تسليم جزئيّ لمنبج وتل رفعت: الجيش السوري يستعدّ للتمدّد شمالاً
علاء حلبي:
خفّض الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، تدريجياً، من حدّة تصريحاته حول العملية العسكرية المفترَضة في الشمال السوري، متخلّياً عن مصطلح «المنطقة الآمنة»، والذي عنى السيطرة على الشريط الحدودي، وإقامة تجمّعات سكنية تضْمن تثبيت تغيير ديموغرافي هناك. وبدلاً من ذلك، عادت تركيا إلى رفع شعار «الحزام الأمني»، أي إبعاد الأكراد عن حدودها بعمق 30 كيلومتراً، وهو ما يُفترض أن يتمّ بجهود حكومية سوريّة وغطاء روسي، في مقابل التزام أنقرة بحلحلة ملفّ إدلب، التي يبدو أن صيفاً ساخناً ينتظرها
لم يفضِ التصعيد التركي حول الشمال السوري إلى أيّ نتيجة تلبّي طموحات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي سعى إلى استثمار الظروف الدولية التي فرضتها الحرب الروسية في أوكرانيا، قبل أن يصطدم بـ«فيتو» أميركي من جهة، وبموقف روسي أعاد ضبْط الميدان بما يتّسق مع الاتفاقات السابقة، من جهة ثانية، ويهيّئ لإعادة تحريك تلك الاتفاقات بعد فترة «ستاتيكو» طويلة عاشتها إدلب، وماطلت خلالها تركيا في تنفيذ التزامتها. وفيما يواصل الجيش السوري حشْد قوّاته في منطقتَي منبج وتل رفعت، وتعمل روسيا على تكثيف طلعاتها الجوّية على حدود التماس منعاً لحدوث أيّ خرق قد تحاول فصائل غير منضبطة إحداثه، تخوض «قوات سوريا الديموقراطية» نقاشات مكثّفة للتوصّل إلى أفضل صيغة ممكنة تُجنِّبها أيّ صدام مع أنقرة، في ظلّ تراجع واشنطن وتقوقعها في المناطق النفطية في الحسكة ودير الزور، وإصرار موسكو على أن الحلّ الوحيد سيكون بتسليم منبج وتل رفعت للجيش السوري.
وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر كردية، أن «قسد» باتت على قناعة تامّة بأن لا حلّ سوى بتسليم الجيش السوري هاتَين المنطقتَين، وهو ما تمّ جزئيّاً بعد رفع العلم السوري فوق أكثر من ناحية في تل رفعت. غير أن بعض الأصوات المتشدّدة لا تزال تحاول المماطلة، أملاً في أن تُغيّر واشنطن موقفها، وتدْفع نحو احتفاظ «الإدارة الذاتيّة» بالمناطق الواقعة في دائرة الخطر، خصوصاً أن منبج تمثّل الثقل الاقتصادي بالنسبة إلى الأخيرة، إذ يتمّ عبرها تهريب النفط وغيره من المنتجات إلى مناطق سيطرة الفصائل المدعومة تركيّاً. وبحسب هذه المصادر، فإن ما تمّ تسريبه، خلال اليومَين الماضيَين، حول تلقّي الأكراد رسالة روسية مباشرة، مفادها بأن موسكو ملتزمة بتأمين مناطق سيطرة الحكومة السورية فقط، يعني أن على «قسد» تسليم منبج وتل رفعت، وهو ما سيعني ترجمة تعهّد روسيا أمام الجانب التركي بإبعاد الأكراد عن الشريط الحدودي، وتالياً منْع أيّ تحرك عسكري تركي جديد. إلّا أن ثمّة آراء كردية تتحدّث عن إمكانية الاستفادة من ارتباط ملفَّي إدلب ومنبج وتل رفعت، والحرص الروسي على تطبيق مبدأ «خطوة روسية مقابل خطوة تركية»، من أجل إبقاء الوضع على ما هو عليه، في ظلّ عدم وفاء أنقرة بتعهّداتها في إدلب، الأمر الذي قد يفسّر المماطلة الكردية في التسليم الكامل للمنطقتَين.
وعلى رغم اختلاف وجهات النظر بين التيّارات الكردية، بعثت «قسد» برسائل إيجابية إلى دمشق، أبدت فيها، وفق المصادر، استعدادها للجلوس إلى طاولة الحوار لحلّ مشكلات جوهرية واجهت الاجتماعات السابقة، من بينها إصرارها على فرض السيطرة الأمنية في مناطقها عبر قوات «الأسايش»، ورهْن انضمامها إلى الجيش السوري ببقاء قوّاتها في مناطق «الإدارة الذاتية»، وهو ما رفضته دمشق، واعتبرته تمهيداً للتقسيم. كذلك، حاولت «قسد»، ولا تزال على ما يبدو، الالتفاف على علاقتها الإشكالية بواشنطن، من خلال التأكيد أنها لا تمتلك القوّة لفكّ ارتباطها بالقوات الأميركية، بدعوى أن علاقتها بها مرتبطة بـ«الحرب على الإرهاب»، وهو ما كرّره قادة «قسد» خلال اجتماعهم بالوفد الروسي الذي زار الحسكة الأسبوع الماضي.
وتوازياً مع حشد الجيش السوري قوّاته في منبج وتل رفعت، وتشكيل غرفة عمليات خاصة في شمال حلب حملت اسم «صاعقة الشمال»، بدا لافتاً توسيع روسيا حضورها في مناطق خفض التصعيد في ريف إدلب، بالإضافة إلى إجراء تدريبات عسكرية ومناورات لقوّات المشاة في المنطقة الوسطى، والتي كانت خاضت معارك سابقة في حلب وحماة وريف إدلب، وهو ما يمكن اعتباره تحضيراً لعملية عسكرية قد ينفّذها الجيش السوري لفتح طريق حلب – اللاذقية بالقوّة، في حال استمرار تركيا في المماطلة. في غضون ذلك، بدا أن هناك حالة من الإحباط في صفوف الفصائل المدعومة تركيّاً، بعد تراجع حدّة تصريحات أنقرة، وتوسيع روسيا حضورها على تخوم إدلب، وسط اتّهامات تناقلتها بعض وسائل الإعلام المعارِضة لأنقرة بخضوع الأخيرة للاتفاق مع موسكو، الأمر الذي يعني تمدُّد الجيش السوري في شمال حلب وريف إدلب بشكل متزامن، وتالياً قلْب الطاولة على المخطّطات التي كانت تحاول تركيا إرساءها.
وعلى رغم التطوّرات التي تشير إلى تمدُّد الجيش السوري واستعادته منطقتَي منبج وتل رفعت بالإضافة إلى مناطق في ريف إدلب بسلاسة، لم تستبعد مصادر ميدانية حدوث انزلاق نحو المواجهة في حال قرّرت تركيا شنّ هجمات عسكرية، خصوصاً أن الرئيس التركي يواجه، في الوقت الحالي، مزيداً من الضغوط الداخلية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، حيث يسعى لتحقيق أيّ إنجاز يزيد من شعبيّته.
الأخبار
إضافة تعليق جديد