السوري والسيارة : اشتهى الدجاجة فأكلها بريشها
الجمل ـ تحقيق ـ حسان عمر القالش : افـرح أيها السوري, ها هو حلمك باقتناء سيارة قد تحقق.." يالله..عيش بهذه النعمة"..أغلب الظن أن هذا هو لسان حال حكومتنا وفريقها الاقتصادي هذه الأيام, وباللسان العاميّ وليس بالعربية السليمة مثلها.
فلم يعد الأمر وقفا على الملاحظة, الفطنة أوالنباهة, بأن السيارات التي كانت مالئة دنيا رغبات المواطن وشاغلة باله في زمن ليس بعيد على الاطلاق قد ملئت شوارع وأرصفة المدن والأرياف, وصارت اليوم كـ"النمل" أو كما يقال بالعامية "مثل الكشك..ومثل الرز" لكثرة, أو بالأصح, لـ"فيضان" وجودها وتوافرها.
وصار كثير من الناس في دلال وحيرة أمام هذه الوفـرة. فحازم الذي يستحق كآلاف مثله أن يقتني سيارة, هو المتعلم الجامعي والطموح في عمله الخاص الذي يأمل منه الكثير. قال لصديقه: "خلص. صار بدها سيارة, لكن أي نوع أشتري؟" . سؤاله هذا يحمل في طياته ونبرته "سهولة كلامية" في الحديث عن "نيـّته" شراء سيارة, الأمر الذي كان أقرب الى المستحيل قبل أعوام, وهذا الاستسهال لـ"قيمة" السيارة في بلادنا صار رائجا جدا. والنتيجة أنه والحمد لله, والشكر لكرم الحكومة وتجار السيارت "لم يعد هناك بيت من دون سيارة" كما يقول الجميع هذه الأيام.
لكن مهلا, هل مانراه في شوارعنا, وما نشتريه بأسعار جيدة "نسبيا" هي "سيارات" حقا؟ بمعنى الكلمة و"التصنيع" ؟ وهل تستحق قيمتها المادية مقابل ما هي عليه؟ لقد انزرع هذا "الشـك" في عقل وحيد عندما ذهب بسيارته الجيب "الكوريـّة" الجديدة, والتي لم يمض على شرائه لها أشهرا ثمانية, الى ورشة الصيانة في وكالتها التي اشتراها منها شاملة "الكفالة" المجانية. فقد استيقظ ذات صباح ليجد بأنها تصدر أصواتا غريبة! استبقاها فنيـّوا الورشة عندهم "أياما" قليلة جرى فيها فحصها كمبيوتريـّا, واذ بهم يتفاجؤون بعطل لم يسمعوا به أو يتدربوا عليه, عطل غريب, حتى المهندس المسؤول هناك عجز عن فك أحجيته! فأمر بـ"فرط المحرك" وتبديل كل القطع التي تحيط بمنطقة العطل بقطع جديدة... عادت الحياة الى السيارة لتعمل بشكل سليم, وادعـى المهندس أنه أرسل "تقريرا" بالعطل الى الشركة الأم في "كوريا". أما وحيد فقد عافت نفسه هذه السيارة خصوصا وأنهم لم يبدلوها بأخرى جديدة في الوكالة حسب ماكان يظن ويسمع بحدوث ذلك في غير بلدان, فالأعراف التجارية تختلف باختلاف الأعراق المستهلكة.
ماحصل لسيارة وحيد يسمى "عيب في التصنيع" أو "عيب من المنشأ", وحسب أعراف الصناعة والتجارة الدولية تسمى هذه الأنواع من المنتجات : "ستوك" والبضاعة الستوك هي : كميات من المنتجات الصناعية تعرضت أثناء عملية التصنيع ولأسباب تقنية الى "انخفاض" في معايير جودتها ومواصفاتها, أي عيب, لا يظهر بالعين المجردة, وتختلف شدة أو درجة خطورة العيب باختلاف نوع المنتج الصناعي ( مواد غذائية, منسوجات, آليات خفيفة وثقيلة). وكما يشاع, تباع هذه الأنواع من البضائع بأسعار زهيدة وبـ"الجملة" الى تجار من دول العالم الثالث, والتي نحن منها.
تمشي في شوارع دمشق وريفها مثلا, فتتـفاجأ من كثرة أنواع سيارت نقل البضاع الصغيرة "الهوندايات" المصنوعة في الصين, تعددت أسماء هذه السيارات والمنتج واحد, وتلاحظ بأن سيارات صينية حديثة قد صنعت وطرحت في الأسواق السورية بنفس تصميم وشكل سيارات وموديلات يابانية مشهورة (تويوتا كورولا, ميتسوبيشي لانسر,..), أي أنها "تقلّدها" حرفيا عدا الاسم, وخـذ وتفـرّج على اقبال السوريين عليها, "ما عم يلحقوا بيع" كما يقول الناس !!
أحد الخبراء بالتخليص الجمركي قال لنا بأنه توجد معامل سيارت في الصين يصنّع كل منها نفس السيارة لكن بأسماء تجارية مختلفة ارضاءا للتجار المختلفين, ولغايات ترويجية وتسويقية, والأهم لأسباب "التفافيـّة" على قوانين وأنظمة استيراد السيارات عندنا, بل يذهب البعض للقول بأن بعض أنواع السيارت الصينية " تصنّع خصيصا لسوريا" ويدرس تصميمها وشكلها فقط, ليناسب "عقلية" المواطن السوري و"تصوره" عن السيارات, والأهم "القدرة والقوة الشرائية" لهذا المواطن, المستهدف دراسيا هنا.
يعود وحيد آخر من جديد الى وكالة سيارته "الكورية" الحديثة والأوتوماتيك, والتي تعاني من عطل في " دوّاسة البنزين" يجعلها لا تنتقل من حركة سرعة أعلى الى سرعة أدنى أتوماتيكيا, وبعد أن انتهى موظف الورشة من عمل "الفيش والتشبيه" للسيارة على حاسوب الشركة – الوكالة, اكتشف بأنها غير مداومة على الفحص الدوري كل 5000 كم وبذلك تكون مخالفة لشروط عقد الكفالة المجانية لذا فالتصليح سيكون على نفقة صاحبها, وقيل له بأن العطل هو من "الحسّاس" الذي ينقل السرعات. تفاجأ وحيد من هذا العطل الغريب, كيف لسيارة حديثة لم تتجاوز السنة من عمرها في الطرقات أن يتعطل فيها هذا الجهاز الحساس بهذه السرعة؟ واذا لم يكن السبب هو سـوء قيادة السيارة كما قالوا له, انما " مجرد عطل" فكيف سيقتنع صديقنا بأن سيارته ليست "ستوك"؟!! خاصة عندما سألهم هل يكفلون "الحسّاس" الجديد فقالوا لا.. فهل لجأ وحيد الى القانون ورفع قضية على أصحاب الشركة؟..لم يـرق له سؤالنا هذا, والظاهر أنه بالفعل ليس عندنا "ثقافة المقاضاة".
يخبرنا مازن, وهو من أمهر ميكانيكيي السيارات في دمشق, بأن "دفعة" سيارت من أحد الأنواع الكوريّة قد دخلت البلد وفيها مشاكل وأعطال, كانت الشركة المصنّعة تريد اتلافها فقام بشرائها أحد التجار السوريين بسعر بخس ليبيعها هنا بحسب سعرها المتعارف عليه بالنسبة لنفس السيارة من النوعية السليمة والنظيفة. وتابع بأن "الأمور تختلف بين تاجر وآخر" وأعطى مثال عن فلان وغيره من التجار "يستوردون نفس السيارة لكن من النوعية النظيفة" . وكان مثيرا تحفظ مازن على أسماء مستوردي السيارات غير النظيفة !!
