نهب وسرقة في المدن التركية المنكوبة

16-02-2023

نهب وسرقة في المدن التركية المنكوبة

Image

سركيس قصارجيان:


بالتزامن مع عمليات الانقاذ المستمرة في المحافظات التركية الأكثر تضرراً من الزلزالين اللذين ضربا محافظة مرعش التركية قبل أسبوع، باتت حوادث سرقة ونهب المنازل والمحال المتضررة الشغل الشاغل للكثيرين من الأتراك، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
 
ومع تزايد الاستياء الشعبي من عجز السلطات عن تقديم المساعدة والإغاثة اللازمة لضحايا الزلزال في المحافظات الجنوبية العشر في البلاد، صب الأتراك جام غضبهم على مرتكبي أعمال النهب والسرقة، وخاصة من اللاجئين السوريين، حتى بات كل لاجئ في المناطق المنكوبة متّهماً باللصوصية، وكل من يحاول نقل ما استطاع انقاذه من أثاث منزله وممتلكاته، تحول إلى سارق وناهب، حتى تثبت براءته.
 

لصوص حتى تثبت براءتنا

محمود ج.، هو أحد اللاجئين السوريين من ريف اللاذقية الشمالي، مر بتجربة قاسية مع رفاقه في مدينة انطاكيا، حيث يقيم منذ 9 سنوات، إذ اتّهموا بالسرقة، بينما كانوا يحاولون تقديم المساعدة لعالقين تحت أنقاض أحد الأبنية.
 
ويروي محمود دقائق الرعب التي عاشها مع رفاقه، قائلاً: "منذ اليوم الأول من الزلزال، أشارك مع أربعة من السوريين المقيمين في انطاكيا، في أعمال الاغاثة والمساعدة، مستغلين اتقاننا للغة التركية، كوننا من أبناء جبل التركمان في الأساس".
 
ويضيف محمود: "يوم السبت، وبينما كنا نحاول رفع الأنقاض للوصول إلى أحد العالقين تحت ركام بناء جنوب مركز مدينة انطاكيا، تفاجأنا بسيارة توقفت بالقرب منا ليترجل منها 4 شبان بدأوا بالصراخ وتوجيه الاتهامات لنا بالسرقة، ورفعوا عصاً وسكاكين في وجوهنا".
 
فشلت محاولات محمود وأصدقائه من أجل اقناع المجموعة بأنهم يساعدون بأعمال رفع الأنقاض، إلى أن تدخّلت امرأة مسنة، "من المحتمل أنها كانت من قاطني المنطقة قبل أن تتعرض للدمار الكامل، وصرخت في وجه الشبان الأتراك لإبعادهم عنا مؤكدة أننا نعمل في ازالة الانقاض منذ ساعات الصباح الباكر".
 

القصاص بالقتل

نجا محمود ورفاقه بفضل "المسنة الملاك" التي حالت دون أن يلقوا مصير ثلاثة شبان قتلوا تحت الضرب من قبل أتراك غاضبين اتهموهم بالنهب والسرقة.
 
وانتشر في مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لشبان قضوا تحت الضرب، ولقي تفاعلاً كبيراً من مستخدمي تويتر في تركيا، بين مؤيد لـ"القصاص الشعبي" ورافض له، فيما كانت الصدمة الأكبر حينما بدأت بعض الحسابات تنشر معلومات عن أن الشبان من العاملين في شركة لنقل البضائع، وأنهم كانوا يقومون بنقل أدوات كهربائية عائدة لهم من مكان إلى آخر حسب الادعاء الذي لم يتسن لـ"النهار العربي" التحقق من صحّته من مصادر محايدة.
 
ويحذّر الحقوقي والمعنى بقضايا حقوق الإنسان محمد تيزكان في تصريحات لـ"النهار العربي" من أن "تنصيب المواطنين أنفسهم قضاة وقيامهم بدور المؤسسات الأمنية والحقوقية يمكن أن يحول البلاد إلى غابة".
 
ويرى تيزكان أن "المبدأ الحقوقي والقانوني المتّفق عليه في كل القوانين والدساتير في العالم يقوم على براءة المتّهم حتى تثبت ادانته، كما أن جريمة النهب والسرقة ليست من الجرائم المعاقب عليها بالاعدام، حتى في ظل قوانين الطوارئ خلال الحروب والكوارث".
 
