معضلة المصالحة العراقية في ظل الاحتلال
الجمل: تأثير زيادة القوات الأمريكية في العراق أصبح موضعاً للخلاف الحاد بين المسؤولين الأمريكيين في واشنطن، ولكن افتقار العراق للعملية السياسية الناجحة هو موضع اتفاق الجميع.
• التخمينات الاستخبارية والموقف الراهن:
تشير آخر التخمينات الاستخبارية الصادر تحت عنوان (تقدير الموقف الاستخباري القومي) إلى الآتي:
- تزايد الخلافات الشيعية- الشيعية في العراق، وبالذات بين الفصائل الشيعية الرئيسية الثلاثة: التيار الصدري، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وحزب الدعوة العراقي.
- تزايد انتقادات السنة العراقيين لحكومة نوري المالكي التي يقودها الشيعة.
- تزايد انتقادات الأكراد العراقيين لحكومة نوري المالكي التي يقودها الشيعة.
وقد أكد على مصداقية تقرير (تقدير الموقف الاستخباري القومي)، بعض الشواهد، والتي من أبرزها:
- تقرير مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية الأمريكي، الذي أشار إلى أن الحكومة العراقية (أي حكومة نوري المالكي) قد أنجزت نقطة واحدة فقط من النقاط السياسية الحيوية التسعة التي تم تكليفها بإنجازها.
- تصريح السفير الأمريكي في العراق ريان كروكر، الذي عبّر فيه عن إحباطه من جراء:
* عدم حدوث أي تقدم سياسي.
* الخلافات بين العراقيين.
- تصريحات أعضاء الكونغرس القائلة بأن نوري المالكي قد فشل في جلب الأمن للعراقيين، إضافة إلى مطالبة بعض أعضاء الكونغرس بإقالة المالكي.
• الرئيس بوش والتحول من (التشاؤم) إلى (التفاؤل):
برغم انتقاداته السابقة لنوري المالكي، قام الرئيس بوش، وعلى وجه الخصوص خلال زيارة المالكي لسورية، بتغيير موقفه، والإدلاء بتصريح أكد فيه على التزامه من أجل الاستمرار ومضي الإدارة الأمريكية قدماً في دعم ومساندة نوري المالكي، وقد ركز بوش في مواقفه الأخيرة المؤيدة للمالكي على الآتي:
- الثناء على اتفاق حكومة الوحدة الوطنية الذي تم التوصل إليه بواسطة الزعماء السنة، الشيعة، والأكراد في 27 آب الماضي.
- مطالبة الأمريكيين بالمزيد من الوقت وإعطاء الفرصة للجهود الميدانية الجارية.
- المطالبة بميزانية إضافية في حدود 50 مليار دولار لتمويل الحرب.
ويقول غريغ برونو، وروبرت ماكماهون المحللان السياسيان بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، بأن مشروع حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، إذا تمت الموافقة عليه بواسطة البرلمان العراقي، فإنه سوف يؤدي إلى الآتي:
- انهاء القوانين السابقة التي تحظر وتمنع أعضاء حزب البعث العراقي السابق من الانضمام والمشاركة في الحكومة.
- إجراء الانتخابات البلدية.
- تقوية الأمن.
- تنظيم صناعة النفط.
ويرى المحللان السياسيان بأن نجاح صفقة الحكومة الجديدة سوف يتوقف على عدد من الاعتبارات، أبرزها:
- مصداقية قرار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر المتعلق بتجميد نشاط جيش المهدي لفترة ستة أشهر.
- التزام نوري المالكي بتنفيذ وعوده.
- النجاح في تنفيذ النقاط المحددة بواسطة إدارة بوش.
- قيام الديمقراطيين بتخفيف ضغط الكونغرس على إدارة بوش.
• نوري المالكي وإشكالية بناء المصالحة الوطنية العراقية:
يقول ليونيل بيهند، المختص في الشؤون العراقية، في تحليله الذي نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، بأن المصالحة الوطنية بين الجماعات العراقية الاثنو-دينية، تمثل في حد ذاتها الضرورة الأولى قبل كل شيء من أجل إيقاف العنف السياسي، الديني، الطائفي، الأهلي العراقي.
• عراق ما بعد نيسان عام 2003 وإشكالية المصالحة:
تم الإعلان عن خطة للمصالحة الوطنية العراقية في مطلع الصيف الماضي، وقد اشتملت تلك الخطة على عدد من المكونات، والتي من أبرزها:
- منح العفو العام للمتمردين الذين لم يقوموا باستهداف المدنيين.
- تعديل قوانين اجتثاث البعث.
- عقد مؤتمر للتسوية والمصالحة الوطنية تشترك فيه كل الأطراف العراقية المتحاربة.
- تطهير الوزارات الرئيسية، وبالذات وزارة الداخلية، من العناصر المرتبطة بالميليشيات.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطة قد فشلت بسبب سيطرة بعض اللاعبين الأساسيين الموجودين في الساحة العراقية مثل مقتدى الصدر، وعبد العزيز الحكيم على نوري المالكي، على النحو الذي أدى إلى رفض الأطراف السنية لخطة المصالحة الوطنية.
كذلك ثمة سبب آخر لفشل خطة المصالحة تمثل في عدم وضوح بنودها وشروطها، إضافة إلى وجود الكثير من الإشارات المتضاربة في محتوى نصوصها، ومنها على سبيل المثال، منح العفو العام للمتمردين الذين لم يقوموا بأي عملية استهداف ضد المدنيين، علماً بأن الحرب الأهلية العراقية كانت بمثابة حرب الجميع ضد الجميع على النحو الذي شمل العسكريين والمدنيين معاً.
• متطلبات المصالحة الوطنية العراقية:
يقول الباحث هلترمان بأن الشروط المطلوب توافرها لنجاح المصالحة الوطنية العراقية تتمثل في الآتي:
- التزام الحكومة العراقية بتمثيل جميع العراقيين.
- تحقيق الكفاءة والفعالية والعدالة في توزيع وتخصيص الموارد.
- تقديم التنازلات المتبادلة بين الأطراف.
أما بالنسبة لدور الأطراف الخارجية في تسهيل بناء المصالحة الوطنية العراقية، فيتمثل في جملة من العناصر، والتي في مقدمتها:
- اقتناع الإدارة الأمريكية وحلفائها بأن المصالحة الوطنية لا يمكن أن تتم عن طريق الضغوط والإملاءات الخارجية.
- وجود الوسيط الخارجي النزيه الذي يتمتع بالقبول وثقة كل الأطراف العراقية المتنازعة.
- ضرورة توافر الدعم الإقليمي بواسطة دول جوار العراق.
وعموماً، برغم جهود المحلليين والخبراء والسياسيين الأمريكيين، وغيرهم، فإن أصدق ما ورد في تحليلاتهم ان المصالحة الوطنية العراقية لا يمكن أن تتم عن طريق الضغوط والإملاءات الخارجية، وبضرورة وجود وسيط نزيه يتمتع بقبول الجميع، وإذا نظرنا إلى الواقع الميداني العراقي، فإن كل المؤشرات لا تحمل أي مؤشرات بالتفاؤل حول إمكانية بناء المصالحة الوطنية، وذلك لأن وجود الاحتلال الأمريكي، وضغوط وإملاءات إدارة بوش، وموقفها المعادي لدول الجوار، تمثل جميعها مؤشرات واضحة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست في الموقف الذي يسمح لها بأن تقوم بدور الوسيط النزيه الذي يتمتع باحترام الجميع.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد