مطار دمشق الدولي… العدوان و المعادلات
شادية اسبر :
فجرُ جمعةٍ كان شاهداً على “فجور” كيان محتل غاصب، عدوان إسرائيلي على مطار دمشق الدولي، استهدف بنيته التحتية، وتسبب بخروج المهابط عن الخدمة.
لم يكن خبر العدوان بجديد، فلم يتوقف العدو يوماً عن استهداف سورية، وإن اختلفت أشكاله وأدواته، لكن الجديد هو ضرب بنيةٍ تحتيةٍ لمطار مدني على مرأى العالم، في بلطجة دولية إرهابية، محمية بالقانون “الدولي الأمريكي”.
القوانين الدولية والسقوط الأممي
هي ضربة أصابت البنية التحتية للأمم المتحدة في مقتل، والتي صمتت عن جريمة دولية مكتملة الأركان، فاستهداف المطارات المدنية وحقوق الطيران يمثّل انتهاكاً وخرقاً صريحاً للقوانين والمواثيق الدولية، يصفه ميثاق الأمم المتحدة بالعمل العدواني الذي يخرق مقتضيات المادة (2)، والفقرة (4) من الميثاق، كما يحظر القانون الدولي الإنساني، “قوانين الحرب”، استهداف مرافق البنية التحتية، “المطارات والطرق والجسور”، ويعتبر أنها “أعيان مدنية”، لكّن “العين الأممية” لم تر السلوك الوحشي للكيان الإسرائيلي في مطار دمشق الدولي المدني، الكيان امتهن البلطجة الدولية، ومزّق كل الشعارات الأممية الإنسانية بالسيوف الأمريكية.
حتى اتفاقية شيكاغو وتعديلاتها العام 1994، نصّت على أن هكذا استهداف ” سلوك عدائي مرفوض تجاه حركة الطيران المدني وسلامة المدنيين”.
ماذا لو كان مطاراً غير دمشق؟
السؤال يفرض نفسه، ويُضاف إليه آخر، ماذا لو كان المعتدي غير “إسرائيل”؟ هل كان الصمت سيّد المجتمع الدولي الأمريكي؟ وهل كانت الأعذار ـــ بغض النظر عن محتواها ومدى صدقها من كذبها ـــ هل كانت مقبولة؟
من يتحمل وزر تهديد المخاطر الجسيمة على الحركة الجوية الدولية؟ على المسافرين والعاملين؟ على المنتظرين أحبتهم القادمين؟
من يتحمل وزر دماء المدنيين، التي حولها الكيان الصهيوني وحاميه الأمريكي إلى سلعة في “بورصة صهيونية”، يتلاعب بمؤشراتها وفق المصالح السياسية والاقتصادية والجغرافية؟
البعد الاقتصادي
ليس بالمبالغة وضع العدوان على مطار دمشق الدولي ــ في جانب منه طبعاًــ بإطار الحرب الاقتصادية الغربية على الشعب السوري، والمتمثلة بالعقوبات والحصار ونهب الثروات، فهذا البعد واضح، وهدفه قطع شريان حركة الطيران التجاري، الذي بدأت الدماء تنبض فيه بعد فشل محاولة قطعه التي استمرت لأكثر من 11 عاماً، فالمطار ومحيطه تعرضا لاعتداءات عدة، كما أنه من غير الوارد إطلاقاً، في هذا الجانب، تجاهل العدوان الإسرائيلي على الميناء التجاري في اللاذقية، مستهدفاً رصيف الحاويات التجارية.
ماذا عن المنطقة؟
صمَتَ “المجتمع الدولي الأمريكي”، ومن خلفه صمتت كل أبواقه المؤتمرة بأمره، إن كان على مستوى العالم أو المنطقة، أو حتى من يدّعون أنهم “معارضة سورية”، لم نسمع ولو شجباً خجولاً لجريمة استهداف مطار مدني؛ له من العراقة ما يجعله رمزاً إنسانياً دولياً، عدوان أعاد إلى الأذهان استهداف المجاميع الإرهابية، بأوامر إسرائيلية، أنظمة الدفاع الجوي السورية منذ العام 2011، كل هذا ليس بغريب، فالصامتون هم شركاء حقيقيون بالجريمة، وقد اعتادت دمشق على صمتهم عن جرائم أشنع ارتكبت بحق الشعب السوري، وبحق شعوب المنطقة على أيدي الإسرائيليين والأمريكيين وحكومات إقليمية، بأدواتهم الإرهابية على اختلاف مسمياتها.
العدوان على مطار دمشق حلقة في سلسلة اعتداءات على سورية والمنطقة، فلا يمكن فصله عما يجري في الشمال، ومحاولة أردوغان إنعاش أحلامه التوسعية، عبر تجديد سعيه لإقامة “منطقة آمنة لإرهابييه”، كبؤرة يستخدمها حينما تستدعي حاجته لها، إضافة لما يجري في منطقة الجزيرة السورية على يد قوات الاحتلال الأمريكي وميليشياته الانفصالية، من ترهيب وسرقة لثروات الشعب السوري من ذهب أسود وأصفر وأبيض، كلها في إطار أجندة أمريكية صهيونية معدة للمنطقة، هذا في سورية وعليها، والذي يرتبط بشكل وثيق بما يجري من اعتداءات على دول المنطقة المقاومة للأمريكي والإسرائيلي، كما يحصل من اعتداء إسرائيلي على الثروات النفطية والغازية اللبنانية في حقل كاريش، والمرتبط عضويا بما يجري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة واشتداد المقاومة الفلسطينية، والعمليات النوعية التي تنفذها بين حين وآخر، إضافة للوضع الدولي الذاهب باتجاهات، يؤكد غالبية محللوها أنها في صالح الشرق الروسي الأوسطي والصيني، فحالة ركود المفاوضات النووية في فيينا، والعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والموقف الإسرائيلي منها، وأسواق المال العالمية، وضربات الروبل الروسي التي “كسرت ظهر” الدولار الأمريكي عالمياً، وأدخلت أوروبا في حالة هذيان سياسي اقتصادي، كلها ملفات متشابكة، ومقدمات لقادمٍ، ربما من الصعب وضع توقعات له.
من مطار دمشق إلى مطار حلب.. الرسالة وعنوانها الأبعد
تعطلت مدارج مطار دمشق الدولي بصواريخ الإرهاب الإسرائيلي، والعمل جار على إصلاح الأضرار، كما تحولت الرحلات إلى مطار حلب، ولاسم حلب في الذاكرة الجمعية السورية “معنى الانتصار”، على حجارة أسوارها تحطمت سيوف الإرهاب التكفيري والتركي والأمريكي والإسرائيلي، ومن أعلى قلعتها أرسل علم الانتصار على الإرهاب رسالة سورية إلى العالم، أن لا تنازل عن المبادئ، ولا تفريط بالحقوق، ولا نوم على ضيم، وللتاريخ كلمته.
إضافة تعليق جديد