الشمال السوريّ والتهديدات التركيّة المتجدّدة
سارعت القيادات التركية لاستغلال عملية أنقرة، وخاصةً بعد تبنّي حزب العمال الكردستاني لها، فجاءت تصريحات الرئيس التركي لتعزّز هذا التوجّه، عقب العملية، التي قال فيها: “تركيا أنشأت شريطاً أمنياً على حدود تركيا الجنوبية لحفظ أمن بلادنا، وسنضرب الإرهابيّين في عقر دارهم”، بإيحاء واضح الدلالة، على الخطوات التي تزمع فيها القيادة التركية نحو الشمال السوري.
ثم جاءت تصريحات وزير الخارجية التركي “حقان ڤيدان” أكثر وضوحاً بتهديده، فقال فيها إنّ “الإرهابيَين اللذين نفّذا تفجير أنقرة قدِما من سوريا وتلقّيا تدريبات في تركيا”، وأتبع قوله “من الآن وصاعداً، البنى التحتية ومنشآت الطاقة كافة التابعة لتنظيم (بي كي كي) الإرهابي في سوريا والعراق، أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية”.
و الواضح أن القيادات التركية تستغلّ العملية، لتحقيق أهدافها في الشمال السوري، رغم عدم امتلاكها حتى الآن، لأيّ أدلة مثبتة لقدوم المنفّذَين للعملية، من المناطق التي تسيطر عليها قسد، والتحقيقات التركية لم تكتمل بعد، ولكنّ الفرصة قد أتت لاستكمال احتلالها لمناطق الشمال السوري، واستمرار سياسات التغيير الديمغرافي، بإحلال السوريين الموالين لها، بديلاً عن العرب والكرد.
يشكّل وضع الصراع الدولي المتصاعد، فرصة من جهة لتركيا، وهي التي استطاعت ابتزاز روسيا بشكل كبير، في سوريا والقوقاز وليبيا بشكل أساسي، بحكم المكاسب الروسية المتحقّقة بالعلاقة مع تركيا، في إثر العقوبات الغربية عليها، ودورها المهم لتجاوز العقوبات، رغم الاختلاف الكبير بينهما في كل الساحات، وفرصة من جهة الولايات المتحدة وحلف الناتو، الذي يحتاجها بشدة لتطويق روسيا، وإغلاق طريق الحرير الصيني، وتهديد إيران، ممّا انعكس ارتباكاً على السياسات الأميركية في سوريا، ودعمها لقوات قسد.
على الرغم من ذلك فإن روسيا غير مستعدة الآن لإعطاء المزيد من الهدايا السورية لتركيا، فعملها على الانتهاء من الصراع في سوريا، يقتضي إجراء مصالحة بين البلدين، تنسحب من جرّائها تركيا من شمال سوريا، وهذا غير ممكن في الوقت الحالي، وإن السماح بالمزيد من احتلال الشمال السوري، سيعقّد كثيراً مسألة المصالحة، ويُكسب تركيا المزيد من أوراق القوة، في مفاوضاتها حول الانسحاب.
وقد يكون ردّ الفعل الروسي على استغلال تركيا لانتفاضة العشائر العربية، بتاريخ 4 تموز/يوليو لهذا العام، بدفع قوات “الجيش الوطني” للسيطرة على المزيد من الأراضي في منطقة منبج، أهم مؤشّر للسياسة الروسية، باستخدامها الطيران لسحق الهجوم، ووضع معادلة “لا مزيد من المُنح في سوريا”، وهذا بدوره سينعكس على الموقف الروسي، تجاه أيّ محاولات لقضم المزيد من الأراضي السورية.
لا تختلف الحسابات الأميركية كثيراً عن الحسابات الروسية، فهي تتعاطى مع الملف السوري والتركي والعراقي واللبناني، بما يخدمها بصراعها الاستراتيجي، مع القوى الآسيوية الناهضة، وتعتبر وجودها في الجزيرة السورية مسألة مصيرية لمنع نجاح مشروع محور طهران دمشق، ومشروع “مبادرة الحزام والطريق”، والمشروع الأوراسي الذي تعمل عليه روسيا، وهي بحاجة ماسة لإحداث حالة من الفصل بين تركيا وقوات قسد، مع أولوية تركيا بالبعد الاستراتيجي، وهي لن تسمح بالاجتياح التركي حالياً، طالما بقيت السياسات التركية متأرجحة بين القوى العظمى والقوى الإقليمية الكبرى، وكانت الإشارة الأولى، بإسقاط طائرة بيرقدار التركية، فوق مدينة القامشلي، التي حاولت القيام باعتداءات على قيادات ومقارّ في المدينة.
ووفقاً للمقالة فالموقف الإيراني ليس بعيداً عن رفض أي عملية جديدة في الشمال السوري، رغم العلاقات المتميّزة بين البلدين، وهذا الموقف يأخذ بعين الاعتبار، التهديدات التركية في المحيط الإقليمي لها، خاصة بعد نجاح تركيا وأذربيجان ومعهما “الموساد الإسرائيلي”، من هزيمة أرمينيا في ناغورنو كاراباخ، والضغط على أرمينيا، للسماح بفتح ممر زنغيرو تحت السيادة الأذربيجانية، بما يتيح للناتو فصل إيران عن الشمال، عدا عن تبنّيها لإقليم أربيل في العراق، الذي تحوّل إلى منصة لزعزعة الأمن القومي الإيراني، ووجود “الموساد الإسرائيلي” أيضاً، ونجاح تركيا من جديد باجتياح ما تبقّى من الشمال السوري، يشكّل المزيد من الضغوط عليها.
المُتاح الوحيد للقيادة التركية، هو الاستمرار وتفعيل عمليات الاغتيال على نطاق واسع للقيادات الكردية، مع المزيد من الانضباط ضمن الصراع الإقليمي والدولي، ريثما تتغيّر معادلات الصراع، وما يمكن أن تنتجه من اتفاقات، بحسب أوزان الدول، وما تمتلكه من أوراق قوة.
الميادين نت
إضافة تعليق جديد