«حال الدنيا» على «أو تي في» باللهجة المصرية
تقدم قناة «أو تي في» المصرية الفضائية في مساحة الوقت الإخباري المخصص «لمشاهديها»، ما تعتبره «نشرة الأخبار» الخاصة بها. وكما اعتاد كل وافد جديد أن يرغب بكسر القوالب، أسـمـت Otv مساحتها الإخبارية «حال الدنيا». وهو كعنوان، وإن كان جديداً بالفعل، فهو لا يوحي بالقيمة الخبرية المعتادة لنشرات الأخبار التقليدية المتعارف عليها في الاعلام المرئي. ولعل «الملاحظة الأكثر ملاحظة»، هي لغة الأخبار إعداداً وتحريراً وإلقـاءً وربما «فهماً». فعلى صعيد الإلقاء تقدم هذه الأخبار باللهجة المحلية المصرية دون العربية الفصحى. وإن لم تكن «او تي في» المصرية «رائدة» في هذا المجال، فقد سبقتها قناة «ال بي سي» اللبنانية خلال الحرب الأهلية ولكن في سياق مواز للمشروع السياسي الانفصالي عن بقية اللبنانيين. ومن الأمثلة على ما نقول استخدام عبارات من نوع «الأجهزة إللـيٌ أَتـْـلِـتـو»، أي قتلته، للاشارة الى الأجهزة العسكرية الإسرائيلية التي قتلت شاباً فلسطينياً «عَندو اربعة وعشرين سنة» بسبب أنه «ما استـَجابْـش» للأوامر.
ربما كنا هنا أمام محاولة لإدراج اللهجات المحلية بطابعها الـسـردي بدلاً من العربية الفصحى الجادة الرصينة والأنيقة التي تليق بخطاب وثقافة الخبر ومفرداته. لكن، وبعد التقديم أعلاه للخبر، تظهر صورة الشاب مولفة مع صور مختلفة لأحداث اليوم الرئيسية جداً والمأخوذة عن وكالات الأنباء، في حين يبدو الصوت المعلق في عدم تناغمه واتساقه مع الأحداث، وكأنه تعليق على هامش هذه الصور. بل أسوأ: تعليق غير مكترث يُقرأ من ورقة من دون حتى متابعة النظر الى الصور.
وعندما تربط فقرات وبرامج القناة مقطعياً باستخدام كلمات من نوع «بعد شويـة/النهار دة/ بكرة..» بدلاً من «بعد قليل/ اليوم/ غداً»، سنعود الى مخالفة احساسنا بأن المصريين في سبيلهم إلى التخفيف من وتيرة هذا الاستخدام. وهو شعور تكوّن عندما لاحظنا أنهم قد بدأوا يخففـون من استثنائية لفظهم للجيم مثلاً، بدءاً بالدراما التي تروج لذلك عن طريق صورة «الصعيدي» وهو «المصري الأصيل» الذي لا يلفظها إلا جيماً عربية ملونة بموسيقاها الريفيـّة إلى الصحافة المكتوبة التي بدأت تتخلص من «الوشم» الذي كانت تضعه تحت حرف الجيم، ليلفظ مصرياً، وهو على شكل ثلاث نقاط أسفل الحرف.
تعيدنا هذه الأنواع من السلوكيات اللغوية، الى ظواهر المجتمعات والثقافات المنكفئة على نفسها، والمصابة بعقد التفوق غير الصحية التي ترافق عادة أزمات الهوية أو الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. ثقافات من نوع «لبنان أولاً، مصر أولاً، الأردن أولاً..» وتذكرنا بحال «التشاوف» المصراوي القيادوي على بقية العرب، الشبيهة بظاهرة «اللـّبننة» الخرافية من حيث رؤية الجانب الحضاري الفينيقي حصراً وبشكل انتقائي من تاريخ هذه المنطقة.
ويمكن أن نفهم استخدام اللهجات المحلية، أو العربية المطعّمة بالمحلية، في البرامج والمواد الاعلامية الموجهـة الى الجمهور المحلي بالدرجة الأولى. بل ان هذا النوع من اللغة الاعلامية يغدو ثميناً وقيماً في أزمنة لاحقة عندما تتم دراسة تاريخ مرحلة ما وحراك الجماهير فيها دراسة تاريخية وفق سياقات خطاباتها. وذلك من حيث أن هذه اللغة، إن سمح بتسميتها لغة، تتميز بسلاسة طرح الأفكار والنقاش عند مستخدميها. أو بمعنى آخر سهولة التعبير والسرعة بالنفاذ والاستيعاب إلى متلقيها. لكن الأمر يختلف في نشرات الأخبار الرئيسية من حيث إحاطتها بأحداث تتعلق بالعالم العربي ككل، ومن حيث إنها من عوامل رفع سويـّة التوعية والرزانة الفكرية عند المشاهدين. ولا يمكن إغفال حقيقة وواقع أن نشرة الأخبار بالدرجة الأولى، هي الحامل الأساسي لهوية المحطة التلفزيونية الفكرية والثقافية والسياسية. والإقرار بأن هذا الزمن بات يفرض علينا فيه المزاج الإعلامي الشعبي، نوعاً من الخجل اللغوي، بات واضحاً في خطاب الاعلانات والترويج وبعض الصحافة. ولكن كيف وصل المزاج بالشعب الى هذه الدرجة؟ فهذه قصة اخرى. وفي النهاية لم يبق إلا أن نختم على طريقة «أو تي في» في نهاية نشرتها «وبـْكـِدة تكون خلصت مقالتنا».
حسان عمر القالش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد