حرب روسيا والصين على الدولار بدأت للتو

15-06-2022

حرب روسيا والصين على الدولار بدأت للتو

لم يعد بالإمكان اعتبار سيطرة الدولار الأميركي حقيقةً ثابتة لا تتزحزح، والتحالف الصيني الروسي بات يشكل تهديداً ملموساً لهيمنة واشنطن المالية، إذ يعمل على جذب الدول الأخرى إلى بديل يهدف إلى بناء نظام مالي مستقل تماماً عن سيطرة الولايات المتحدة.

كتب أكسل دي فيرنو في موقع "ذا ناشينول انترست"، مقالاً عن تقويض روسيا والصين لهيمنة أميركا المالية والذي جاء تحت عنوان: "حرب روسيا والصين على الدولار بدأت للتو".

إذا أرادت الولايات المتحدة البقاء على رأس النظام الدولي، فستحتاج إلى معالجة الجهود الجادة الجارية لتقويض هيمنتها المالية العالمية. وإن الإتجاه نحو الارتباط بين القوة المالية والجيوسياسية، يتطلب بناء قوة عسكرية تضاف الى الىسعي الى إستخدام تقنيات مبتكرة، تحافظ على قوة عاملة منتجة وتتمتع بقاعدة اقتصادية قوية.

يركز جنرالات الولايات المتحدة ومستشاروها على سد الفجوة بين القدرات العسكرية الصينية والأميركية. سرعة ونطاق صعود الصين يشكل مادة نقاش حادة بين صناع القرار في واشنطن، لكن تصريحات بعضهم الأخيرة أوضحت أن الولايات المتحدة لم تعد تتمتع بتفوق جيوسياسي لا مثيل له في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولا يمكن اعتبار سيطرة الدولار الأميركي حقيقة ثابتة لا تتزحزح، والتحالف الصيني الروسي يشكل تهديداً ملموساً لهيمنة واشنطن المالية.

في العام الماضي، استقال رئيس البرمجيات في البنتاغون نيكولا تشايلان من منصبه، معبراً عن إحباطه من وزارة الدفاع، آلتي لم تكن تفعل ما يكفي لمواكبة التطورات الصينية في البرمجيات والذكاء الاصطناعي والقدرات السيبرانية.كذلك، حذر الأدميرال بالبحرية الأمريكية جون أكويلينو أعضاء لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ قبل عدة أشهر من أن التفوق البحري للولايات المتحدة يتراجع في مواجهة التطور الصيني السريع. وفي الآونة الأخيرة، وخلال خطاب يلخص استراتيجية إدارة بايدن للصين، سلط وزير الخارجية أنتوني بلينكين الضوء على كيفية قيام بكين ببناء "القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية" بشكل تدريجي لتحل محل النظام الدولي القائم على القواعد بقيادة الولايات المتحدة.

مع أن الولايات المتحدة تعاني من نكسات عسكرية وتكنولوجية مقارنة بالصين، لكن الاقتصاد العالمي لا يزال يعتمد على المؤسسات المالية التي تديرها واشنطن، وليس هناك ما يشير إلى أن هذا سيتغير في أي وقت قريب. وحصة معاملات الصرف الأجنبي التي تستخدم الدولار الأميركي داومت على الاستقرار خلال العقدين اللذين سبقا الركود الناجم عن جائحة كورونا في عام 2020، آلتي قطعت سلاسل التوريد، مما جعل الدولار عملة أقل جاذبية في جميع أنحاء العالم، على اثر تزايد العجز في الميزانية العامة الاميركية. ونتيجة لذلك، ولأول مرة منذ عام 1997، انخفضت حصة الدولار من احتياطيات العملات العالمية إلى أقل من 60 في المائة في عام 2020. وبينما بدا أن هذا ينذر ببداية نهاية الهيمنة المالية الأميركية وسط مستويات تضخم مرتفعة مثيرة للقلق.

مع  أن هذا ينذر ببداية نهاية الهيمنة المالية الأميركية، حافظ الدولار الاميركي على مكانته مدفوعاً بالحاجة الاستهلاكية والاستثمارية لدول العالم التي تواجه آثار جائحة كورونا. ويعزى جزء كبير من هذا النجاح إلى دور الدولار الأميركي كونهعملة احتياطية في العالم. فالبلدان تستمر في دفع ثمن  وسلعها وأصولها والتزامات ديونها بالدولار، مما يتطلب من البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم الاحتفاظ بكميات كبيرة من الدولار في احتياطاتها. وفي الربع الأخير من عام 2019 ، تم ايداع  6.7 تريليون دولار في البنوك المركزية حول العالم، مما وفر لواشنطن درجة فريدة من القوة التفاوضية والتأثير في الخارج من القرارات التي تتخذها وزارة الخزانة الأمريكية محليًا.

ومع ذلك، يحاول التحالف الصيني الروسي جذب الدول الأخرى إلى بديل يهدف إلى بناء نظام مالي مستقل تماماً عن سيطرة واشنطن، وتقويض هيمنتها المالية .

بعد أن اتحدت الدول الغربية لمعاقبة روسيا، كان أحد ردود بوتين الأولى هو إجبار الدول الأوروبية التي تعتمد على واردات الطاقة الروسية على الدفع بالروبل أو الذهب.و بدافع الضرورة المطلقة، وقبلت العديد من شركات الطاقة طلبه، مع انه يرتب عليهم عدة عواقب، لأن مستوى سعر الروبل مرتبط تاريخيا بشدة بأسعارالطاقة "النادرة" اليوم في الأسواق العالمية، ما ادى الى إرتفاع  قيمة الروبل بشكل أثار دهشة العديد من المحللين الغربيين، حيث ان الروبل الان أكثر العملات نجاحًا في العالم. حيث يبذل البنك المركزي الروسي كل ما في وسعه لإحباط قوتي الدولار واليورو. من خلال ضوابط  تتطلب من المستثمرين الروس تحويل فائض عائداتهم إلى روبل.

و العبء الذي سيتعين على الغرب تحمله في قبول نظام بوتين سوف يصبح مؤلمًا بشكل متزايد. إذا استمر الروبل في الارتفاع خلال الأشهر القليلة المقبلة، وسيتعين على الدول الغربية أن تنفق المزيد لتحويل عملاتها إلى روبل لدفع ثمن وارداتها من الطاقة التي لا غنى عنها. وهذا لا يؤدي فقط إلى زيادة الطلب العالمي على الروبل، ولكنه يوضح أيضًا للحكومات في انحاء العالم الأخرى أن العملة الروسية قادرة على مقاومة العقاب من الدول الغربية الكبرى.

إلى جانب ذلك، تعمل روسيا على بناء بديل لبرنامج الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت". ومنذ العام 2014  الذي ضمت فيه روسيا شبه جزيرة القرم، أنشأ الكرملين نظام تحويلات  المالية (اس بي اف اس) ، وهو نظام دفع قائم على الروبل يعمل كبديل لنظام "سويفت". كذلك، حذت الصين حذو روسيا بعد عام واحد، حيث أطلقت نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك (سي اي بي اس).

في الواقع، تناقش الصين وروسيا بالفعل دمج أنظمتهما المالية، حيث أكدت موسكو لبكين أنها مستعدة لاستخدام اليوان في احتياطياتها الأجنبية لتسريع العملية، المدعومة ايضا بالدفوعات الغربية مقابل الطاقة الروسي ، والتي ستستمر في العمل طالما أن الدول الأوروبية لا تستطيع خفض اعتمادها على موسكو دون التعرض لانتكاسات غير محمولة.

من الواضح أن الصين هي أكبر سبب للقلق الأميركي، لأنّها سعت بشكل فعال إلى تطوير اليوان الرقمي، ما يحد من الرقابة المالية الأمريكية، ويفيد التوسع غير المقيد لمبادرة الحزام والطريق الصينية، لأن واشنطن لن تكون قادرة على تتبع المعاملات التي تتم بين بكين والدول النامية. ومن أجل تمويل مشاريع البنية التحتية في أمريكا اللاتينية أو إفريقيا أو الشرق الأوسط، ستطلب الصين من الدول الأجنبية  سداد المدفوعات من خلال العملة الالكترونية التي لا يمكن تعقبها. وبالفعل

يهدد اليوان اليوم  باستبدال الدولار في الأسواق الرئيسية التي قد يكون لها تأثير هائل على الأمن الأميركي.

على سبيل المثال لا الحصر، تشعر السعودية بالإحباط بسبب نهج إدارة بايدن في العلاقات الثنائية، فضلاً عن القضايا الإقليمية الأخرى، وهي تجري محادثات مع الصين لقبول مدفوعات النفط باليوان. وكانت إيران تقبلت مدفوعات اليوان مقابل مبيعاتها النفطية للصين على مدار العقد الماضي بسبب العقوبات الأمريكية. والاستقرار النسبي لليوان قد يجعله أكثر ملاءمة للأغراض التجارية وكعملة احتياطية. بينما نجا المستهلكون والشركات الأمريكية من آثار الاقتصاد التضخمي، فإن البلدان الأقل تقدمًا التي لديها دولارات في احتياطيات بنكها المركزي قد لا تخرج من الركود الحالي. ويمكن لهذه البنوك المركزية أن تتحول إلى اليوان كبديل.

هذا لا يعني أن الدولار في حالة انخفاض لا مفر منه. وأعرب بوتين عن شكوكه بشأن إزالة العملة الأميركية بالكامل من البنك المركزي الروسي. اعتبارًا من يوليو 2021 ، كانت الصين لا تزال تحتفظ بنسبة 50 إلى 60 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي في الأصول المقومة بالدولار. على الرغم من أن بكين تعمل بلا شك على تعزيز قدراتها العسكرية، إلا أنه لا يزال أمامها طرق لتقطعها قبل اللجم الكامل للدولار.

نقله إلى العربية حسين قطايا.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...