لماذا “تتلكّأ” القِيادة السوريّة في التّعاطي إيجابيًّا مع دعوات أردوغان للمصالحة
أعادَ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان تكرار لهجته التصالحيّة تُجاه الرئيس السوري بشار الأسد وحُكومته أمس الجمعة عندما أدلى بتصريحات إلى صحافيين كانوا على متن طائرته في بداية جولته في دول البلقان عندما قال ودُون مُناسبة “إن كفاح أنقرة ضد التنظيمات الإرهابيّة يشكّل ضمانًا لوحدة سورية وسلامة أراضيها”، وأضاف “يجب علينا استخدام لغة القوّة التي تفهمها جيّدًا” هذه التنظيمات”.
الجديد في تصريحات الرئيس أردوغان هو “عتبه” على السّلطات السوريّة التي لم تتّخذ موقفًا تُجاه تلك التنظيمات والمقصود هُنا حزب العمّال الكردستاني، والجماعات الكرديّة المُتحالفة معه في سورية، وخاصَّةً قوّات سورية الديمقراطيّة، ووحدات الحماية الشعبيّة، وربّما لم يكن يقصد الجماعات المُصنّفة إرهابيًّا في قمّة سوتشي التي جمعته مع الرئيس فلاديمير بوتين، مثل جبهة النصرة، والجماعات المسلّحة الأخرى التي تحظى بدعم وحماية حزب العدالة والتنمية الحاكم.
الحكومة السوريّة، ومثلما قال لنا مصدر لبناني مُقرّب منها، لا تثق بأقوال الرئيس أردوغان، وتتعاطى معها بحَذرٍ شديد، وتُريد ترجمتها إلى أفعالٍ على الأرض، وأوّلها سحب جميع قوّاتها المُسلّحة من الأراضي السوريّة، وإنهاء حمايتها للجماعات السوريّة المسلّحة في شمال وغرب سورية مِثل حلب وإدلب والحسكة، ولكن هذه اللّهجة الأردوغانيّة التصالحيّة لا تجد آذانًا صاغية منها حتى الآن على الأقل.
إعادة العلاقات مع تركيا إلى صُورتها الطبيعيّة التي كانت عليه قبل بدء الأزمة في آذار (مارس) عام 2011 تتربّع على قمّة أولويّات القيادة السوريّة هذه الأيّام، وربّما هذا ما يُفسّر قرارها الأخير بعدم المُشاركة في قمّة الجزائر العربيّة القادمة، وإعفاء الرئيس عبد المجيد تبون من أيّ حرج يُمكن أن تُسبّبه هذه المُشاركة، ولكنّها تُريد، أيّ القيادة السوريّة، عودة العلاقات مع تركيا على أرضيّة صَلبة، وتفاهمات استراتيجيّة مُستدامة، وليس على أرضيّة التّكتيك، وبيْع الوَهم والشّعارات الصحافيّة الفارغة من أيّ مضمون.
المعلومات المُتوفّرة لدينا ومن المصادر المذكورة آنفًا تؤكد أن الوساطة الروسيّة بين الجارين السوري والتركي بدأت تُعطي ثمارها الأوّليّة، وأوّلها تكثيف الاتّصالات واللقاءات بين الوفود الأمنيّة، وإقامة مكتب مُصالحة للحُكومة السوريّة قُرب إدلب، وإصدار عفو عام عن الآلاف من الأفراد والأسر والسّماح لهم بالعودة إلى مدينة خان شيخون، ومُدن أخرى، دون أيّ مُسائلة أو تحقيق، أو مُراجعة فرع أمني، ويتردّد أن الرئيس الأسد يقف شخصيًّا خلف هذه الخطوة.
ولعلّ صمت السّلطات التركيّة على الغارة الروسيّة التي استهدفت قاعدة عسكريّة قياديّة لجبهة النصرة في مُحيط إدلب، وقتْل ما يقرب من مِئة من عناصرها قبل يومين أحد أبرز نتائج التفاهمات الثلاثيّة الروسيّة السوريّة التركيّة الجديدة.
يبدو أن هُناك قرارًا تُركيًّا محوريًّا بالتخلّي عن المُعارضة السوريّة بشقّيها المدني والعسكري، ورفع الغِطاء عن الجماعات الإسلاميّة المُقاتلة الأخرى، وإعطاء الضّوء الأخضر لروسيا بالقيام بمهمّة تصفية هذه الجماعات بالقوّة، والغارة الروسيّة الأخيرة على قاعدة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) وإلقاء القبض على زعيمٍ كبير في “الدولة الإسلاميّة” في إسطنبول هو “أوّل الغيْث” في هذا المِضمار، والكلام للمصدر نفسه.
الرئيس أردوغان يُريد التخلّص من مِلف اللاجئين السوريين المُقيمين على الأرض التركيّة (4 ملايين لاجئ) الذي بات يُشكّل ورقةً قويّة في يد المُعارضة التركيّة لإسقاط حُكمه، ومن غير المُستبعد أن تكون المُضايقات العُنصريّة لهؤلاء المُهاجرين السوريين تتم بإيعازٍ أو تشجيعٍ مُباشر، أو غير مُباشر، من حزب العدالة والتنمية الحاكم كورقة ضغط لدفعهم إلى العودة إلى بلادهم، وتسوية أوضاعهم مع الدّولة السوريّة.
وإذا صحّت التّقارير الإخباريّة التي تتحدّث عن عزم أكرم إمام أوغلو رئيس بلديّة إسطنبول الذي يحظى بشعبيّةٍ كبيرة في تشكيل حزب جديد ومُنافسة الرئيس أردوغان في انتخابات الرّئاسة القادمة بدَعمٍ من المُعارضة (حزيران المُقبل)، وهي تبدو صحيحة، فإن هذه الخطوة “الخطرة” جدًّا ستدفع الرئيس التركي للتّقارب أكثر مع سورية التي يعتقد كثير من الخُبراء الأتراك أنها تُفَضِّل أردوغان على المُعارضة الأقرب للولايات المتحدة وخططها الإقليميّة.
الرئيس أردوغان سياسي مُحترف في نظر الكثير من أصدقائه وأعدائه ويُريد البقاء وحزبه في السّلطة، ولهذا لن يتردّد في المُضيّ قدمًا في المُصالحة مع الرئيس بشار الأسد، فمن كان يُصدّق أنه سيذهب إلى الرياض وأبو ظبي، ويفتح حِوارًا مع القاهرة، ويُعيد العُلاقات كاملةً مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، ويُضيّق الخِناق على حركة “حماس” وأنشطتها في تركيا استجابةً لشُروط تل أبيب، ويستعدّ لشدّ الرّحال إليها؟
لقاء أردوغان مع الرئيس بوتين في قمّة طاجكستان الآسيويّة الأسبوع المُقبل ربّما تُمهّد لتفاهماتٍ أُخرى والعودة إلى اتّفاق أضنة عام 1998 التي باتت وشيكةً جدًّا، والحالُ نفسه يُقال عن قُرب فتح طريق “إم 4” الذي يربط الشّمال السّوري بالعاصمة دِمشق.. واللُه أعلم.
عبد الباري عطوان - رأي اليوم
إضافة تعليق جديد