اقتراحات أمريكية مهمة لتحسين العلاقات مع سورية
الجمل: نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية تقريراً حمل عنوان (تحسين علاقات الولايات المتحدة وسورية: بعض البدايات الممكنة)، أعد التقرير الدكتور أنطوني كورديسمان، الخبير الاستراتيجي الأمريكي المرموق، وأستاذ كرسي أورليه إيه يوركه في الدراسات والعلوم الاستراتيجية.
أشار أنطوني كورديسمان إلى أن هذا التقرير يشكل الثمرة الأولى لزيارته التي قام بها مؤخراً إلى سورية برفقة زميلاه في المركز: جون الترمان، وتوماس ساندرسون.
أورد كورديسمان العديد من الملاحظات في بداية تقريره، من أبرزها:
- لقد سمع الأمريكيون من إدارة بوش الكثير والكثير عن سورية.
- سمعت من السوريين أن إدارة بوش ليست مهتمة بالحوار مع سورية، وبالتالي فإن أي تقدم في العلاقات السورية- الأمريكية، غير متوقع حدوثه إلا بعد مغادرة إدارة بوش.
- تفاجأت بأن السوريين يمثلون واحداً من اكثر مجتمعات الشرق الأوسط علمانية وحداثة، فهم متعلمون جيداً، وودودون، وليسوا معادين لأمريكا بالمعنى الواسع للكلمة، والذين تحدثت معهم كانوا يتميزون بالبراغماتية والمرونة في وجهات نظرهم، وبخلاف مجتمعات وشعوب المنطقة الأخرى المتعصبة مذهبياً، فإن السوريين يتميزون بسهولة التحدث وإقامة الحوار الحقيقي معهم.
- تفاجأت أيضاً بوجود العديد من المجالات التي يمكن أن تكون فيها المصلحة المشتركة لكل من سورية والولايات المتحدة، والتي قد لا تتطلب حدوث (اختراق) في العلاقات لكي يتم تحريكها، ولا حتى الانتظار حتى قدوم الإدارة الأمريكية القادمة الجديدة لكي تقوم بتحريك هذه المصالح المشتركة.
- إن الانتظار وتأجيل تحسين العلاقات السورية- الأمريكية، ريثما تأتي الإدارة الأمريكية الجديدة، هو أمر سوف يستغرق عامين على الأقل، وهذا في حد ذاته ليس في مصلحة البلدين.
يقول الخبير كورديسمان بأن أبرز الاقتراحات الممكنة من وجهة نظره، لتحسين العلاقات السورية- الأمريكية تتمثل في الآتي:
• تجاهل الاختراقات الرسمية والتركيز على الخطوات العملية:
يقول كورديسمان بأن استدعاء وتذكر الماضي في منطقة الشرق الأوسط، معناه تكرار الأخطاء. ويضيف قائلاً: إن علاقات سورية والولايات المتحدة تواجه المصاعب، وأصبحت تعكس الفروق والخلافات الحقيقية. والمشاكل والصعوبات ليست ثمرة لسوء التواصل، فأي من الطرفين لن يقوم فجأة بتغيير سياساته الحالية ورؤيته لمصالحه الوطنية. وبرأي كورديسمان ان كل واحد من الطرفين قد ارتكب أخطاء كافية في العلاقات مع الآخر، وفي ممارساته في المنطقة، وبالتالي فإن التركيز على الأخطاء يمكن أن يؤدي إلى محاولة كل طرف تجريم الآخر وتحميله الإثم.
لن يقوم أي طرف بتقديم أي تنازلات هامة للطرف الآخر أو يضحي من أجله بأولوياته ووجهات نظره حول مصالحه الوطنية، والضغوط الحالية على كل من الولايات المتحدة وسورية سوف لن تدفع أي من الطرفين للبحث من أجل إيجاد أسلوب دراماتيكي جديد لهيكلة علاقاتها أو لتقديم التنازلات للطرف الآخر. ومع ذلك فإن بناء الثقة المتبادلة من الممكن أن يحسن العلاقات، وهناك سبل وطرق ممكنة لتقفي وتتبع تحقيق المصلحة المشتركة بمرور الوقت والزمن.
يقول كورديسمان، وباختصار: بدلاً من تتبع الطرق غير العملية، فإنه –من الممكن- استكشاف المجالات التي يعمل ضمنها كل طرف بشكل متواز مع الطرف الآخر، وبالوسائل والأساليب التي تخدم مصالحهما دون تقديم التنازلات لبعضهما البعض عن طريق العمل من جانب واحد، واستكشاف الخيارات عبر دبلوماسية المسار الثاني، والتحدث في قضية واحدة في الوقت المحدد. والقبول بحقيقة أن كلا البلدين سوف يعمل في الاتجاهات التي يعارضها الآخر ولا يقوم بوضع شروط مسبقة تتطلب تغييراً مستحيلاً في السياسة.
• مرتفعات الجولان:
تمثل واحداً من المجالات الهامة التي لا تتطلب أي إجراء رسمي على الجانب الأمريكي، وبكل بساطة تعزز الخطوات التي اتخذتها بالأساس القيادة السورية. فالتعبير السوري الواضح عن الرغبة في إقامة سلام حقيقي مع إسرائيل مقابل إعادة مرتفعات الجولان هو أمر لا يتطلب تقديم التنازلات بين سورية وأمريكا، وكل ما يتطلبه ذلك بين سورية وأمريكا هو الصبر، الاستمرارية، الشفافية، والمرونة.
لسورية وإسرائيل خلافات أكبر بقدر كبير مما هو بين سورية والولايات المتحدة، فإسرائيل تنظر إلى سورية باعتبارها تهديد مستمر وعامل رئيسي في حربها مع حزب الله في الصيف الماضي. وسورية تنظر إلى إسرائيل كدولة محتلة لها حكومة ضعيفة ومنقسمة، وإلى حد ما غير راغبة في المحادثات بسبب الضغوط من إدارة بوش. وسوف يمضي زمن طويل بالنسبة لإسرائيل لكي تتجاوب وتستجيب لأي مبادرات سورية في هذا المجال.
تحتاج سورية للتقدم والاستقرار الاقتصادي أكثر من احتياجها للخطر الأجنبي، وقد اتخذت الخطوات الأولى الضرورية باتجاه التطور والتحرير الاقتصادي ولكنها لن تستطيع تحقيق النجاح مع مستوى النفقات العسكرية الحالي باعتبارها مجتمعا نصف عسكري، وبإمكانها أن تستفز وتثير إسرائيل، وبرغم ذلك، فلا شيء أسوأ للبلدين من الصراع الذي يمكن أن يتصاعد إلى مرحلة القتال الخطير.
يقول كورديسمان بأن السوريين يشعرون بأن خطط السلام التي وضعتها وطورتها إدارة كلنتون تضمنت 90% من الحل، ويلومون رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت على فشل المبادرة، أما الإسرائيليون والأمريكيون فيلومون سورية على ذلك.
يشير كورديسمان إلى أنه بإمكان سورية أن تحقق مكسباً كبيراً عن طريق شرح وتفسير الجوانب التي لم توافق عليها في الاتفاقية السابقة، ويقول أيضاً: إن المفكرين السوريين يمكن أن يقوموا بالمهمة على النحو الذي لا يترتب عليه أي التزامات على الحكومة، ولكنه يوضح للإسرائيليين والولايات المتحدة على وجه التحديد ما هي اهتمامات ووجهات نظر السوريين، وسوف يكون ذلك مفيداً أيضاً في إضفاء المرونة على عملية –الحوار والتفاوض- فمزارع شبعا ليست لها أي قيمة استراتيجية أو تاريخية، وحقوق المياه سوف تظل أمراً هاماً طالما أن الإسرائيليين يضعون المياه تحت سيطرتهم، ويواجه السوريون مشاكل خطيرة في استخدامها.
يقول كورديسمان: إن سورية يمكنها أيضاً من جانب أحادي، أو ثنائي، أن تتفاوض حول إجراءات بناء الثقة ضمن الحد الأدنى مع إسرائيل. كذلك يتحدث كورديسمان عن مدى انزعاجه من سماع السوريين يتحدثون عن التدريبات الإسرائيلية العسكرية في الجولان، وانزعاجه أيضاً من سماع الإسرائيليين وهم يتحدثون عن الحشود السورية في الجولان ومشتريات الأسلحة المتطورة.. ويقول كورديسمان بأن الإسرائيليين أخذوا وقتاً كافياً لفهم وإدراك أنهم لن يستطيعوا الاستفادة من أي أراض سورية جديدة، يحصلون عليها بالحرب، ويشير إلى أنه بإمكان سورية أن تجعل الوضع سيئاً للغاية بالنسبة لإسرائيل.
• التركيز على التنمية الاقتصادية العلمانية:
ليس بإمكان الولايات المتحدة القيام بأي خطوات عملية لتغيير النظام في سورية، وسورية سوف لن تقدم لها أي تنازلات في هذا المجال، وهناك –مع ذلك- مجالات يمكن لسورية أن ترسل حولها الإشارات الهامة للولايات المتحدة، وأن عملية تطوير النظام مستمرة وأن الحكومة تقوم باتخاذ الخطوات الضرورية الهامة لخدمة شعبها.
لسورية كل الأسباب الممكنة لمتابعة الإصلاح والتحديث الاقتصادي، ومثلما حدث في الصين والدول الآسيوية الأخرى، فمن السهولة بمكان الانتظار من أجل التطور السياسي طالما أن الشعب ينتفع من الإصلاحات الاقتصادية. كذلك يشير كورديسمان إلى أنه لا فائدة من الاخوان المسلمين وأنشطة التطرف الإسلامي، وإنما الفائدة تتمثل في رفع مستوى المعيشة، والتوظيف، وإتاحة الفرص.
• الحرب ضد الإرهاب في مصلحة سورية:
إن سورية والولايات المتحدة سوف لن تتفقان حول تعريف وتحديد الإرهاب على المدى القريب، وعلى وجه الخصوص بالإشارة إلى أنشطة حماس وحزب الله. وقد قال العديد من السوريين، وبوضوح، انهم ينظرون إلى المتطرفين الإسلاميين السنة باعتبارهم يشكلون خطراً وتهديداً كبيراً لسورية سواء في سورية، أو العراق، أو لبنان.. والإجراءات السورية المتشددة ضد هؤلاء المتطرفين هي في مصلحة سورية، وهو أمر يتوازى بشكل مباشر مع مصلحة الولايات المتحدة، وبالتالي فالتعاون المحدود وتبادل المعلومات يمكن أن يكون ممكناً، برغم أن التعاون الأكبر ليس بالإمكان، والإجراءات من طرف واحد بواسطة سورية، خدمة لمصالحها سوف ترسى وتضع أساس وسياق العمل من أجل تسهيل العلاقات الأمريكية- السورية.
• الأمن الداخلي بالمعنى العام الواسع:
الجهود السورية لمحاربة الإرهاب لا تحتاج إلى الارتباط بالضوابط الأمنية الواسعة، وإحدى المشاكل المتفشية في العالم العربي على النحو الذي يمضي ضد مصلحة النظامين وشعبهما تتمثل في فرض الضوابط والقيود المكثفة المتشددة ضد الشخصيات والمنظمات غير الحكومية التي تتحدث عن ا لإصلاح، والتقدم الاقتصادي، وضد الفساد.
• العراق:
يقول كورديسمان: إن هناك فهماً وإدراكاً متزايداً بأن سورية تلعب دوراً سلبياً في العراق، عن طريق تشجيع عمليات التمرد، وإرسال المسلحين إلى العراق.
ويضيف قائلاً: إن ما يحدث في العراق حالياً أصبح يهدد سورية بتفشي التطرف الإسلامي وموجات تدفقات اللاجئين الهائلة، إضافة إلى اضطراب الحدود. ويقول كورديسمان: إن السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية قد حدد بصراحة ووضوح أن مصلحة سورية تتمثل في وحدة العراق، ووجود حكومة عراقية مركزية قوية، وجيش قادر وقوات شرطة وأمن قادرة أيضاً، إضافة إلى التمسك بعروبة وإسلامية العراق.
ويقول كورديسمان: إن سورية ليست مهتمة بأي قضية أو مسألة شيعية في العراق، بالقدر الذي تهتم به إيران، بل هي فقط لا تريد الاضطراب وعدم الاستقرار والحرب الأهلية على حدودها.
إن المبادرات السورية الأقوى من أجل دعم العراق في تحقيق المصالحة الوطنية، والقضاء على التمرد سوف تعمل جميعها في مصلحة سورية، وسوف تؤدي لإرساء أرضية العمل المشترك لتحسين العلاقات السورية- الأمريكية.
• إيران:
السوريون يقللون من شأن خطر الأنشطة النووية الإيرانية، ولكنهم يعترفون بأن المصالح السورية والإيرانية تختلف في العراق ولبنان، كذلك فإن قيام السوريين بوضع القيود على تعاملهم مع إيران سوف يخدم تحسين العلاقات.
كذلك فإن قيام الولايات المتحدة بانسحاب جزئي من العراق سوف يخدم مصلحة السوريين، وسوف يساعد على تحسين العلاقات.
• الفلسطينيون وحماس:
على غرار الأمريكيين، وبقية العالم، فقد عبر السوريون عن اهتمامهم العميق بالانقسام بين الفلسطينيين، وثمة ملاحظة واحدة أوردها العديد من السوريين، تتمثل في أن بعض الأصوات داخل حماس قد طالبت بإقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967م وهي إشارة غير مباشرة إلى أنه بإمكانهم التعايش مع إسرائيل.
• لبنان:
يقول السوريون بأنه ليس لديهم النية والقصد لإرسال القوات السورية مرة أخرى إلى لبنان. ويرى معظم السوريين بأن سحب القوات السورية من لبنان قد ساعد كثيراً في تحرير الاقتصاد والتنمية الاقتصادية، وذلك لأن بقاء القوات السورية في لبنان سوف لن يجلب سوى الفساد الاقتصادي والخلافات.
أشار الرئيس السوري إلى أن سورية تعترف باستقلال لبنان، وأنه قد ذهب إلى لبنان وقام بتحية العلم اللبناني، وأنه من الممكن تبادل السفارات بين سورية ولبنان إذا لم يكن النظام اللبناني معادياً.
الولايات المتحدة وسورية، لن تتفقا في السياسة حول لبنان –وخصوصاً- في هذا الوقت بالذات، ولن يحدث أي تغيير فجائي في مسألة قانون محاسبة سورية، وتحقيق الأمم المتحدة سوف يمضي قدماً، والسياسات اللبنانية سوف تستمر في انقسامها، والمشاكل الطائفية والإثنية سوف تظل، وحزب الله لن يقوم فجأة بالخروج أو التحول إلى حزب آخر.
ويرى كروديسمان بأن التأكيد على اعتراف سورية باستقلال لبنان، وبعدم دعم الجماعات السنية المتطرفة المرتبطة بالقاعدة فلسطينية كانت أو لبنانية سوف تمثل رسالة وإشارة إيجابية لتحسين العلاقات الأمريكية- السورية.
• الولايات المتحدة:
يقول كورديسمان بأن النقاط السابقة ركزت على ما يمكن أن تقوم به سورية من أجل تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولكن بالنسبة لما يجب أن تقوم به الولايات المتحدة من أجل تحسين علاقاتها مع سورية، فيتمثل بنظر كورديسمان في الآتي:
- أن تقوم الولايات المتحدة بالتجاوب الإيجابي مقابل كل خطوة إيجابية تقوم بها سورية، ولا يعني ذلك بالضرورة تقديم التنازلات، وإنما القيام بالخطوات الإيجابية من أجل خدمة المصالح.
- إن عدم وجود سفير أمريكي في سورية، وعدم التعامل مع البعثة الدبلوماسية السورية في أمريكا هي أمور لا معنى لها، وإذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بتحسين علاقاتها مع سورية، فمن الضروري أن تكون لها بعثة دبلوماسية قوية في سورية.
- إن قيام الإدارة الأمريكية بإرسال مبعوثيها إلى دمشق، وعدم الاستماع لوجهات نظر السوريين، هي أمور تؤدي إلى دفع السوريين إلى القيام بما لا تريده أمريكا.
- ليس للولايات المتحدة أي مصلحة في قائمة الاتهامات التي أدرجتها ضد سورية، ولا يوجد أي بلد في العالم تستطيع الولايات المتحدة تحقيق مصالحها فيه بالوسائل الدبلوماسية مثل سورية.
- على الولايات المتحدة عدم المجاهرة باستهداف النظام في سورية لأنه بالأساس ليس لأمريكا أي مصلحة في ذلك.
يتحدث كورديسمان في نهاية تقريره عن وجود الكثير من الجوانب العملية التي يمكن تحسينها في العلاقات الأمريكية- السورية، بما يخدم مصلحة البلدين، ومن أمثلتها زيادة المبادلات التعليمية والثقافية والخدمات الطبية والعلاجية، ومنح تأشيرات السفر، وأيضاً التعاون في مكافحة الإرهاب.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد