أوروبا تريد حواراً مع سوريا واستقراراً في لبنان
تنبع «رؤية السلام» الأوروبيَّة للمنطقة من مبدأ دمج إحداثيات الساحات الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية واللبنانية والسورية والإيرانية في قالب واحد ينتج من التعامل السلمي والحوار في إطاره «باقة حلول» بعيدة المنال، ومن هنا يُستخلص تعقيدها.
«الولايات المتحدة ترى العالم خطراً بينما يراه الاتحاد الأوروبي معقّداً»، عبارة يصف بها الباحث في «المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية»، سفين بيسكوب، الاختلاف بين مقاربتي عملاقي الأطلسي لأحوال جيوسياسية العلاقات الكونية. ولعل تأكيد مؤسسات الاتحاد مجتمعة (مجلس النواب والمفوضية ومجلس السياسات الخارجية) على ضرورة الالتزام بإرادة شعب، أي بلد متأزّم سياسياً، عند بلورة أي برنامج أو توصيات حلول، توضح أن القوة ليست المخرج الأخير.
وعلى الرغم من اعتبار دمشق المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري «أمراً لا يعنيها»، يقتصر تعليق المسؤولين في الاتحاد الأوروبي على تصوير الموقف السوري بأنه «يتقدّم إيجاباً». ويشددون على «ضرورة الحوار مع نظام الرئيس بشار الأسد مع مباركة للمحكمة أو من دونها»، بحسب مصدر رفيع المستوى في مكتب شؤون الشرق الأوسط في الاتحاد.
العدالة أساسية للأوروبيين، لكن عند الحديث عن لبنان وسوريا يطرأ الاستقرار عاملاً محورياً في تحديد العلاقة. ويبدو أن هذا التوجه المبنيّ على قاعدة «الخيار السيئ مكان الأسوأ»، هو السلاح الذي يعتمده الاتحاد في التعاطي مع «العزلة» التي يتضح أن النظام السوري يخرج منها تدريجياً، مع الزيارات الأميركية والأوروبية لدمشق في الآونة الأخيرة.
لكن ماذا عن «الديموقراطية في سوريا»؟ ترى العضو في مجلس النواب الأوروبي البلجيكية المنتمية للتكتل الاشتراكي، فيرونيك دوكايزر، التي زارت لبنان في الآونة الأخيرة، النظام السوري «قوياً ـــــ ضعيفاً في بنيته الداخلية»، ويجب العمل على تحوير سكّته نحو «حريّة التعبير السياسي من دون إطاحته».
وفي لقاء مع صحافيين لبنانيين في مبني البرلمان الأوروبي في بروكسل، أعربت دوكايزر عن دعم البرلمان الأوروبي، بطيفيه اليميني والاشتراكي، للمعارضة السورية في إطار تطبيق حقوق الإنسان، والسعي إلى عدم مواجهة «لا مبالاة سوريا» لنداءات التعاطي الحقوقي مع سجناء الرأي، مثلما حدث مع الناشطين كمال اللبواني وميشيل كيلو قبل الاستفتاء على رئاسة الأسد الشهر الماضي.
ويتّضح أن نيات الاتحاد تجاه سوريا هي «من أجل الحوار فقط» مهما يكن موقفها من المحكمة، لأن مفوضيته في دمشق «مهمة جداً من أجل مشروعنا الإقليمي»، على حد تعبير دوكايزر، وهو موقف يعبر عن توجهات مجلس النواب الأوروبي بكامله، رغم تبنّي الأعضاء المنتمين لأحزاب أوروبا اليمينية دعم جهود اللجنة «الرباعية الدولية»، فيما تنصبّ جهود الأعضاء اليساريين فيه على المضي قدماً في «مبادرة السلام العربية» التي أقرّتها قمّة بيروت.
وفي هذا السياق، وإن خارج أروقة الاتحاد ولكن في بروكسل نفسها، يوضح التقرير الأخير بشأن لبنان الذي أصدرته «مجموعة الأزمات الدولية»، أنّ المضي بالمحكمة الدولية هو «الأسوأ»، على قاعدة تداعياته على الانقسام بين اللبنانيين وإصرار النظام في دمشق على رفض التعاون في إطاره، واستعداده لـ «فعل أيّ شيء لمقارعته».
