حكومة السنيورة تخرق الهدنة السياسية وتوتر الأجواء
قررت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة اللبنانية التوغل في اتخاذ قرارات جديدة، ستؤدي الى المزيد من توتير المناخات السياسية، عشية الأعياد التي كان يأمل اللبنانيون أن تمر بحد أدنى من الهدنة السياسية بين الموالاة والمعارضة.
وعشية الجلسة النيابية المقررة يوم السبت المقبل، والمحكومة بالتأجيل مسبقا، دعا رئيس الحكومة مجلس الوزراء الى جلسة عادية تناقش جدول أعمال يتضمن تسوية أوضاع للموظفين والمتقاعدين وترقيات الضباط العسكريين وتوزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل ومنح أوسمة وغيرها، وهو الأمر الذي جعل المعارضة تتخذ قرارا بتكثيف وتيرة مشاوراتها في الساعات المقبلة، بعدما كانت قد توافقت على تمرير فرصة الأعياد، فيما برز مؤشر للاعتراض على توجه الحكومة للترقيات العسكرية من داخل المؤسسة العسكرية.
وقالت مصادر أن الوضع «غير الميثاقي» للحكومة تسبب في أزمة جديدة عنوانها الترقيات الدورية في صفوف ضباط الجيش اللبناني، بمن في ذلك من سيحالون على التقاعد أو أولئك الذين سقطوا شهداء خلال معركة مخيم نهر البارد.
وقد كان هذا الأمر موضوع مناقشة مستفيضة، أمس، في اجتماع عسكري موسع عقد في مقر وزارة الدفاع في اليرزة برئاسة قائد الجيش العماد ميشال سليمان، وخصص لمناقشة حق الضباط المستحقين بالترقية الدورية في ظل أزمة الحكم القائمة حيث يحتل الفراغ موقع رئيس الجمهورية.
وشارك أركان القيادة في نقاش مستفيض تركز حول عنوانين، الأول، أن الترقية حق شرعي مكتسب لمستحقيها من الضباط ولها فضلا عن جانبها المعنوي مردودها المادي ولو مضى عليها بعض الزمن.
الثاني، أن الأصول المعتمدة تقضي بأن تحمل الترقيات توقيع رئيس الجمهورية باعتباره «حارس الدستور» ورأس الدولة.
وبنتيجة النقاش الذي شهد مواقف تؤيد خطوات الحكومة وأخرى تعارضها، توافق الضباط بأكثريتهم الساحقة، «على مبدأ صدور الترقيات بتوقيع رئيس الجمهورية العتيد حتما، ورفض اية محاولة لتمرير هذه الترقيات بتوقيع الحكومة القائمة المطعون في ميثاقيتها (ان لم يكن في شرعيتها ودستوريتها)، حتى لا تكون سابقة يدفع ضريبتها الجيش في مستقبله، كما يدفع النظام ودستوره والوطن ضريبة هذه السابقة».
والمعروف ان عدد الضباط الذين يستحقون الترقية مع بداية العام الجديد يقارب 1500 ضابط من مختلف الرتب.
الجدير بالذكر ان بين الضباط المستحقي الترقية عددا كبيرا ممن شاركوا أو استشهدوا في القتال ضد تنظيم «فتح الاسلام» في مخيم نهر البارد.
وعلم أن قائد الجيش بادر برفقة مدير المخابرات في الجيش العميد جورج خوري الى اطلاع وزير الدفاع الياس المر على قرارات الاجتماع العسكري، ثم توجها الى بكركي حيث التقيا البطريرك الماروني نصر الله صفير ونقلا اليه الأجواء نفسها، وبعد ذلك زار سليمان وخوري رئيس الحكومة في السرايا الكبيرة حيث أبلغاه قرار القيادة العسكرية برفض الترقيات إذا لم تكن ممهورة بتوقيع رئيس الجمهورية.
وبينما تردد أن بعض القضاة بدأوا مداولات بعيدة عن الأنظار للقيام بخطوات جزئية في الاطار نفسه، نفى مصدر قضائي بارز في مجلس القضاء الأعلى أن يكون هذا الأمر قد طرح حتى الآن على بساط البحث، داعيا الى ابقاء المؤسسة القضائية بعيدة عن التجاذبات السياسية.
في هذه الأثناء، أصرّت مصادر وزارية على اعتبار خطوات الحكومة «ضرورية وشرعية ودستورية ولا غبار عليها»، إلا أنها اعترفت بأن موقف قيادة الجيش من الترقيات والحملة العنيفة التي تعرّضت لها الحكومة من جانب المعارضة، ساهمت كلها في «فرملة» جزئية لنزعة قوية عبّرت عنها بعض أطراف قوى 14 آذار بالاندفاع بالعمل الحكومي وصولا «إلى تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في الماضي بالإمساك بكامل مفاصل الدولة الأمنية والإدارية عبر إجراء سلة تعيينات في مواقع حساسة للغاية».
وقالت المصادر نفسها «إن ثمة ميلاً بدأ يتوضّح نحو «عقلنة» مسار الحكومة في المرحلة المقبلة خصوصاً بعد أن قامت بواجبها، وهي أزاحت عملياً الحمل عن ظهرها، بغض النظر عن رأي الفريق الآخر بها».
