تركيا تطرق باب دمشق فما مصير الائتلاف المعارض
المحادثات السورية التركية بدأت أمنية تقنية، وبلغت تقدماً مهماً، تجلّى في إعلان إردوغان استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
لاريب في أن “الاندفاعة” التركية تجاه سوريا، تتطور تباعاً، فقد بدأت تقنية أمنية، لتمهّد الطريق أمام إعادة العلاقات السياسية بين البلدين، وقد تستهل في البدء بلقاءات دبلوماسية، من المحتمل أن تكون على مستوى وزيري خارجية البلدين في وقتٍ ليس ببعيد. وقد يبدأ انعقاد هذه اللقاءات المرتقبة الشهر المقبل، بحسب ما تؤشر المواقف الرسمية والإعلامية التركية، وأجواء بعض الدبلوماسيين الناشطين في المنطقة.
ولاريب أيضاً في أن الأجواء “التهدوية” السياسية بين أنقرة ودمشق، سيكون لها انعكاس إيجابي على المستوى الميداني، تحديداً لناحيتي الأمن الميداني والأمن السياسي كذلك. وبالتالي، من البديهي أن أول شروط إنضاج التسوية المرتقبة بين سوريا وتركيا يحتّم على الأخيرة البدء بسحب قواتها التي تحتل جزءاً من الأراضي السورية، ووقف النشاطات الأمنية والسياسية التي تستهدف الاستقرار السوري، انطلاقاً من الأراضي التركية، أو الخاضعة لسيطرة أنقرة في الشمال السوري.
وفي هذا الإطار، تناقل بعض الإعلام أنباء تحدّثت عن طلب الاستخبارات التركية مما يسمى “الائتلاف المعارض” الذي يهيمن عليه “الإخوان المسلمون” مغادرة الأراضي التركية، بعدما توقفت الدول الممولة له عن دفع تكاليف نشاطاته، ودائماً بحسب الأنباء عينها المستجدة وغير المؤكدة حتى الساعة. وفي حال صحّت هذه الأنباء عن الموقف التركي المستجد تجاه “الائتلاف”، تكون بمنزلة انقلاب على النهج التركي السابق المعادي للجارة سوريا، منذ أكثر من عقد قدمت فيه أنقرة الدعم السياسي والعسكري واللوجستي والأمني والاستخباري للمجموعات المسلحة المنخرطة في الحرب الكونية على سوريا، والمنضوية تحت اللواء التركي.
أضف إلى ذلك تمسك النظام التركي على امتداد هذه المدة، بطرح “الائتلاف” و”الجيش الوطني” الذي ينتشر في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام” في المناطق السورية المحاذية للأراضي التركية، كجزء من أي حلٍ سياسيٍ “مستقبليٍ” للأزمة السورية، كي يحفظ هذا النظام حضوره السياسي في تلك المناطق، ويعزّز وضعه الأمني فيها، حفاظاً على حماية أمنه القومي من الخطر الكردي، كما يدّعي هذا النظام.
لذا، فهو سعى ويسعى لإقامة شريط أمني-اجتماعي في الشمال السوري، بحسب تأكيد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي أعلن أن نظامه سيوحّد حلقات الحزام الأمني بتطهير المناطق الأخيرة التي ينتشر فيها التنظيم الإرهابي (حزب العمال الكردستاني) في سوريا، على حد تعبيره.
والمعلوم، أن “الانعطافة” التركية المذكورة آنفاً، جاءت بعد جهود روسية- إيرانية مشتركة لمنع إقامة أنقرة حزاماً أمنياً بعمق 30 كيلومتراً في الشمال السوري، إذ كانت تنوي مباشرة عملية عسكرية لتحقيق ذلك في مطلع هذا الصيف، لولا الجهود المذكورة.
غير أنها لم تبدل في التغيير الديموغرافي الذي أحدثه النظام التركي والميليشيات التابعة لها في المناطق الحدودية المشتركة بين سوريا وتركيا، على اعتبار أن الأخيرة أقامت أحزمة أمنية-اجتماعية، لا أمنية وحسب، وأنشأت كونتونات طائفية مؤيدة لها، لتعزيز الدور التركي في سوريا، ولحماية الحدود من خطر “قوات سوريا الديمقراطية”، التابعة لحزب العمال الكردستاني.
إذاً، مع أن المحادثات السورية التركية بدأت أمنية تقنية، وبلغت تقدماً مهماً، تجلّى في إعلان إردوغان استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وإعلان رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان زيارة دمشق لتمهيد الطريق أمام انعقاد اللقاءات السياسية بين الجانبين السوري والتركي، فإن الملفات العالقة بينهما شائكة ومعقدة جداً، وتتطلب جهداً ووقتاً، كي يصل الجانبان إلى مخارج ملائمة لهذه الملفات العالقة. وليس بالأمر السهل أن تتراجع أنقرة عن كل سلوكها السابق في سوريا الممارس منذ أكثر من عقد.
كذلك لن تقبل دمشق بأي مسٍ بسيادتها ووحدة أراضيها، ووحدتها الوطنية. والأمر مرهون كذلك بتقدم هذه المحادثات المرتقبة ونتائجها، على الرغم من كل ما تقدم وذكر عن تطور العلاقات الثنائية السورية- التركية.
ولكن، حتى الساعة، لم تعلن دمشق أي موقفٍ من “الاندفاعة” التركية المستجدة، فكما هو معلوم، فإن الدبلوماسية السورية، دبلوماسية متحفظة. أما في شأن “الائتلاف” وسواه، فقد أكد الأسد سابقاً “أننا نتعاطى مع الأسياد فقط”، أي مع الدول الراعية “للمعارضة السورية الخارجية”.
ويؤكد مسؤول سوري رفيع المستوى لموقع “الميادين” الموقف عينه، ويقول حرفياً: “لا يهمنا لا الائتلاف ولا سواه”، ومن هنا، ممكن أن يحافظ النظام التركي على أتباعه السوريين، ويسمح لهم بالبقاء على أراضيه كلاجئين، شرط ألا يمارسوا أي نشاطٍ سياسيٍ معادٍ للجارة والصديقة سوريا في المستقبل.
الميادين- حسان الحسن
إضافة تعليق جديد