اذا كان هذا مايدور حول السيارات الكورية, فعلينا أن "ندوس ع الصاجة" كما يقول السائقون المتهورون, أي أن "نفتح لها" و نتوسع بموضوع السيارات الصينيّة. فزيارة صغيرة عبر الانترنت الى موقع " فنـّات . كوم" المتخصص بعالم السيارات, سنجد فيها مقالا بعنوان صادم ولافت: " السيارات الصينية...توابيت معدنية" وفيه سؤال :"..ما مدى الأمان في السيارات الصينية الصنع؟" ونقرأ بعضاً من الجواب :" لمعرفة الجواب قامت منظمة ضبط السيارات الألمانية ADAC, بعمل اختبار تصادم على ذروة السيارات الصينية بريليانس BS6, التي تأمل شركتها أن تقوم بتسويقها في أوروبا(...) فتم اجراء تصادم أمامي وجانبي للسيارة بسرعة 64 كم- سا, فكانت النتيجة سلبية جداً, لا بل كـارثـيـة (...) حيث تم تسجيل دخول العمود الأول للسيارة "الشمعة" الى المقصورة بشكل خطير, والمفاجئ أيضا هو انحراف المقود جانباً ! الأمر الذي قد يجعل من كيس الهواء بلا منفعة!.." وفي ختام المقال كان سؤالان: " كيف يسمح لهكذا سيارات بالدخول الى سوقنا؟ والى هذا الحـد تسترخص الروح الانسانية ؟"..
والتجربة المحكي عنها في المقال السابق الذكر قد تمت على "ذروة" الصناعة الصينية, فهل لنا مثلا أن نشطح في الخيال, والذي لم يعد خيالا بل مجرد مشاهد مرويـّة عن الناس, ونتصور كيف سيكون حال بقية السيارات الصينية "الشعبية جدا" والتي نراها محملة بالأطفال والنساء الى جانب مناقل الفحم وأكياس الطعام, في طريقها الى الغوطة أو ساحة الجندي المجهول..في سيارين أيام الجمع والعطل وما أكثرها.
وفي موقع شبكة الصين china.org.cn, وجدنا السؤال تالي :" لماذا تلقى السيارات الصينية ترحيبا في سورية؟ " والذي أجاب عليه أحد الدبلوماسيين في الملحقية التجارية بسفارة الصين لدى سوريا : " السبب الرئيسي هو أسعارها الرخيصة.. السيارات الفاخرة والمتوسطة الدرجة بسورية تستورد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية واليابان رئيسيا، وتأتي السيارات المتوسطة والمنخفضة الدرجة من كوريا الجنوبية وإيران وروسيا ورومانيا. 75% من المستهلكين السوريين من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض، وتفوق الأسعار للسيارات الصينية ذو جـاذبـيـة كبيرة لهم". ولا ينكر صديقنا "بان مستوى ونوعية السيارات الصينية تحتاج مزيدا من الرفع.." وبأن " نسبة إعادة الإصلاح للسيارات الصينية لا تزال مرتفعة نسبيا، خاصة في مواصفات المحركات التي لا تزال ضعيفة نوع ما في متانتها.." ويختم كلامه بالقول " أن اختيار وكيل قوي وذي خبرة مهم جدا".
وبالعودة الى الشارع والمجتمع, نقتبس من مجلة الاقتصاد والنقل : " يعترف وكلاء السيارات اليابانية أن "الفورة" التي شهدتها الأسواق في شراء السيارات بسبب التخفيض الجمركي أدت لمحاولة مختلف المواطنين بتحقيق "حلم السيارة" بأي آلية تسمى سيارة. وهو ماسمح- بحسب أكثر من وكيل- إلى تدفق الأنواع الصينية. 26/03/2007", ويذكرنا هذا بأن اقتناء سيارة كان أحد مظاهر تفوق المال أو النفوذ, وأحد مظاهر الطبقية في بلادنا, وفي هذه الأيام, بعد أن صار الحصول على السيارة سهلا, تطورت ظاهرتها الطبقية لتصبح عبارة عن التمييز بين من عنده سيارة فخمة أوانسانية المواصفات, وبين من يفرح مؤقتا بسيارة ستوك وغير بشرية على الاطلاق في كل مواصفاتها. ويذكرنا أيضا بـ"العيب القانوني الاقتصادي" الذي بسبب رفعه للأسعار, دفع الناس الى الاستهتار بسلامتهم وتحقيق حلمهم باقتناء سيارة حتى لو كانت ستحملهم الى الموت يوما., وبالقصة القديمة الجديدة لأطماع واستغلال طبقة من التجار والمتمولـّين ومتاجرتهم بما بقي للناس من انسانية, فأهلا بالفساد الاقتصادي على أصوله.
الجمل
إضافة تعليق جديد