دمشق تجدد التزامها بمهمة موسى ونصر الله يطمئن اللبنانيين
برغم التعثر الذي أصاب المبادرة العربية في بيروت، وكان بمثابة صدى لجولة الرئيس الأميركي جورج بوش العربية التي شهدت تحريضاً صريحاً لفريق من اللبنانيين، فالباب لم يقفل نهائياً، ولم يُقطع الأمل في بلوغ حل، انما ذلك يتطلب وقتاً ليس بقصير، وربما امتد حتى أواخر شباط أو أوائل آذار المقبل.
وبموازاة هذا التعثر، تبدو الصورة السياسية الداخلية، اسيرة الجمود السلبي، في انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة على صعيد المشاورات العربية العربية المتصلة بالواقع اللبناني، وما ستؤول اليه الصورة العامة في المنطقة والتداعيات التي سترخيها جولة الرئيس بوش. على ان البارز وسط هذه الأجواء التحذير الذي أطلقه الرئيس المصري حسني مبارك من ضياع لبنان، ومن وضع خطير في المنطقة، ملوحاً بأن العرب سينفضون أيديهم عن لبنان، وذلك في حال لم تنفذ المبادرة العربية. وقد اعتبر الرئيس نبيه بري تحذير مبارك «بمثابة تحفيز للبنانيين على المضي في الحل».
ولقد بات واضحاً مما انتهت اليه جولة موسى الاولى في بيروت، انه لا يحمل عصا سحرية. وبحسب مصادر واسعة الاطلاع فإنه اقر بصعوبة مهمته، وبالحاجة الى جولات إضافية من المناقشات. وأكد ان الصعوبات والتعقيدات المستحكمة بين الفرقاء اللبنانيين تعزز احتمال ان تمتد المساعي لشهر وأكثر. واللافت للانتباه ان كلام موسى هذا يتقاطع مع ما يتم تداوله في العديد من المجالس السياسية والدبلوماسية، التي باتت على قناعة تامة بأن الامور في لبنان ذاهبة الى آذار، وربما الى ما بعده.
وعلى هذا الأساس سيعود موسى بعد غد الى بيروت، لمباشرة جولة جديدة من المساعي، على طريق حل مرتكز الى المبادرة العربية. على اعتبار انها ثمرة أساسية تولـّدت عن اجتماع وزراء الخارجية العرب، وهي تتطلب بعض الجهد العربي، لتوضيحها، ولا سيما انها بالصيغة التي اعلنت فيها، جاءت مبهمة وحمّالة اوجه، اخذها كل فريق من منظاره وأخضعها للتفسير وفقاً لتوجهه السياسي. وفي هذا السياق، كشفت المصادر الواسعة الاطلاع عن «نصيحة» تلقاها موسى قبل مجيئه الى بيروت، حثـّته على إخضاع بيان وزراء الخارجية العرب لـ(تفسير عربي» حاسم وواضح وصريح، يحمي هذا الانجاز العربي والتاريخي، بحسب ما ورد في متن النصيحة، ويقطع الطريق على اي تفسير او اجتهاد يحرفه عن مقصده.
ومن المقرر ان ينتقل موسى من بيروت الى دمشق يوم الجمعة المقبل، وفهم ان هذه الزيارة مقررة سابقاً، وتندرج في اطار المشاركة في فعاليات «دمشق عاصمة للثقافة العربية». وقال مدير مكتب الامين العام للجامعة العربية السفير هشام يوسف ان الزيارة ستكون فرصة للتشاور حول الوضع في لبنان في ضوء الخطة العربية لحل الأزمة اللبنانية. وفي المقابل، اعلنت دمشق انها تنتظر ان يستأنف موسى جهوده في اقرب وقت في بيروت. وقال مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية «ان الخطة العربية متكاملة وواضحة في تبنيها موقف لا غالب ولا مغلوب، الذي يضع لبنان على طريق العافية والاستقرار».
وبموازاة ذلك، فإن فكرة عقد طاولة الحوار، التي طرحها موسى، لا يبدو من مواقف الأطراف انها قابلة للتطبيق، في ظل الاعتراضات والتحفظات التي قابلتها، علما انها قد نوقشت بالتفصيل بين الرئيس نبيه بري والأمين العام لجامعة الدول العربية.