ويمثّل تقويم وضع لبنان وكيفية معالجته تحدياً للقادة في الاتحاد الأوروبي. فالعلاقة مع بلاد الأرز تخطّ معالمها أهميّة دول الجوار بالنسبة للقارّة العجوز، وهو ما يدفع باتّجاه السعي للحل عبر الوسائل التي تضمن المصالح المشتركة.
هل الاتحاد الأوروبي «جمعية خيرية لبلدان الأزمات» ومنها لبنان؟ يجيب أحد المسؤولين من المفوضية الأوروبية، رداً على سؤال لـ «الأخبار»، بالقول «طبعاً كلّا، وإن ظهر على شاكلة داعية سلام عظيم يحرّض على تفكيك المعضلات بالأدوات السلمية، والتعاطي طويل الأمد مع الأزمات في الشرق الأوسط. فقد ظهر الصرح الأوروبي بعد التسوية المتعلقة بالدستور التي أقرتها قمته في بروكسل الأسبوع الماضي، قادراً على تخطّي أزماته الداخلية النائمة من خلال الانحراف الإيجابي، وبدا جاهزاً لاستكمال إيلائه مصالحه في الجوار أهمية تستحقها».
«الاتحاد الأوروبي يبيع الكلام فقط. هو أعمى وأطرش ولا يملك أي استراتيجية أو إرادة لحل الأمور في الشرق الأوسط». يبدو هذا التعليق، الذي أطلقه مندوب صحيفة «لي تمبس» السويسرية الدائم في بروكسل والخبير في شؤون الشرق الأوسط ريتشارد ويرلي، محبطاً لمن يرغب في سماع كلام يقوّم فعلياً المساعي التي يبذلها نادي الـ 27 لترتيب موطئ قدمه في المنطقة.
حديث ويرلي القاسي جاء خلال لقاءٍ نظمه «مركز الصحافة الأوروبية» في العاصمة البلجيكية، وكان وقعه صاعقاً على دوكايزر التي شاركت فيه، ووصفت عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي بشرعية حكومة حركة «حماس» بعد الانتخابات التشريعية في عام 2005 بأنّه نوع من «الجنون أو عدم التفهّم أو الخوف»، وذلك في إطار تسليط الضوء على حجم المسؤولية الواقعة على عاتق الاتحاد في تطورات الأراضي الفلسطينية وسيطرة «حماس» على قطاع غزة.
فهل مشكلة الاتحاد تكمن في كيفية التعاطي مع الإسلام السياسي وقدسية مجاراة الرؤية الأميركية لإعادة صوغ مجتمعات المنطقة على «طريق الديموقراطيَة» في إطار الشرق الأوسط الكبير؟
الواضح أن الاتحاد الأوروبي قوّة دولية رؤيتها للصراعات الكونية مختلفة عن السائد، الذي تمارسه الدول العظمى، وحتى تلك المنضوية داخل إطار الباقة الأوروبية، إلا أن طروحاته حتى الآن تطمح إلى عالم مواز، تكون لمواطنيه الـ 290 مليوناً مدن آمنة لا تعكّر صفاءها «مشكلات الجوار»، الذي يسعى لتحسينه من خلال «التنسيق المشترك للطروحات لا فرضها».
الواضح أن الاتحاد الأوروبي قوّة دولية رؤيتها للصراعات الكونية مختلفة عن السائد، الذي تمارسه الدول العظمى، وحتى تلك المنضوية داخل إطار الباقة الأوروبية، إلا أن طروحاته حتى الآن تطمح لعالم مواز، تكون لمواطنيه الـ 290 مليوناً مدن آمنة لا تعكّر صفاءها «مشكلات الجوار»، الذي يسعى لتحسينه من خلال «التنسيق المشترك للطروحات لا فرضها».
حسن شقراني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد