انتخابات الإئتلاف غير المؤتلف تعيد تدوير المعارضة
علاء حلبي:
بعيداً عن عدسات الإعلام، وفي ظلّ أجواء مشحونة بين أطراف وكتل ذات ارتباطات مختلفة، أعاد «الائتلاف السوري» المعارض ترتيب أوراقه عن طريق انتخابات كانت محسومة مسبقاً، وضعت هادي البحرة في منصبَين في وقت واحد، رئيساً لـ«الائتلاف» ورئيساً مشتركاً لوفد المعارضة في «اللجنة الدستورية» التي من المنتظر أن تعود إلى الحياة خلال الشهرين المقبلين. الانتخابات التي جرت بعد نحو شهر على موعدها، سبقتها صراعات داخلية في أروقة المعارضة، بعد أن وصلت توجيهات تركية باختيار البحرة خلفاً لسالم المسلط على رأس «الائتلاف»، الذي كانت رفضت أنقرة إجراء تعديلات على نظامه الداخلي تسمح باستمرار الأخير في منصب الرئاسة. وفي سياق التفاعل مع ذلك التطور، أعادت عدّة تسريبات ومنشورات لأعضاء سابقين في «الائتلاف» تسليط الضوء على السيطرة المطلقة من قِبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية، وبشكل خاص تركيا، على المعارضة السورية، الأمر الذي دفع الرئيس السابق لـ«الائتلاف»، معاذ الخطيب، إلى نعي هذا التشكيل المعارض. وأتى موقفه المتقدّم تعليقاً على بيان أصدره سلفه، نصر الحريري، انتقد فيه فرض البحرة بمختلف الطرق بما فيها تهديد «رئيس الحكومة المؤقتة»، عبد الرحمن مصطفى، بأنه «بالصرماية سيتم انتخاب البحرة رئيساً جديداً». كما فضحت نائبة رئيس «الائتلاف» السابقة، ربا حبوش، في بيان لها، آلية الانتخاب الشكلية التي من شأنها التستّر على آلية التعيين الفعلية.
البحرة الذي يعود إلى تسلم قيادة «الائتلاف» للمرة الثانية بعد فترة سابقة عام 2014، تقدّمه تركيا على أنه توافقي بينها وبين الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع السعودية التي انطلقت مسيرته السياسية منها. ويؤمل، من خلال ذلك، إحياء هذا التشكيل المعارض الذي فقد حضوره جراء النكسات المتتالية، وتجفيف موارد تمويله، لصالح تنمية تشكيلات معارضة أخرى، من بينها «الحكومة المؤقتة» المنبثقة أصلاً عنه، والتي تتولّى إدارة المناطق التي تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري شكلياً. وفي الآونة الأخيرة، صدّرت أنقرة «المؤقتة» إلى بعض المحافل الدولية، ووفّرت لها فرصاً لحضور اجتماعات سياسية مع ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وأتت هذه الخطوات بعدما فقدت تركيا الأمل في «الائتلاف» الذي يعاني حالة تمزّق داخلي جراء الارتباطات المتفاوتة لأعضائه مع قوى دولية مختلفة، من بينها الولايات المتحدة وقطر، التي حاولت، من جهتها، توسيع حضورها في أروقته عن طريق تأمين لقاءات لممثليه مع مسؤولين غربيين في الدوحة، وتقديم إعانات له لسدّ العجز المالي لديه.
ويبدو لافتاً في إصرار تركيا على فرض البحرة، الذي عيّن وللمرة الأولى ثلاثة نواب له، أنه يسبق عودة نشاط «اللجنة الدستورية»، الأمر الذي يمكن اعتباره محاولة تركيّة أخيرة لتوحيد المعارضة، على اعتبار أن البحرة يرأس اللجنة المشتركة المعارضة في لقاءات «الدستورية». ويراد من وراء هذه الخطوة، على ما يبدو، تقليص حجم التدخل الدولي في شؤون المعارضة السورية، وتسهيل إحكام تركيا قبضتها عليها بشكل أكبر، خصوصاً بعد وضع هيكلية جديدة أنهت تبعية المناطق السورية التي تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري لولايات تركية مختلفة، وألحقتها بوالٍ واحد لتخفيف النفقات ومنع الهدر، وأسّست لدفع «الحكومة المؤقتة» إلى الاعتماد على التمويل الذاتي أسوة بـ«هيئة تحرير الشام» التي تدير إدلب عن طريق «حكومة الإنقاذ».
وعلى الرغم من الجدل الواسع الذي أثير حول انتخابات «الائتلاف»، وما رافقه من تسريبات تكشف التحكّم المطلق التركي بالمعارضة، لا يمكن النظر إلى نتيجة ما جرى على أنه أمر مفاجئ أو غير معتاد؛ إذ ترافقت انتخابات المعارضة منذ تأسيس «المجلس الوطني» عام 2011، وتأسيس «الائتلاف» عام 2012 كمظلة أوسع، مع صراعات داخلية مستمرة بين أطرافها، سواء بسبب رغبة بعضهم في السيطرة على مفاصله، أو بسبب التبعية المختلفة لكل منهم، أو رغبة الدول المموّلة في تعزيز سطوتها عليهم. وكل ذلك أفرز في النهاية مؤسسة شكلية لا تتمتّع بأي وزن حقيقي على الأرض، في ظل السيطرة الفصائلية على المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، والتحكّم التركي المطلق بتلك المناطق، لتتحوّل هذه المؤسسة وقادتها إلى سلعة للاستهلاك الإعلامي يتلقّى أفرادها معونات ورواتب شهرية مقابل الظهور على وسائل الإعلام، أو إصدار بعض البيانات بين وقت وآخر. وتُضاف إلى ما تَقدّم، عشرات ملفات الفساد التي ضربت «الائتلاف» منذ تأسيسه، بدءاً من سلّم الرواتب وتكاليف السفر والإقامة التي دُفعت لبعض الأعضاء، وليس انتهاءً ببيع السوريين جوازات سفر - مقابل مبالغ مالية طائلة -، تبيّن لاحقاً أنها لا تتمتع بأي صفة سواء في الأوساط الدولية، أو حتى في الداخل السوري في مناطق سيطرة المعارضة نفسها، التي رفضت الاعتراف بها.
الأحبار
إضافة تعليق جديد