ومعدّات، في ما سيكلّف الجانب التركي بمجمله أكثر من 400 مليون دولار، وفق ما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية. وعلى الرغم من استمرار وجود ملفّات خلافية عديدة أخرى بين الولايات المتحدة وتركيا، بينها اليونان، يشير سياق الأحداث إلى تولّد توافق على فصل الملفّات، الأمر الذي يوفّر لكلا الطرفين فرصاً لزيادة التقارب بينهما، ما يعني إبعاد أنقرة عن موسكو وزيادة الضغوط على الأخيرة، وهو ما يُنتظر أن تتّضح معالمه خلال زيارة وزير الخارجية التركي إلى واشنطن الأسبوع المقبل، ولقاء الرئيسَين التركي والأميركي المجدول في العاصمة الإسبانية على هامش قمة «الناتو» نهاية الشهر القادم. على أن المساعي الأميركية لاستثمار استثناءات «قيصر»، تصطدم بقضية المساعدات الإنسانية وسبل إدخالها، في ظلّ اقتراب انتهاء مفاعيل القرار 2585 لإدخال مساعدات عبر خطوط التماس ومعبر باب الهوى (عبر الحدود)، في شهر تموز المقبل؛ إذ تصرّ روسيا على إنهاء هذه الآلية، واستبدال أخرى بها تستخدم خطوط التماس، خصوصاً أن موسكو كانت وافقت على القرار المذكور بعد تعهّدات أميركية بتقديم تسهيلات لـ«التعافي المبكر» لدمشق، وهو ما لم تلمسه لا روسيا ولا سوريا على أرض الواقع.
إضافة تعليق جديد