ويدعو تيزكان إلى تقديم قتلة الشبان الذين ظهروا في الفيديو المتداول إلى العدالة بجرم "القتل العمد" أو "التسبب بالوفاة" بالحد الأدنى "وإلا فإننا سنواجه مجتمعاً يلقي القبض ويوجّه الاتهام ويدين ويصدر العقوبة خلال دقائق".
 

أنطاكيا تتصدر المدن المنهوبة

وأعلن وزير العدل التركي بكير بوزداغ الأحد عن قيام السلطات القضائية التركية بمحاكمة 64 مشتبهاً في 75 حادثة نهب وسرقة، واعتقال 57 منهم مع اصدار أوامر رقابة قضائية بحق 7 مشتبه بهم.
 
وتتصدر مدينة أنطاكيا، احدى أكثر المدن التركية تضرراً من الزلزال، قائمة المدن التي تعرّضت فيها المنازل والمحال المدمّرة للنهب، حسب ضباط الشرطة التركية، فيما يؤكد السكان أنه في الأيام الأربعة الأولى من الزلزال تعرّضت واجهات معظم المحلات للتكسير بهدف سرقة محتوياتها، ولم تتراجع السرقات إلا بعد تشديد الشرطة التركية للإجراءات الأمنية وتدخلها بعنف ضد اللصوص.
 
وخلال زيارته إلى المحافظة يوم السبت، أشار الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أعمال النهب والسرقة، موضحاً أن أحد أهداف إعلان حالة الطوارئ في المدن المنكوبة هو الحد من ظاهرة النهب المتفشيّة، قائلاً: "مع حالة الطوارئ، تسلمت الدولة الصلاحيات في هذا الأمر".
 
وبحسب المرسوم الرئاسي الذي نشر في الجريدة الرسمية في نفس اليوم، تم تمديد مدة التوقيف في جرائم السرقة والنهب إلى 4 أيام، مع إمكانية تمديد هذه الفترة حتى 7 أيام إذا طلب المدعي العام ذلك بسبب صعوبة جمع الأدلة أو العدد الكبير من المشتبه بهم.
 
في حديثه لوكالة رويترز للأنباء يوم السبت، قال عامل إنقاذ جاء إلى أنطاكيا من أورفا إنه شاهد أعمال النهب في الأيام الأربعة التي قضاها في الخدمة في المدينة.
وأكد ضابط: "لا يمكننا التدخّل بشكل فعّال لأن معظمهم يحمل أدوات حادة".
 
وأعلنت منظمة الإغاثة الألمانية أنها أوقفت العمل في منطقة الزلزال بسبب مشاكل أمنية، بينما استأنف فريق الإغاثة النمساوي، الذي اتخذ قراراً مماثلاً، عمله بعد فترة توقّف وجيزة.
 
كما كشفت السلطات التركية يوم السبت عن زجّها لقوات اضافية من الشرطة والجيش فى أنطاكيا لأداء مهام الحفاظ على النظام العام وإدارة حركة المرور وجهود الإنقاذ ودعم المساعدات الغذائية.
 
ومع ذلك، لجأت الشرطة في بعض الأحيان إلى التعامل بقسوة مع المواطنين أو اللاجئين الذين يشتبه في أنهم استغلوا الزلزال للسرقة. وسرعان ما ضجت حسابات التواصل الاجتماعي بعشرات الفيديوهات التي تصور الشرطة التركية أثناء اعتدائها على شبّان تم احتجازهم في الشوارع أمام العامة أو غرف أبنية متصدّعة وضربهم بوحشية.
 
في الفيديو الأكثر تداولاً يوم الأحد، يظهر عناصر شرطة أتراك أثناء اعتدائهم بالعصي على شبان ممددين على رصيف، تنفيذاً لأوامر شخص لا يظهر في الفيديو ويعتقد أنه الضابط المسؤول. وهو يسمع في الفيديو يطلب من العناصر "تجنب ضرب اللصوص على رأسهم، بل ضربهم على أيديهم وأرجلهم وكسرها كي لا يتجرؤوا على السرقة مرة أخرى" حسب ما يقول في الفيديو.
 
ويقول اغيت أحد المشاركين للفيديو عبر حسابه على تويتر: "مؤسف ألا ترتفع أصوات ادانة مثل هذه الأفعال من قبل الشرطة التي من المفترض أن تكون الحارس لتطبيق القوانين والأنطمة. لو رأينا شخصاً يضرب حيواناً بهذه الطريقة لكنا أقمنا الدنيا ولم نقعدها".

النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...