وأعربت مصادر بارزة في الأكثرية عن «ارتياحها» لحجم ردود المعارضة التي جاءت «أقل من المتوقّع»، الأمر الذي فسّرته تلك المصادر بأنه نوع من استمرار «اللعب تحت السقف» وبأن حالة الانضباط في الفراغ ما تزال قائمة، باعتبار أن ما قامت به الحكومة لا يشكّل انقلاباً على ذلك التفاهم الذي تم برعاية دولية ـ إقليمية عشية انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود والدخول في الفراغ المنظّم. وأكدت المصادر أن لا نيّة في المرحلة المقبلة لتعيين وزير مكان الوزير الشهيد بيار الجميل.
في المقابل، وبرغم الهجوم السياسي العنيف الذي شنّته المعارضة على الحكومة، إلا أنها تعاملت مع خطواتها بلامبالاة عملية. وفهم في الوقت نفسه، أن اتصالات فرنسية ـ مصرية مكثّفة جرت على خطين، الأول مع الرئيس نبيه برّي وعدد من أقطاب المعارضة أثمرت استيعاباً سريعاً للموقف، والثاني، مع أركان قوى 14 آذار ورئيس الحكومة لتدارك أي خطوات اضافية تستفز المعارضة، غير أن قرار عقد جلسة الجمعة وبجدول أعمالها غير الاعتيادي، أظهر أن كل الاتصالات لم تحقق النتائج المرجوة حتى الآن.
وأكد المعاون السياسي للامين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين الخليل أن خيارات المعارضة «أكبر من خيارات السلطة»، مؤكدا «ان (الرئيس) السنيورة يحكم بحدود السرايا فقط». وقال «إن المعارضة بكاملها مع العماد ميشال سليمان للوصول الى رئاسة الجمهورية، وليس هناك اي تراجع من جانب اطراف المعارضة، ومن بينها «حزب الله»، لافتا إلى «أن لا مانع من مناقشة حصة رئيس الجمهورية في الحكومة الجديدة»، مشيرا الى «اننا نريد ان يحكم العماد سليمان البلاد وهو مرتاح ومستند الى اتفاق سياسي على المرحلة المقبلة».
ورأى في مقابلة أجرتها معه «قناة العالم» الإخبارية، «أن خيار المعارضة هو المشاركة لا الفراغ، لأن الفراغ هو مطلب اميركي حقيقي، وواشنطن تسعى بكل جهد لمحاصرة «حزب الله» ورئيس مجلس النواب والنائب العماد ميشال عون»، معتبرا «أن اميركا تريد جعل لبنان منصة لمشروعها في المنطقة».
ووجه خليل نداء الى النائب سعد الحريري، مطالبا بـ«ان يقبل بالمشاركة وبأن يقول للمعارضة اهلا بك، خذي حصتك وأنا شريكك».
وأكدت «كتلة الوفاء للمقاومة» أن «اصرار الحكومة الفاقدة للشرعية وللميثاقية وللدستورية، على انتحال صفة مجلس وزراء وإصدار مشاريع قوانين ومراسيم وقرارات والتطاول على صلاحيات رئاسة الجمهورية ومصادرتها، كل ذلك يشكل أدلة واضحة على جرم التعمد في اغتصاب السلطة والانقلاب على الدستور، ورغم ان ما صدر عنها قبل يومين لا قيمة دستورية او عملية له، الا انه إجراء استفزازي يهدف الى جس نبض المعارضة تمهيدا لمزيد من التجاوزات، وهذا الأداء يفتح الباب امام تعقيدات جديدة يتحمل فريق السلطة كامل مسؤوليتها».
وفي القاهرة، ناقش وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط، أمس الأول، مع نظيره الفرنسي برنار كوشنير تطورات الوضع في لبنان.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية إن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى انضم إلى الاجتماع الذي «بحث أساليب تناول الأزمة اللبنانية في إطار الرغبة في الحفاظ على استقرار واستقلال لبنان والحيلولة دون انزلاقه إلى وضع قد يتسم بالفوضى أو مزيد من التوتر».
وأعرب أبو الغيط في مؤتمر صحافي عن «أمله في أن ينجح القادة اللبنانيون الذين يتعين عليهم أن يسعوا للحفاظ على استقرار لبنان وأمنه ومستقبله... وألا يسمحوا لأطراف خارجية بالعبث بها»، داعيا هذه الأطراف إلى أن ترفع أيديها عن لبنان.
وأبدى أبو الغيط أمله في أن «تشهد الأسابيع القليلة المقبلة تقدما» معتبرا أن «الامر لا يزال يحتاج للمزيد من المناقشات العربية العربية وبمساعدة من الأمين العام للجامعة العربية ولمحاولة بذل الجهد للسيطرة على هذا الوضع وتحقيق الهدف من انتخاب الرئيس وما يتبعه من مشكلة حكومة وبالتالي مضي لبنان في طريقه مثلما عهدناه».
من جهته، أكد عمرو موسى أنه بحث في القاهرة، مع الدكتور علي لاريجانى مستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، الوضع في لبنان، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني ان الموقف الفرنسي حيال أزمة الانتخابات الرئاسية كان أكثر عقلانية من الموقف الأميركي، وأضاف ان ما يجب متابعته كحل دبلوماسي لتسوية الأزمة اللبنانية هو ليس الاسهام في تأجيج التوتر بل التحرك واعتماد مبادرات جديدة للتوصل الى حلول دبلوماسية.
وأضاف «يبدو أن الفرنسيين يتفهمون الموضوع اللبناني بشكل أفضل».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد