عودة مساعدات الأمم المتحدةإلى مناطق سيطرة الجولاني
علاء حلبي:
بعد نحو شهرين على منح دمشق رخصة تسمح في إدخال المساعدات عبر ثلاثة معابر (باب السلامة والراعي في حلب لمدة ثلاثة أشهر، وباب الهوى لمدة ستة أشهر)، وذلك إثر تعثّر التوافق في مجلس الأمن الدولي على قرار جامع نتيجة محاولة الولايات المتحدة وحلفائها استثمار هذا الملف سياسياً، وإصرار روسيا في المقابل على أن يكون القرار أكثر شمولاً وضامناً للدفع بعمليات إعادة الإعمار وهدم خريطة السيطرة الحالية وإعادة تفعيل المعابر الداخلية بين مناطق السيطرة، عادت المساعدات الإنسانية إلى التدفق عبر معبر باب الهوى. وأتى ذلك في ظلّ أنباء عن اتفاق في هذا الخصوص، توصّلت إليه الأمم المتحدة و«حكومة الإنقاذ» التابعة لـ«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، التي يقودها أبو محمد الجولاني، وتسيطر على إدلب. وحمل الاتفاق المذكور كثيراً من علامات الاستفهام، جراء التغاضي عن عدد من البنود تضمّنتها الرخصة التي منحتها دمشق، أولها استقلالية العاملين في توزيع المساعدات، وليس آخرها ضمان عدم استثمار الجماعة المصنفة على لوائح الإرهاب لملف الإغاثة الإنسانية. وفيما لم تتضّح معالم هذه النقاط على نحو دقيق، ظلّ المؤكد الوحيد استثمار الجولاني الملف المشار إليه بشتّى الطرق الممكنة، بدءاً من تشكيل مكتب خاص لإدارة عمليات التوزيع للمساعدات، وليس انتهاءً بالإتجار بها.
وفي الشهر الماضي، سرّبت مصادر إعلامية عدة، وحسابات تابعة لـ«جهاديين» منشقين عن الجولاني، مراسلات تمّت بين مسؤولي الأمم المتحدة ومكتب في إدلب حمل اسم «مكتب تنسيق العمل الإنساني لإدخال المساعدات الإنسانية»، وهو مكتب أسسته «تحرير الشام» العام الماضي، حيث أشرف بصورة غير رسمية على عمليات توزيع المساعدات، قبل أن يتولى هذه المهمة بصورة رسمية، ويغدو الجهة التي تتواصل معها المنظمات الإنسانية للحصول على موافقة الجماعة «الجهادية» على تمرير المعونات. وكانت الرخصة التي منحتها دمشق منتصف شهر آب الماضي، قد دخلت في دوّامة من النقاشات داخل أروقة الأمم المتحدة. إذ تأخّر استثمارُها لأكثر من شهر ونصف، قبل أن يزور وفد أممي «مكتب تنسيق العمل الإنساني» التابع للجولاني منتصف الشهر الفائت، عند معبر باب الهوى، ليتمّ الإعلان في وقت لاحق عن استئناف عمليات الإدخال للمساعدات عبره بعد توقّف لأكثر من شهرين، في وقت شهدت فيه عمليات إدخال الإغاثة عبر المعبرين الآخرين، باب السلامة والراعي، جهوداً خجولة تضمنت بعض القوافل الصغيرة بين وقت وآخر.
وبينما لا يعدّ استثمار «تحرير الشام» ملف المساعدات أمراً مستجداً، في ظلّ سيطرتها على إدلب ومعبر باب الهوى، تحت إشراف تركي مباشر، وما نجم عن هذه السيطرة من إحكام لقبضتها على ملف المساعدات المخصصة لإدلب (الحصة الأكبر من المساعدات المقدمة للشمال السوري)، تستبطن خطوة إنشاء مكتب خاص لتنسيق العمليات الإنسانية، استمراراً لجهود المأسسة التي بدأها الجولاني قبل نحو أربعة أعوام، وتضمنت إعادة هيكلة لقواته بإشراف تركي، وبناء هرمية واضحة لعمل حكومة «الإنقاذ» التابعة له، والتي تتحكم في معظم مفاصل الحياة في إدلب، ليُضاف تشكيل المكتب إلى هذه العمليات، ويحوّل عمل الجماعة المتطرفة من مجرّد تحكّم فصائلي إلى استثمار مؤسساتي.
