الغرب يحتضن الجولاني: الأولوية مناكفة دمشق
علاء حلبي:
بعد أن مَنع إدخال 14 قافلة من المساعدات الإنسانية والإغاثية كانت دمشق جهّزتها لتمريرها عبر معبر سراقب نحو منكوبي الزلزال في الشمال الغربي من سوريا، أطلّ زعيم «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً – فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا)، أبو محمد الجولاني، عبر وسائل إعلام بريطانية وأميركية أفردتْ له مساحة واسعة، ليبرّر رفْضه الإغاثة الآتية من الحكومة السورية. رجُل «القاعدة» السابق، والذي باتت علاقته بالاستخبارات البريطانية والأميركية أكثر قوّة خلال العامَين الماضيَين، خرج بتصريحات عبر صحيفة «الغارديان» البريطانية، ومحطّة «فوكس نيوز» الأميركية، معلناً إصراره على رفْض إدخال أيّ مساعدات عبر الخطوط (من دمشق)، على الرغم من هول الكارثة، ودعوته إلى الاستعاضة عنها بالمساعدات العابرة للحدود (من تركيا)، في تناغُم مباشر مع الطرح الأميركي الذي تتمسّك به واشنطن منذ لحظة وقوع الزلزال. وخلال اللقاءات التي أجراها الرجل المصنَّف نظرياً على «لوائح الإرهاب»، والذي أعلنت الولايات المتحدة عام 2017 رصْد مبلغ عشرة ملايين دولار لِمَن يدلي بمعلومات حول مكان وجوده، وجّه الجولاني انتقادات إلى الأمم المتحدة والدول الغربية، مشيراً إلى أنه بعَث برسائل عدّة إلى المنظّمة الدولية حول ضرورة تمرير مساعدات إلى مناطق سيطرته بعشرة ملايين دولار، وهو المبلغ نفسه الذي كانت رصدتْه واشنطن سابقاً للقبض عليه.
ويتساوق الظهور الجديد لزعيم أحد أبرز التنظيمات «الجهادية» التي نفّذت عمليات انتحارية أودت بحياة آلاف السوريين، مع السلوك الذي كان بدأ انتهاجه قبل بضعة أعوام، والقائم على محاولة «تبييض» صفحته بعد إعلان انفصال جماعته عن تنظيم «القاعدة» عام 2016، في وقت ينشط في صفوفه مئات «الجهاديين» الأجانب من جنسيات مختلفة. وفي المقابل، لا يبدو إفساح وسائل إعلام أميركية وبريطانية مساحة للجولاني أمراً مستغرَباً، في ظلّ الميل الواضح لدى واشنطن إلى التعاون مع الجماعة «الجهادية» التي تُعتبر القوّة الأكبر بين الفصائل في الشمال الغربي من سوريا، خصوصاً بعدما وسّعت «هيئة تحرير الشام» دائرة سيطرتها خلال الشهور الماضية لتقضم مناطق من ريف حلب وتضمّها إلى إدلب التي تسيطر عليها، ضمن خطّة تهدف في النهاية إلى التهام الشمال السوري كاملاً. وبينما كان الركام يحاصر مئات السوريين العالقين تحت الأنقاض في إدلب، كثّف الجولاني ظهوره الإعلامي عبر وسائل الإعلام التي يملكها، ومنصّات التواصل الاجتماعي، في مسعًى منه لترسيخ صورته «قائداً»، على رغم الانتقادات الواسعة التي تعرّض لها بعد رفْضه إدخال مساعدات عاجلة من دمشق، وتعثُّر إدخال المعونات من تركيا. كذلك، ظهَر الرجل في مؤتمر صحافي منفصل، ليعود ويؤكّد رفْض إغاثة الحكومة السورية، والتي يبدو أنه يخشى أن تضرب «إمارته» في مقْتل، ولو كان هذا على حساب مئات آلاف السوريين الذين شرّدهم الزلزال.
وقد يَفتح استثمار الجولاني غير المستغرَب في الكارثة، وسلوك واشنطن ولندن الساعيتَين بدأب إلى التضييق على دمشق، الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها تصدير «رجل القاعدة» السابق على أنه «معارض ورجُل دولة»، وبديل أقوى على الأرض من «الائتلاف» المعارض المهلهَل، وحكومته (الحكومة المؤقتة) العاجزة عن مأسسة نشاط الفصائل في الشمال السوري، ليبقى السؤال مفتوحاً حول موعد فتْح الولايات المتحدة أحضانها مرّة أخرى، وبشكل علني وأكثر رسمية لـ«القاعدة»، وهو ما لا يبدو بعيداً. فالجولاني خاطب اليوم الأمم المتحدة، وقد يتبادل الرسائل غداً مع «نظيره» الأميركي، جو بايدن!
الأخبار
إضافة تعليق جديد