إدلب واللاجئون مختبَر أوّل للتقارب بين دمشق وأنقرة
نبأ تطابق التعليقات الرسمية السورية والتركية على اللقاء الثلاثي الذي انعقد في موسكو على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات، فضلاً عن الأصداء الإيجابية التي حملتْها تلك التعليقات، توحي بأن هذا اللقاء غير المسبوق منذ 11 عاماً، ستتبعه بالفعل خطوات عملية على الأرض، من شأنها أن تَدفع قُدُماً بمسار التقارب بين أنقرة ودمشق.
خطواتٌ يُفترض لمسها خلال الفترة القليلة المقبلة في نطاق ملفَّين رئيسَين: أوّلهما إدلب وطريق حلب – اللاذقية، وثانيهما اللاجئون السوريون الذي يُنتظَر أن تتسارع خطوات إعادتهم إلى بلادهم. وفي خضمّ ذلك، تجد القوى الكردية نفسها أمام اختبار جديد، في ظلّ خشيتها من أن يأتي التطبيع السوري – التركي على حساب وجودها وسلطتها، وهو ما دفعها إلى إطلاق حملة استنكار للاجتماع الأخير، على رغم أنها واصلت، على مدار اللقاءات التي انعقدت بينها وبين الحكومة السورية خلال الأشهر الماضية، رفْض أيّ حلول وسطية، متمسّكة بتحالفها مع الأميركيين وتعويلها عليهم.
لعدّة ساعات أوّل من أمس، اجتمع وزير الدفاع السوري، العماد علي عباس، ونظيره التركي، خلوصي آكار، إلى جانب وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بحضور رؤساء استخبارات البلدان الثلاثة، في لقاء هو الأوّل من نوعه بين مسؤولين رفيعي المستوى من سوريا وتركيا، منذ اندلاع الحرب السورية قبل أكثر من 11 عاماً. الاجتماع الذي جاء بعد بضعة أشهر من المباحثات الأمنية والوساطة الروسية المتواصلة، بالإضافة إلى جهود إيرانية بدت واضحة خلال قمّة دول «مسار أستانا» التي عُقدت في العاصمة الإيرانية طهران في شهر تموز الماضي، ركّز على مجموعة قضايا أبرزها المخاطر الأمنية ومسألة اللاجئين.
وهاتان القضيّتان كانت قد شكّلتا محور لقاءات أمنية سابقة بين دمشق وأنقرة، في ظلّ رغبة العاصمتَين المشتركة في إخراج القوّات الأميركية من سوريا وإنهاء مشروع «الإدارة الذاتية» الكردية من جهة، وطيّ ملفّ اللاجئين السوريين من جهة أخرى، بهدف سحبه من أروقة السياسة، بعد أن تمّ استثماره لسنوات عدّة من قِبَل الدول الغربية.
وخلال الشهرَين الماضيَين، أبدت تركيا رغبتها في استعجال خطوات الانفتاح على سوريا، بهدف قطف مكاسب هذا الانفتاح في الداخل، في وقت ربطت فيه دمشق التطبيع مع أنقرة بمجموعة خطوات يتعيّن على الأخيرة اتّخاذها، أبرزها وقف دعم الفصائل المسلّحة، وإخراج قوّاتها من الشمال السوري، بالإضافة إلى إنهاء تحكّمها بالمياه الواردة عبر نهر الفرات، والذي يؤدي إلى أزمات جفاف متلاحقة أضرّت بشكل كبير بالقطاع الزراعي السوري، ومنعت إيصال مياه الشرب إلى آلاف القرى.
وفي وقت لم تَصدر فيه عن دمشق أيّ توضيحات حول فحوى اللقاء ونتائجه، باستثناء البيان المقتضب الذي أصدرته وزارة الدفاع السورية، والذي وصف الاجتماع بـ«الإيجابي»، ذكرت مصادر سورية أن تركيا تَقدّمت بضع خطوات على المسار الذي تريده سوريا، الأمر الذي سهّل عقْد هذا اللقاء، متوقّعةً ارتقاء الاجتماعات إلى المستوى السياسي في وقت لاحق، من دون تحديد وقت دقيق لذلك، في ظلّ الملفّات المعقّدة والمتشابكة التي تحيط بالعلاقات السورية – التركية، والتي ترجئ الحديث عن التسوية النهائية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية.
اللافت في موعد عقد هذا اللقاء، أنه يأتي بالتزامن مع الجدل الدائر حالياً في مجلس الأمن حول قضية المساعدات الإنسانية، إذ ترغب أنقرة في ضمان استمرار تدفّق المساعدات خلال الشهور المقبلة لمنع حدوث اضطرابات في الشمال السوري، في وقت تصرّ فيه دمشق وموسكو على أن تفي الدول الغربية بتعهّداتها حول تقديم دعم ملموس لمشاريع التعافي المبكر، وخصوصاً منظومتَي المياه والطاقة الكهربائية، بما من شأنه أن يؤمّن أرضية مناسبة لإعادة اللاجئين.
كذلك، يأتي الاجتماع بعد تعثّر الخطّة التركية لشنّ هجوم برّي جديد في الشمال السوري، بفعل رفض كلّ من موسكو وواشنطن إيّاه، ليبقى الحلّ الوحيد بالنسبة إلى أنقرة هو الانفتاح على دمشق وفق الخطّة الروسية، خصوصاً أن الولايات المتحدة لا تملك سوى تجديد طرح مشروعها لربْط المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية (الإدارة الذاتية والشمال السوري)، الأمر الذي تَعتبره تركيا وصْفة لتجذير «الإدارة الذاتية» بدلاً من إنهائها.
وعلى أيّ حال، ترى مصادر سورية مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن الأصداء الإيجابية الصادرة عن وزارتَي الدفاع السورية والتركية عقب اللقاء، تشي بوجود خطوات على الأرض يُفترض لمسها خلال الفترة القليلة المقبلة، وأُولاها تقديم دفعة حقيقية لحلحلة ملفّ إدلب وفتح طريق اللاذقية – حلب المغلَق من جهة، ومن جهة ثانية، تسريع وتيرة إعادة اللاجئين السوريين، ولا سيما أنه جرى تحديد معابر دائمة لإعادتهم، وافتتاح مراكز مصالحة خاصة بهم في إدلب.
ويضع التوافق السوري – التركي، القوى الكردية، أمام اختبار وجودي جديد، في ظلّ إعلان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، اتّباع آلية جديدة في محاربة تلك القوى، عبر استهداف بنيتها التحتية ومصادر تمويلها، في إشارة إلى قوافل النفط التي يجري تهريبها، ومراكز تكرير النفط البدائية، بالإضافة إلى مقرّاتها العسكرية. وفي الإطار نفسه، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن ثمّة مساعيَ حثيثة لإيجاد مخرج سياسي عبر لقاءات سورية – سورية (بين الحكومة والمعارضة)، وفق مسارَين: الأوّل هو «مسار أستانة» بدعم روسي، والثاني هو مسار «اللجنة الدستورية» (المسار الأممي)، المجمَّد حالياً، علماً أن كليهما لا يضمّان أيّ تمثيل لـ«قسد». ويأتي ذلك في وقت تتابع فيه واشنطن، التي تحاول جاهدة إفشال المساعي الروسية للحلّ ومنْع الانفتاح السوري – التركي، التصعيد السياسي والميداني في سوريا، سواء عبر تقديم دفعات من الأسلحة المتطوّرة لـ«قسد»، أو عن طريق إنشاء «جيش رديف من مكوّنات عربية» في منطقتَي التنف في المثلث الحدودي مع العراق والأردن، والرقة على الحدود مع تركيا.
الاخبار
إضافة تعليق جديد