وفي السياق، تشير مصادر «جهادية»، تحدثت إلى أن الجولاني تمكّن في السنوات الماضية من بناء علاقات مع قوى مختلفة، أبرزها الولايات المتحدة وفرنسا، إلى جانب علاقته المتينة بتركيا، عن طريق استثمار ملف «الجهاديين» غير السوريين، ومكافحة تنظيم «داعش».إذ قدّم الجولاني إلى واشنطن وحلفائها معلومات دقيقة مكّنتهم من تنفيذ عمليات ضدّ قياديي عدد من الجماعات، سواء زعماء من «داعش» أو قياديين في «القاعدة»، أبرزهم كوادر جماعة «خراسان» الذين تعرضوا لعملية إبادة عن طريق شن غارات دقيقة بعد تحديد مواقعهم في إدلب.
وإلى جانب العلاقات التي بناها رجل «القاعدة» السابق، ترى المصادر أن الجولاني، وعن طريق حكومته، يسعى إلى تحويل هذه العلاقات من مجرد صلات أمنية واستخباراتية إلى شبكة أوسع، تتضمن الجانبين السياسي والاقتصادي، وحتى الإنساني، مستفيداً في هذا السياق من تجربة «طالبان» التي عبّر مراراً عن إعجابه بها. ولعلّ ذلك يفسّر رفضه تمرير مساعدات أرسلتها دمشق إلى منكوبي زلزال شباط الماضي في الشمال، وإصراره على إدخالها عبر تركيا، لمنع إعادة فتح المعابر الداخلية من جهة، ومحاولة ترسيخ نفوذه على أنه «كيان مستقل» في الشمال الغربي من سوريا من جهة أخرى، وهي خطوة أدّت إلى تضرر آلاف السوريين الذين مُنعت عنهم المساعدات حينها، قبل أن تقدم دمشق رخصة وسّعت عبرها إدخال المعونة عبر الحدود لإنقاذ المتضررين.
وفي وقت يشتكي فيه مئات آلاف السوريين المحشورين في مخيمات قرب الحدود مع تركيا من عدم كفاية المساعدات التي تصلهم، أو انقطاعها لفترات زمنية طويلة في بعض الأحيان، تؤكد المصادر أن «قسماً كبيراً من المساعدات التي جرى إدخالها سابقاً، تم بيعها في أسواق موازية لمصلحة «هيئة تحرير الشام»، كما تم استخدامها في أوقات كثيرة كوسائل ضغط في يد «الهيئة»». وهي ثغرات حاولت دمشق عبر نقاشات عدة في أروقة مجلس الأمن تجنبها، عبر إيجاد آليات أكثر شفافية لإدخال المساعدات، لكنّها لم تلقَ طريقاً واضحاً لتطبيقها، في ظلّ حالة العجز التي تظهرها الأمم المتحدة من جهة، والتحكم المطلق للجماعة «الجهادية» في إدلب من جهة أخرى.
ومهّد ما تقدّم كلّه الطريق أمام الجولاني للاستمرار في استثمار ملف المساعدات، في ظلّ رضى عدد من الأطراف الدولية، على رأسها الولايات المتحدة التي عرقلت قرارات عدة تفسح المجال لتعديل آليات إدخال الإغاثة. وبالنظر إلى أن الرخصة التي قدمتها دمشق محدّدة بستة أشهر فقط، وما لم تتغير الظروف الميدانية، فمن المتوقع أن ينفتح الباب أمام صدامات سياسية جديدة في هذا الخصوص، قد تشهدها أروقة الأمم المتحدة.
الأخبار
إضافة تعليق جديد