هل تنعش الاجراءات المالية الاخيرة الاقتصاد السوري
أطلقت الحكومة خلال الايام الماضية حزمة من القرارات الجديدة “تهدف إلى تنشيط الحياة الاقتصادية ودعم القطاع الإنتاجي الصناعي، وتمنح مزيداً من المرونة لتمويل توريدات بعض القطاعات الاقتصادية”. إضافة إلى تبسيط الإجراءات المالية والمصرفية أهمها: رفع سقف السحب اليومي من المصارف حتى 15 مليون ليرة سورية، وتعديل المبلغ المسموح بنقله بين المحافظات ليصبح 15 مليون ليرة والسماح للمصارف “بشراء القطع الأجنبي من الأفراد بالسعر المتداول”. وإصدار سعر يومي للحوالات مواكب للسعر المتداول.
سابقا كانت القرارات الحكومية المعاكسة بمنع التداول ووضع سقوف للسحب والتحويل ونقل الاموال في سورية والتي هدفت الحكومة من خلالها للسيطرة على سعر الصرف ومعدلات التضخم سببا رئيسيا لتراجع الانتاج الصناعي فمثلا سيارة شاحنة لمعمل ما حمولتها خمسة اطنان تنقل بضاعة من دمشق إلى أي محافظة تتراوح قيمة البضائع المحملة حسب نوعها من عشرين مليون ويمكن ان تصل لمئة مليون ليرة في حالة السمن والزيت والمعلبات مثلا السائق لا يستطيع استلام قيمة البضاعة كون الحد الاقصى المسموح خمسة ملايين
التحويل عبر المصارف يدخل التاجر في روتين سقف السحب اليومي وبالتالي التجار أصبحوا غير قادرين على تحصيل اموالهم بالسرعة المطلوبة لاستمرار الانتاج فتراجعت وتيرة الانتاج الصناعي بشكل كبير
اليوم ومع ما سبق من قرارات مضافا إليها قرارات السماح بالاستيراد باستخدام حسابات التجار الخارجية ومنح مرونة اكبر بتحريك العملات الصعبة يمكننا القول ان الحكومة قاربت إلى حد كبير مشاكل الصناعيين والتجار أي حلت المعضلة المتعلقة بجانب العرض في معرض معالجة المشكلة الاقتصادية إلى حد كبير.
ولكن هل تحرك معالجة مشكلة العرض الحياة الاقتصادية وعجلة الانتاج
الجواب بالنفي تماما لعدة اعتبارات:
الاعتبار الاول انه لحل مشكلة الاقتصاد لابد من تحريك الطلب الضعيف جدا نتيجة انخفاض قيمة العملة وانخفاض الاجور وتدني القدرة الشرائية للمواطن
قد يقول البعض ان تحريك الانتاج سيؤدي إلى زيادة اجور العمال ولكن هذا صحيح في القطاع الخاص ولكن ما نسبة العاملين في القطاع الخاص من إجمالي قوة العمل أو إجمالي السكان
العبرة في الطلب الفعال الناجم عن دخول موظفي القطاع العام مدنيين وعسكريين والذين يشكلون مع عائلاتهم السواد الاعظم من السكان والذين وصلت دخولهم إلى مستويات متدنية جدا سحبت معها الطلب الفعال إلى أدنى مستويات ممكنة.
قبل الزلزال كانت الحكومة تسير وإن كان بخطا بطيئة بخطة اصلاح وكان المواطنون ينتظرون زيادة بسيطة على الاجور ضمن المعطيات الاقتصادية والسياسية والدولية التي كانت سائدة.
اليوم الزلزال خلق واقعا جديدا فهو من جهة فاقم معاناة الحكومة نتيجة ضغوط الدمار وزيادة نسبة المصاريف الجارية اللازمة لإعالة الاسر المنكوبة بشكل فوري ومن ثم العمل على إزالة آثار الزلزال والعودة بالوضع إلى ما كان عليه قبل الزلزال, ومن جهة ثانية كسر الحصار ولو بشكل جزئي واعاد معظم العرب إلى سورية حيث شاهدنا تدفق طائرات المساعدات من اغلبية الدول العربية.
قد يتساءل البعض ماذا يعني هذا؟
قبل الاجابة على السؤال هناك مسلمات اساسية :أولها الاعتراف ان الازمة السورية هي اكبر ازمة وكارثة انسانية واقتصادية في القرن العشرين , وثانيهما الاعتراف بأن الحكومة السورية غير قادرة منفردة على تجاوز آثار الحرب خاصة بعد أن عززتها جائحة كورونا والحرائق والزلازل والحصار
هنا نستطيع القول ان الحكومة يجب ان تعمل مع الشركاء العرب والاصدقاء الدوليين والمنظمات الدولية لإطلاق مشروع مشابه لمشروع مارشال الذي اطلق بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة بناء ما دمرته الحرب وتجاوز آثارها .
تلك الخطوة كفيلة بتجاوز كافة إشكاليات الاقتصاد السوري من خلال رفع الطاقات الانتاجية ضمن المؤسسات الحكومية إلى اقصى حد ممكن وبالتالي تحريك عجلة الاقتصاد وبالتالي رفع الاجور بشكل يضمن رفع الطلب الفعال وتشغيل الطاقات المعطلة في الاقتصاد .
كيف يمكن اطلاق المشروع؟
اليوم الامارات اكثر الدول المؤهلة لإطلاق المشروع بالتعاون مع عمان والبحرين وربما السعودية ومع مشاركة منظمات دولية ودول مثل الصين واليابان طبعا مع الاصدقاء الروس والفنزويليين…
هل نحن جاهزون لإطلاق هكذا مشروع ؟
الجواب نعم فنحن نملك مؤسسات عملاقة تنقصها الامكانيات المادية، ونملك خبرات كبيرة رغم كل الاستنزاف البشري الذي حصل في السنوات السابقة , وفي حال حصلنا على هكذا فرصة كل ما ينقصنا هو اليات قانونية وتنظيمية تؤطر كافة الاعمال وتكون مدخل لبناء سورية الجديدة.
المشهد
إضافة تعليق جديد