الأكثرية اللبنانية تسعى لاقتناص الرئاسة عبر واشنطن ومجلس الأمن
هل نحن أمام سيناريو رئاسة جمهورية لبنانية، يكاد يكون نسخة طبق الأصل عن سيناريو فرض المحكمة الدولية عبر مجلس الأمن الدولي؟
اذا صحت المعلومات المتداولة في أروقة مجلس الأمن الدولي، في الأيام الأخيرة، و«بطلها» أحد موظفي فريق الرابع عشر من آذار، بالتنسيق مع بعض الدوائر في الادارة الأميركية وامتداداتها ومفاتيحها في مجلس الأمن الدولي في نيويورك، فإن مصدرا دبلوماسيا متابعا للملف اللبناني في الأمم المتحدة قال إن جهات لبنانية محسوبة على فريق الأكثرية بدأت عملية جس نبض مع عدد من أعضاء مجلس الأمن حول احتمال اصدار قرار دولي ملزم يبت بالنزاع القائم في لبنان بين الأكثرية والمعارضة حول رئاسة الجمهورية، «وذلك بطريقة مماثلة لتلك التي تم من خلالها حل النزاع الداخلي حول المحكمة الدولية» في نهاية الربيع الماضي.
وإذ نفى المصدر وجود أي نص رسمي بهذا الخصوص، حتى الآن، قالت مصادر لبنانية واسعة الاطلاع انه اذا صحت هذه المعلومات، «فإن ذلك يعتبر أمرا بالغ الخطورة ومن شأنه تخريب لبنان وتهديد سلمه الأهلي».
ولم يعرف ما اذا كانت هناك صلة بين هذه المداولات والمعلومات غير الرسمية، وبين ما تردد منذ حوالى أسبوعين، حول اقتراح فرنسي بعقد اجتماع دولي خاص بالموضوع الرئاسي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقالت المتحدثة باسم الأمين العام ميشيل مونتاس انه لم يتم الاتفاق على مثل هذا الاجتماع «حتى الآن»، وتابعت ان احتمال عقده «يبقى قائما».
وأكدت مونتاس أن الأمين العام بان كي مون أجرى أمس الأول اتصالين بكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ولكنها رفضت تأكيد أو نفي الأنباء حول تناول الاتصالين تصريحات موفد الأمين العام تيري رود لارسن حول الدستور اللبناني.
لكن مصدرا مطلعا في الأمم المتحدة قال إن بان وعد بري كما السنيورة، الذي أبلغه ايضا استياءه من تصريحات لارسن، بالتحقيق في الأمر واستجلائه من مبعوثه الى لبنان، فيما اتهمت مصادر دبلوماسية عربية في نيويورك لارسن بأنه يسعى الى تخريب أي جهد لتهدئة الموقف في لبنان.
وفي موازاة ذلك، برز كلام لافت للانتباه للسفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان، حول امتلاكه ما أسماه «أدلة متينة» تشير الى أن «حزب الله» يعيد تسليح نفسه عبر الحدود اللبنانية السورية، أظهر وجود توجه أميركي متزايد نحو «تكبير» موضوع سلاح «حزب الله» بالتزامن مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي ومع بعض التطورات الاقليمية حول لبنان.
ويأتي كلام فيلتمان غداة تلميحات أميركية غامضة حول وجود علاقة بين الغارة الاسرائيلية الأخيرة التي استهدفت الأراضي السورية ومحاولة تهريب سلاح ايراني الى «حزب الله»، عبر الأراضي السورية، وكذلك بعد تصريحـات أميـركية عن تحـضيرات مـن جـانب «حزب الله» للقيام بهجمات أمنية في الأراضي الأميركية وقبلها اتهام «حزب الله» بالتورط في هجمات عسكرية ضد الجيش الأميركي في العراق.
وقال فيلتمان لـ«فرانس برس» «نعتبر ان الأدلة على حصول تهريب للسلاح لـ«حزب الله» عبر الحدود اللبنانية السورية متينة». وأعرب عن قلقه من التصريحات الاخيرة لـ«حزب الله» التي اكد فيها امتلاكه اسلحة قادرة على ضرب اسرائيل. وقال «من وجهة نظرنا، هذا يشكل احد اكبر المخاطر في لبنان لانه يمثل انتهاكا لقرارات مجلس الامن الدولي».
وأشار فيلتمان الى ان «المجتمع الدولي سيستجيب لاي طلب تتقدم به الحكومة اللبنانية لمساعدتها على ضبط امن حدودها، وهناك مبادرات عدة يجري بحثها لوقف عمليات التهريب ولا سيما تهريب السلاح».
وحذّر من ان بلاده لن تعترف الا بحكومة السنيورة وقال «ان انتخاب رئيس سيؤدي الى تشكيل حكومة جديدة، ولكن الى حينه، سنواصل الاعتراف بالحكومة التي تتمتع بثقة مجلس النواب». وقال «نأمل ان ينهي الرئيس لحود ولايته الممددة بهدوء من دون اللجوء الى اجراءات ذات طابع غير دستوري تؤدي الى تعقيد الازمة بدلا من حلها».
وفي باريس، خرج وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير من زيارته اللبنانية «بتفاؤل محسوب وحذر»، وقال مصدر دبلوماسي الفرنسي إن اعتراف فرنسا بأي رئيس ينتخب سواء بنصاب الثلثين أو بالنصف زائدا واحدا «عائد بالدرجة الأولى إلى فهمنا للأصول الدستورية اللبنانية ولا مانع لدينا أن ينتخب الرئيس بالنصف زائدا واحدا إذا كان ذلك خيار أكثرية اللبنانيين».
ورأى المصدر أن البيئة الإقليمية المحيطة بالاستحقاق الرئاسي «تتسم بهدوء نسبي يدعو إلى التفاؤل حتى الآن، لكنه تفاؤل حذر لأن تجارب الماضي شهدت أكثر من مرة قتل الحوار اللبناني في المهد، ولأن ضبط النفس لدى الأطراف ليس كاملا».
وقال المصدر إن الأجواء مشجعة لاستكمال مهمة الموفد الفرنسي السفير جان كلود كوسران الذي قد يعود قريبا إلى العاصمة الايرانية، لمواصلة العمل «على تسهيل إيراني لانعقاد الاستحقاق اللبناني في أفضل شروط ممكنة».
على الصعيد الداخلي، تركت مقابلة رئيس مجلس النواب نبيه بري أصداء ايجابية في الشارع اللبناني، فيما حاول فريق الأكثرية الدفاع عن بيان بكفيا، وقالت أوساط مقربة من النائب سعد الحريري ان الرئيس بري لم يقدم جوابا واضحا، في الجوهر، على الصيغة المحددة التي اقترحتها «الاكثرية» للخروج من المأزق والمباشرة في الحوار للتوافق على إسم رئيس الجمهورية الجديد، مرجحة ان يكون رئيس المجلس قد اساء قراءة بيان بكفيا، ولعله يعيد النظر في هذه القراءة لاحقا «بما يساعده على فهم البيان بشكل أفضل».
وردا على قول بري انه مستمر في مبادرته كما هي، تؤكد الاوساط ان فريق 14 آذار مستمر من ناحيته في مبادرته لان هناك قناعة لديه بأن أفضل طريقة للمباشرة في الحوار تكمن في الانطلاق به من دون شروط مسبقة تتصل بالنصاب سعيا للاتفاق على رئيس يحظى بالاجماع، وعندها لا يعود نصاب الثلثين او خيار النصف زائدا واحدا ذا شأن.
وأكدت أوساط الحريري ان مبادرة بري جدية والجواب عليها من فريق 14 آذار جدي ولكن الحوار الفعلي لم يبدأ بعد. وبالتالي لا بد من المباشرة في حوار يتناول أسماء المرشحين ومن المقبول والمرفوض بينهم، آملة في ان يكون اللقاء المرتقب بين بري والبطريرك الماروني نصر الله صفير بداية جيدة على هذا الصعيد.
وتشير الاوساط المقربة من الحريري الى ان الموالاة لن تلجأ الى انتخاب رئيس بأكثرية النصف زائدا واحدا إلا مضطرة لتجنب الفراغ الرئاسي، متى أصبح شبحه داهما، مشددة على ان هذا الخيار هو حق دستوري، ستكون ممارسته مشروعة في الدورات التي تلي الدورة الاولى لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
وفي السياق نفسه، نفى المكتب الاعلامي للحريري، بأن الحريري وخلال الاجتماع الأخير لقوى 14 آذار «كان ينوي تضمين البيان ردا على الرئيس بري فيه ديباجة تقضي بتفويضه والبطريرك صفير، التشاور حول شخصية رئيس الجمهورية التوافقي». وقال انه لم يطرح هذا الأمر لا في الاجتماع ولا في أي مناسبة اخرى.
لكننا نكتفي بالاشارة، الى أنه كان هناك مشروع بيان مختلف أعده بعض رموز فريق الاكثرية، لكي يصدر عن اجتماعها الاخير في بكفيا، وفيه فقرة خاصة تطلب من الرئيس بري المضي قدما في مبادرته والتوجه الى البطريركية المارونية للتوافق على رئاسة الجمهورية، لكنها شطبت على الفور لانها تعني التسليم المسبق بتفويض رئيس المجلس، وضمنا لبكركي، باختيار الرئيس المقبل، مما يفقد لقاء الاكثرية جدواه، ومبرره، خصوصا قبل الحصول على ضمانات امنية وإشارات حسن نية من المعارضة. وتم الاتفاق على الصيغة التي صدر فيها بيان بكفيا، بفقراته الثلاث.
في المقابل، قال رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون إنه إذا أصر البعض على تجاوز الدستور بدعم خارجي «سيكون لهم المفاجآت الكبيرة»، وأضاف «اذا كانت المعادلة هي معادلة قوة في لبنان فنحن الاقوى وإذا كانت معادلات دستورية فالدستور الى جانبنا، فليعيدوا النظر بكل المخالفات التي ارتكبوها والتي حصلوا من خلالها على هذه الاكثرية المسروقة».
وتابع عون أمام وفد شعبي من الحدث «قدمنا للحكومة غير الشرعية كل الفرص، ولكن الوقت محدود جدًا، وإذا كانوا لا يريدون تقديم حل وفقًا للقوانين وأن يصححوا الأخطاء ويقوموا بانتخابات تحترم بالفعل الإرادة الداخلية والتي تعبر عن حالها فسيكونون هم مسؤولين عن كل ما سيحدث». وقال «إما أن يكون هناك رئيس جمهورية يسعى ليبني جمهورية وإما فلتسقط الجمهورية».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد