كلمة حق في معرض باطل
«... وأما سائر الخطب والمقالات التي أنشأها المشتغلون بالقضية السورية والقاطنون خارج منطقتنا.. فقد كان ينقصها سداد الرأي وحسن الإنصاف..!
«يجلس الجالس منهم في مقاهي الشانزليزيه في باريس مثلاً، أو على مشارف من ضفاف السين.. أو في قاعة فسيحة فخمة من فنادق نيويورك.. ويطلق لقلمه وللسانه العنان...
بتحريض أبناء وطنه على التمرد...
«كم من النشرات أذاعوها وهم يحتسون الصهباء ويدخنون السيجار.. ويتضاحكون..
«وكان الأولى بهم.. أن يدعوا تصريف الأمور لأهلها.
«فالقريب يرى ما لا يراه البعيد..»
* * *
تذكرت هذه المعاني التي وردت معي لا أذكر تماماً في أي مرحلة أو حقبة من أوراق التاريخ التي أعمل على إعدادها...
وقد أَعدتُ صياغتها من الذاكرة وعلى طريقتي... وبتصرف...
المهم أنني تذكرتها وأنا أستمع قبل فترة من التلفزيون إلى خبر أدهشني!
يقول الخبر: إنّ السيد المُعارض ابن الغادري الموجود في أمريكا «والذي ظهر على الشاشة وعلى فمه ابتسامة عريضة واسعة» طالب الكونغرس في الجلسة التي عقدت في الأسبوع الماضي، بفرض الحصار الاقتصادي على سورية!
الخبر عادي ومكرر!
لكن المدهش في الأمر هو أنّ الوحيد الذي كان متحفظاً تجاه هذا الطلب هو السيّد تيودور قطوف... سفير أمريكا السابق في سورية، الذي يرى أن مثل هذا الإجراء سيكون له ردّة فعل عكسيّة..
وقد بدا على الشاشة وقوراً جدّياً ومقطّباً!
مدهشٌ حقاً.. انقلابُ الأدوار هذا..!
وكل الشكر لك.. معالي السفير..
فأنت قد عشت معنا لسنوات.. وتعرفنا قطعاً أكثر مما يعرفنا أبناء بلدنا الذين يعيشون مع غيرنا.. ويتحسّرون علينا.. ويطلبون لنا الحصار!!!
* * *
أكتب هذا الكلام وأنا أعلم أن السيد السفير تيودور قطوف الذي أحترم... عاتبٌ عليّ..
فأنا ذات يوم من هذه السنوات القريبة الماضية قد اعتذرت عن تلبية دعوته لزيارة الولايات المتحدة للتعرف إليها..
وقد كان عذري واضحاً، ويطيب لي أن أسجله هنا..
فأنا أعرف الولايات المتحدة جيداً.. إذ إنني زرتها مراراً في الماضي مثلما زرت معظم بلدان أوروبا..
وقد أحببت أمريكا كثيراً.. وأحببت أهلها أكثر..
وهي البلاد الوحيدة من البلدان الكثيرة التي زرت.. الوحيدة التي كنت كلما غادرتها شعرت بغصة حنين وأنا أودع أهلها..
فالشعب الأمريكي شعب طيب بل من أطيب الشعوب وأكثرها شفافية.. لكنه بعيد جداً عن السياسة.. ولا يعرف إلاّ ما يقدّمه له الإعلام...
وما أدراك ما الإعلام في أمريكا؟؟!
مئات المحطات.. ألوف البرامج المنوعة المغرية المبهرة حتى إن المشاهد لا يخطر على باله اطلاقاً البحث عن محطة غريبة!!!
ولهذا لا نستطيع أن نلومه إذا كان لا يعرف عنا إلا ما يقدمونه له...
فالمشكلة مشكلة إعلام في الأساس وفي مجال الإعلام خاصة... نحن العرب... المقصرون!!!
* * *
أمّا عن السياسة الأمريكية..
فأنا لست في حاجة لأن أزور أمريكا لكي أتعرف إلى سياستها في هذه المرحلة...
فنتائج المشاكل التي تعيثها في العالم ينعكس علينا ويعكّر حياتنا...
والسيد بوش «الناشط» في الدفاع عن حقوق الإنسان في بلادنا حصراً... وفي نشر الديموقراطية عندنا...
لم يستطع أن يبرهن بالأفعال عن حسن نيته وعن صلاح نشاطه!
فما يجري في العراق مثلاً من انتهاك لحقوق المواطنين...
وما رأيناه من فضائح وجرائم في السجون التي يحكمها الأمريكيون.. يتناقض تماماً وما تعلمناه في صغرنا وضمن أجوائنا الوطنية... عن حقوق الإنسان وكرامة الإنسان...
أما بالنسبة للديموقراطية...
فإن موقف أمريكا مثلاً من الانتخابات الديموقراطية الحرّة التي جرت في فلسطين وأدّت إلى نجاح «حماس» «شقلب» رأساً على عقب مفهوم الديموقراطية وحرية الرأي...
وفي النتيجة من الممكن القول إن السياسة الأمريكية نجحت في أمر واحد فقط وهو إفهامنا أخيراً أن الحرية والديموقراطية والعدل وكل هذه المعاني القيّمة لا تعني في الحقيقة إلا كل ما يناسبها هي وما يتماشى ومصالحها... وما يحمل البسمة النادرة إلى الناشطة السمراء... الناقمة دائماً لست أدري لماذا..؟!!
* * *
رغم هذا أنا أعتقد أن الشعب الأمريكي كما عرفته وأعرفه غير موافق بغالبيته على هذه السياسة المعجرفة والمسيئة..
وهذا ما أكدته لي السيدة آيزنهاور في لقائنا الخاطف في «الأسكوا» في بيروت قبل سنتين تقريباً...
كانت قد ألقت أمام ألوف السيدات بكلمة لطيفة أشارت فيها إلى العلاقات الودّية التي يرغب الأمريكيون في أن تكون بينهم وبين العرب..
فكان لا بد لي من التدخل لأسألها - بعد أن شكرتها على كلمتها اللطيفة- هل أن المسؤولين في أمريكا متفقون معها حول هذه الآراء..؟ لأن تصرفاتهم هي عكس تماماً ما جاء في كلمتها..!!!
وقد أثارت مداخلتي اهتمامها خصوصاً عندما رأت تأييد القاعة التي ضجّت بالتصفيق...
* * *
وكان أن التقينا مجموعة من السيدات وهي بعد المؤتمر وقالت لي بالحرف:
-يجب أن تعرفي أن فئات كثيرة من الشعب الأمريكي غير راضية على سياسة أمريكا...
فتحية لهذه الفئات الطيبة في العالم...
ومرة ثانية شكراً معالي السفير...
كوليت الخوري
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد