خفايا وكواليس التصعيد ضدّ القوات الأمريكية في سورية؟
كمال خلف:
تصاعدت حدة التوتر بين قوات الاحتلال الأمريكي في سورية. شرق الفرات حيث تنتشر القواعد الامريكية وفي محيط قاعدة “التنف”الامريكية. عند نقطة الحدود السورية العراقية الأردنية وبين القوات المنضوية في محور المقاومة المتمركزة في سورية.. فمنذ مطلع شهر اب أغسطس كان عنوان المشهد هناك القصف والقصف المضاد. الذي ارتفعت وتيرته خلال اليومين الماضيين.
وهنا قد اختلف جذريا مع التحليل السائد بأن التصعيد الحاصل. بين ايران والولايات المتحدة في سورية هو رسائل متبادلة بالنار ربطا بالربع الساعة الأخير لتوقيع الاتفاق النووي. فالضغط بالنار حصل في مراحل التفاوض خلال عام ونصف وانتهت وظيفته كتكتيك للتفاوض والحصول على تنازلات من الخصم.
اذا ما هي الأسباب لهذا التصعيد الخطير ولماذا الان ؟
باعتقادي ان كلمة السر في هذا التطور، بل في مجمل التحولات التي باتت تظهر بوادرها في الملف السوري بشكل عام، تكمن في جملة قالها الرئيس التركي “رجب طيب اردوغان”، ومرت مرور الكرام ولكن يبدو ان لها دلالتها الخطيرة. حين أشار اردوغان الى ان الخطوات تجاه دمشق تأتي لافشال مخطط ومؤامرة أمريكية شمال سورية، وشرق الفرات.
واذا صح ما سمعناه بأن الرئيس التركي كان يقصد مشروعا أمريكيا قائما لتقسيم سورية عبر انشاء “دولة كردية”شرق الفرات، حيث تقوم القوات الامريكية بسرقة النفط السوري والقمح والقطن. من هذه المنطقة التي تعتبر سلة الغذاء لسورية كلها، في الوقت الذي تفرض فيه حصارا خانقا. على مناطق سيطرة الحكومة السورية لتجويع الملايين من السوريين القاطنين فيها.. وكذلك انشاء” دولة سنية” شمال سورية حيث مناطق نفوذ تركية ومن خلف ظهر الاتراك.
ولعل الحملات المتصاعدة لتهجير الدروز من الشمال من خلال التضييق عليهم والتنكيل بهم. وحتى قتل افراد منهم في جبل السماق علي يد جماعات الحزب الإسلامي التركستاني تأتي في سياق التمهيد لتنفيذ الوعود الامريكية بإقامة هذه الدولة الخالية من الأقليات..
كما ان “أبو محمد الجولاني” زعيم جبهة النصرة، اخذ يقيم معارض للفن التشكيلي مؤخرا في ادلب. ويحضر افتتاحها مرتديا البدلة العصرية، في محاولة لمغازلة التوجهات الجديدة في التقارب مع الغرب، ونزع صفة الإرهاب والتشدد عنه وعن جماعته..
واذا كان الكيان الكردي المستقل شرق الفرات يهدد المصالح التركية والسورية والإيرانية معا، فان الأخطر هو الكيان المستقل التابع لأمريكا على الحدود الجنوبية لتركيا، فهذا المشروع له ابعاد استراتيجية تتجاوز سحب البساط وزمام القرار على الجماعات المسلحة من تركية، لان قيام هذا الكيان يعني اغلاق بوابة التواصل مع الشرق كاملا بالنسبة لتركية، أي اغلاق الطريق الاستراتيجي الذي عبره الاتراك عام ٢٠٠٩ في اطار سياسية الانفتاح و التوجه شرقا، ومع اغلاق البوابة الغربية سابقا. برفض قاطع لانضمام تركية للاتحاد الأوروبي، فان المشروع الأمريكي الغربي، هو عزل تركية شرقا وغربا، وتحجيم دورها بحدود وظيفتها في حلف الناتو فقط ونقطة على السطر.
ومن الملاحظ ان انقرة عقدت اجتماعا مفاجئا امس مع ثلاثة ممن يمثلون دوليا. “الطرف الشرعي” للمعارضة، واجتمع وزير الخارجية التركية “جاويش اوغلو ” مع كل من. رئيس “الائتلاف السوري”، سالم المسلط، ورئيس “هيئة التفاوض”، بدر جاموس، ورئيس ما تسمى “الحكومة المؤقتة”، عبد الرحمن المصطفى، دون ان يصدر أي بيان حول ما جرى. في الاجتماع.. في الظاهر قد يبدو الاجتماع لطمأنه المعارضة السورية حيال خطوات التقارب التركي مع دمشق، وشرح موقف انقرة وتأكيد التزامها بدعم المعارضة. ولكن ربما الامر اعمق من ذلك و يتعلق بسعي تركية الإمساك بالرأس الشرعي للمعارضة لقطع الطريق تجاه أي مشروع أمريكي احادي في الشمال، ولتثبيت خطواتها تجاه دمشق، وضمان انضمام المعارضة لخيارتها في المستقبل عند بداية تنفيذ ما أعلنته عن دور لها في الوساطة بين المعارضة والحكومة السورية. خاصة مع بدء ارتفاع أصوات من “هيئة تحرير الشام”. وغيرها تنتقد تركية علنا. وابرزهم القائد العسكري. في “تحرير الشام” ميّسر الجبوري المعروف” بأبو ماريا القحطاني” والذي اتهم تركية في”تلغرام”، بـ”استرخاص” الدماء السورية على حساب الدعاية الانتخابية لحزب “العدالة والتنمية ” وكذلك فعل الشرعي العام في “تحرير الشام” مظهر الويس”. الذي انتقد دعوات التقارب. التركية مع دمشق.
من خلال هذا العرض يمكن الولوج لبعض التفسيرات والاستنتاجات للتصعيد الحاصل بين القوات الامريكية في سورية وبين القوات المنضوية في محور المقاومة:
ـ أولا: ان التصعيد منفصل عن تأثيرات مفاوضات الملف النووي، واقرب الى استراتيجية اخراج القوات الامريكية في سورية، وجعلها على الأقل حاليا في حالة عدم استقرار لمنعها من التمدد شمالا، والتفكير في مشاريع التقسيم.
ـ ثانيا: ان المصالح التركية السورية الإيرانية الروسية باتت تلتقي على أهمية اخراج القوات الامريكية من سورية، وتحجيم الدور الأمريكي في الملف السوري سياسيا وميدانيا، لانه بات يضر بمصالح الأطراف الأربعة شرق الفرات، وشمال سورية، وعند تقاطع الحدود بين سورية والعراق والأردن.
ـ ثالثا: نعتقد أن ما يجري من عمليات تستهدف القوات الامريكية ليس عابرا أو مؤقتا، إنما سوف يستمر وقد يتصاعد حسب التقديرات الميدانية للقادة.
ـ رابعا: قدرة إدارة الرئيس بادين على تحمل الخسائر والضغط العسكري ضعيفة بسبب اقتراب الانتخابات النصفية للكونغرس وانخفاض مستوى الأهمية الاستراتيجية لمناطق التواجد في سورية بالنظر الى الاستراتيجية الامريكية العالمية والمناطق الحيوية التي تمثل أولوية لها الان.
نحن مقبلون على تحولات كبيرة في سورية والمنطقة بشكل عام، والله اعلم.
إضافة تعليق جديد