تحرير الشام في إدلب تبدأ مشروع تقسيم سوريا
ضمن مشروعها في إدلب والمناطق التي تسيطر عليها، بدأت وزارة الداخلية لدى “حكومة الإنقاذ”، التابعة لـ”هيئة تحرير الشام”، في منطقة إدلب، باستقبال طلبات سكان المنطقة بُغية إصدار هويات شخصية لجميع سكان منطقة إدلب، كما في أرياف حلب واللاذقية وحماة وإدلب.
وأوضحت الوزارة في بيان لها، يوم الأحد الفائت، أنها بدأت باستقبال طلبات الأهالي للحصول على الهوية الشخصية ضمن عشرة مراكز في كل من مدينة إدلب، وبلدة سرمدا، ومدينة حارم، ومدينة كفر تخاريم، وبلدة الدانا شمالي محافظة إدلب.
وبحسب الوزارة، فإن مَن أتموا الـ14 من العمر يتوجب عليهم التقدم بطلب للحصول على الهوية الشخصية من أمانة السجل المدني المدونة فيه قيودهم، مع إحضار وثيقة، سواء هوية، أو إخراج قيد، أو دفتر عائلي، بحيث تحتوي على أمانة ومحل القيد ورقمه.
هل هي خطوة للتقسيم؟
3 هويات شخصية باتت متداولة في سوريا الآن، “الهويات الأساسية من الحكومة السورية، وهوية مناطق الحكومة المؤقتة المدعوة من تركيا، والآن هويات من تحرير الشام”.
هذا الإصدار للهويات في مناطق سلطات الأمر الواقع، يعتبره مراقبون مدخلا يمكن من خلاله تكريس فكرة التقسيم لسوريا.
في هذا السياق، يرى الصحفي، عمار جلو أنه من المؤكد أن هذه الخطوات تعزز المشاريع التقسيمية للجغرافية السورية، وإقرار الهوية الشخصية لمناطق معينة عامل أساسي في هذا التكريس التقسيمي، وذلك بالتزامن مع تنامي شعور عدم إمكانية التعايش مع الغير، وهو ما يُلاحظ مع زيادة الحديث الطائفي وغيره.
ويضيف جلو، أن زعيم “هيئة تحرير الشام”، محمد الجولاني، يعمل من خلال ما تسمى “حكومة الإنقاذ”، على مشروع تقسيمي خاص به، وسيعزز العمل على ذلك في حال لم يجد له مكانا في سوريا خلال المرحلة القادمة، وهذه الهويات هي البداية في هذا المشروع.
الأجانب والهويات
وزارة الداخلية، في حكومة الإنقاذ المعارضة، أعلنت أن الهوية الجديدة تدعم الاسم باللغة الإنكليزية، فمن يملك جواز سفر أو شهادة جامعية ومدون عليها اسمه باللغة الإنكليزية، يُفضل أن يحضر معه الوثائق الخاصة ليكتب الاسم بالهوية مطابقاً لوثائقه.
ولكن في خط مخالف لمعظم قوانين إصدار الهويات الشخصية، بيّنت الوزارة أنه لا مانع إذا تقدم الشخص بطلب عوضا عن إخوته أو زوجته أو أبنائه أو والديه، أو عن شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة ممن لهم ظروف خاصة ولا يستطيعون التقدم بالطلب، بشرط أن يكونوا من نفس محل القيد، ولا يزيد عدد المُقدم عنهم عن خمسة أشخاص، حيث تشترط معظم قوانين إصدار الهويات أن يحضر صاحب العلاقة شخصيا، مع أخذ بصمة لليد أو للعين كما في معظم الدول حاليا.
وهناك بحسب مراقبين تبرز مخاوف من أن تقوم حكومة الإنقاذ، بتوجيه من الجولاني، بمنح الهويات الجديدة للأجانب، وأعدادهم كبيرة وهذا ما يمهّد لأن يكونوا سوريين في المستقبل.
عمار جلو، يرى أن احتمال منح الهويات الجديدة للأجانب أمر حتمي، فحكومة الإنقاذ، الوجه المدني لـ”هيئة تحرير الشام”، قائمة على الإيديولوجيا، لذا تعتبر المسلمين من غير السوريين أقرب لها من السوري غير المسلم، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، هؤلاء عماد قوتها العسكرية الحامية لحدود سيطرتها، بعد أن اتجهت الهيئة وقوتها العسكرية والأمنية لتكريس حكمها في مناطق سيطرتها، دون وجود حقيقي ووازن لها على الجبهات، وهذا أمر مجهول للكثيرين، وعليه فمنح البطاقة السورية لهؤلاء واجب ديني إضافة لكونها خطوة براغماتية نفعية.
ولفت جلو، إلى أن منح الهويات الجديدة للأجانب خطر كبير، إذ من شأنها أن تؤثر على مناطق سيطرة “الهيئة” ديموغرافيا على حساب السوريين هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن وجودهم سيشكل اليد الضاربة لـ”الهيئة” وبهذا يضمن الجولاني، عدم قدرة وقوف أي من السوريين في وجهه خاصة أن “الهيئة” تعمل على السيطرة على كل مفاصل الحياة من خلال أنظمة وقوانين، إضافة إلى تدخلها في إنشاء النقابات وغيرها.
الهيئة تسعى للسيطرة على كل شيء
في مطلع شهر أيار/مايو 2022، أعلنت “حكومة الإنقاذ”، في إدلب عن تأسيس “نقابة المعلمين السوريين الأحرار”.
وكانت قد أعلنت، منتصف شهر نيسان/إبريل من العام نفسه، قرارا يقضي بإحداث “الاتحاد العام للفلاحين”، بالتنسيق مع وزارة الزراعة والري التابعة لها. وجاء هذا القرار بعد عدة قرارات اتخذتها في الإطار ذاته، أهمها إحداث المديرية العامة للمشتقات النفطية.
وخلال الفترة نفسها عقدت “حكومة الإنقاذ”، لقاءات مع نقابة الصيادلة والمهندسين والاقتصاديين
وفي هذا السياق قال بشير نصر الله، الباحث في مركز “جسور للدراسات”، إن “هناك تركيزا واضحا من حكومة الإنقاذ على تعزيز العمل النقابي في إدلب، على طريقتها.
ففي المجتمعات الديمقراطية تتمتع النقابات والاتحادات بحرية كبيرة، وتكون بعيدة عن توجهات السلطة، أي تغيب عنها معايير السيطرة والتوجيه والأدلجة من قبل مؤسسات سلطات الأمر الواقع.
لذلك تسارع الإنقاذ، ومن وراءها هيئة تحرير الشام، إلى إنشاء نقابات على هواها، أو التغلغل في النقابات القائمة، كي تكون تحت مراقبتها”.
صراع بين “الهيئة” والناشطين
وأشار إلى أنه لا يمكن التعامل مع “حكومة الإنقاذ” بوصفها جهازا أو سلطة مستقلة في إدلب، فهي مرتبطة بشكل وثيق، منذ تأسيسها نهاية عام 2017، بـ”هيئة تحرير الشام”، التي تعتبر هذه “الحكومة”، بمثابة غطاء مدني لإدارة المنطقة.
وأضاف التقرير، أن “حكومة الإنقاذ” منذ تأسيسها علمت على جمع السير الذاتية لكفاءات الشمال السوري، بغرض استيعابها في الوزارات التي تديرها، وهو ما أصبح متاحا لها بعد استبعاد مؤسسات وأجهزة الحكومة المؤقتة، التابعة للمعارضة السورية، من إدلب.
وأشار التقرير، إلى أن “هيئة تحرير الشام”، واجهت تحديات كبيرة بعد تخلّف عدد كبير من الكفاءات عن الالتحاق بمؤسسات حكومة الإنقاذ، والرفض الشعبي الذي واجهته، في محاولاتها لإخضاع المجالس المدنية المحلية، عن طريق تعيين أشخاص موالين لها فيها.
و يعتبر كثير من الناشطين في مجال العمل النقابي في إدلب أن الدعم، الذي تدعي “حكومة الإنقاذ” تقديمه، يعرقل مساعي الحراك المدني المعارض لها، بهدف جعل إدارة المنطقة أكثر سهولة، مما دفع أصحاب الكفاءات في المنطقة للتكتل في إطار نقابات وهيئات مستقلة، على غرار “نقابة المحامين الأحرار” في سوريا، في حين سارعت “حكومة الإنقاذ” لإصدار قرارات رسمية، لتشكيل نقابات وهيئات مدنية تابعة لها، وفرضت على النقابات المستقلة تغييرات مناسبة لها، مثل فرض أشخاص محددين في قيادتها.
وهكذا يبدو أن هناك صراعا بين الهيئة والحكومة من جهة، والناشطين المدنيين والنقابيين من جهة أخرى، حول استقلال العمل النقابي في إدلب، وقد يكون لهذا الصراع دور كبير في تحديد مستقبل المنطقة.
“الهيئة” تستغل العمل المدني
و تواجه المنظمات المدنية في إدلب تضييقا منظما على عملها، من قِبل “هيئة تحرير الشام” المسيطرة على المحافظة ومناطق من شمال غرب سوريا، حيث تعرضت عدد من المنظمات خلال الفترة السابقة، لاقتحام مكاتبها ومستودعاتها، ومصادرة محتوياتها، واعتقال عاملين فيها، لرفضها الخضوع للشروط التي يفرضها “مكتب شؤون المنظمات”، وهي اليد الطولى لهيئة تحرير الشام، للهيمنة على العمل المدني والإنساني والإغاثي في مناطق سيطرتها.
ويعتبر كثير من المراقبين، أن الهيئة هي المستفيد الأكبر من حالة التهجير والنزوح إلى شمال غرب سوريا، إذ تتحكم بالمساعدات الإنسانية، التي توفرها المنظمات الدولية والمدنية للنازحين، ما يساعدها على توفير موارد مالية بالعملة الصعبة.
الخبير الاقتصادي فراس شعبو، رأى، أنه من الطبيعي أن تكون “هيئة تحرير الشام”، أكبر المستفيدين من عمل المنظمات المدنية في إدلب، في ظل الانفلات الأمني وغياب هياكل الدولة في شمال غرب سوريا.
ففي أغلب الأحيان يكون كبار المستثمرين والمتعهدين، التي ألزمت المنظمات بالتعامل معهم، من مسؤولي الهيئة، والتنظيمات المقربة منها. رغم أن أهداف الهيئة لا تتفق بالتأكيد مع أهداف المنظمات المدنية.
وأضاف شعبو، أن الجماعات المسيطرة على شمال غرب سوريا لا تهتم كثيرا بأسس العمل الإنساني والإغاثي والمدني، ولا تولي أي اعتبار لأولويات تقديم الدعم. ما يجعلها تسعى لحرف المنظمات المدنية عن الأهداف التي وجدت لأجلها، أي تقديم الدعم للمناطق والمجموعات الأكثر تضررا.
من الواضح أن “هيئة تحرير الشام”، تعمل من خلال “حكومة الإنقاذ”، على تكريس نوع من الاستقلال في المناطق التي تسيطر عليها، فإصدار الهويات الجديدة كانت البداية الصريحة، فيما سبق ذلك العديد من الأعمال التي قامت بها في هذا الاتجاه وأهمها السيطرة على كل المفاصل في هذه المناطق، سواء اقتصادية أو تعليمية أو صحية.
الحل نت
إضافة تعليق جديد