وعلم ان بري، ذكّر موسى بالتجارب الحوارية السابقة التي جرت منذ حوار آذار 2005 والمقررات الاجماعية التي انتهى اليها، الى جلسات التشاور، وصولاً الى الحوارات المتتالية على مستوى ثنائي، وصولاً الى قرار المعارضة بتفويض النائب ميشال عون التفاوض باسمها مع فريق الأكثرية. وبعد هذا العرض اقترح بري على موسى ان يصار في حال الإصرار على عقد جلسات الحوار، الى مشاركة الوزراء العرب الخمسة او ما سماها باللجنة الخماسية التي وضعت بيان مؤتمر وزراء الخارجية العرب: رئيس الحكومة ووزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم، وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، وزير الخارجية العماني، وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط ووزير الخارجية السورية وليد المعلم. فحضور هذه اللجنة يعطي دفعاً كبيراً لا بل يحسم الأمور ويبتها بالتفصيل.
وقال الرئيس بري: لدينا تجارب سابقة مهمة وأساسية في الحوار، من الحوار الأول في آذار، الى التشاور، والتي بحثت مختلف الملفات والمواضيع وخصوصاً موضوع رئاسة الجمهورية، وحكومة الوحدة الوطنية والقانون الانتخابي.
أضاف بري: ولا شك ان موضوع الحوار مهم جداً، ولكن مع الحوار المنتج، وليس الحوار من اجل الحوار فقط، فهذا امر لا يفيد على الإطلاق، لا بل يضيّع الوقت ويعطل أية امكانية للوصول الى حلول توافقية تفك التعقيدات وتنقذ لبنان من الازمة الراهنة، ولكن ان ضرورة عقد حوار منتج ومفيد بين الفرقاء اللبنانيين، مرتبطة بحضور اللجنة الوزارية الخماسية، الى جانب الامين العام لجامعة الدول العربية، وإلا فإن اي حوار من دون هذه اللجنة، يعني وكأن الحوار المطلوب
عقده، هو بديل عن المبادرة العربية، وهذا امر غير وارد على الإطلاق، ولا سيما ان طاولة الحوار سواء بالنسبة الى المعارضة او بالنسبة الى الموالاة، ممثلة بكل من النائب سعد الحريري والنائب ميشال عون.
وفي السياق ذاته شكك قيادي بارز في المعارضة في طرح العودة الى طاولة الحوار، وقال: ان المعارضة، ومن الاساس تؤمن بالحوار، وتعتبر انه الطريق الوحيد لحل الازمات في لبنان، ولكن الحوار الجاد والمسؤول، من دون شكليات او مراسم فولكلورية. ونحن متأكدون ان طرح معاودة الحوار هو من تأليف وإخراج فريق 14 اذار، وبالتالي لو كان هذا الفريق جدياً في الحوار، لما كانت افشل الحوار الذي خاضه مع الرئيس بري بإسقاط المبادرة الفرنسية، ولكان حاور النائب ميشال عون المفوض باسم المعارضة.
وأعرب القيادي عن ريبته في انحــراف مهمة موسى عن مسارها الأساسي الذي كان محصوراً بتســويق بيان وزراء الخارجية العرب، الى طرح الفكرة الحــوارية، او تبني طرح هذه الفكرة الأكثرية، وسأل عن موجباتها.
واتهم القيادي المعارض الموالاة بتعطيل المبادرة العربية، مبدياً الحرص على الالتزام بالحل العربي الذي يعطله الاميركيون. وأعرب عن خشيته من ان يكون الهدف من خلف تعطيل الحل، هو الدفع في اتجاه التدويل، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وتوترات في لبنان ما يعني الدخول في المجهول.
وفي حين دعا المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة الى ان يثق اللبنانيون بجهود الجامعة العربية، مشدداً على ان يكون انتخاب رئيس الجمهورية هو الهدف الأساسي لدى كل الاطراف، ابلغ مصدر وزاري في الأكثرية قوله ان فريق الموالاة في وضع انتظار ما سيعود به عمرو موسى من دمشق حيث الحل والربط، لنستشرف في ضوء ما سيحمله معالم المرحلة المقبلة.
وأشار الى ان عدم الحماسة لمحاورة العماد ميشال عون تعود الى شعورنا بأنه لا يمثل حقيقة ما تطرحه كل المعارضة، إذ هناك على سبيل المثال تباين بين نظرته ونظرة الرئيس نبيه بري الى مسألة تعديل الدستور لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، كما ان مصادر بري تدعو الى صيغة حكومية على أساس 10 + 10 + 10بينما يطالب عون بمعادلة 11+ 14 + 5 التي تتضمن الثلث المعطل.
وقال المصدر ان الموالاة ترى انه من الافضل ان يكون الحوار موسعاً، بحضور الجامـــعة العربية، ليطّلع منها الجميع على القراءة الرسمية لورقة القاهرة، وبعد ذلك إذا وجدنا ان هناك ضـــرورة لحوار ثـــنائي مع العماد عون فلا مانع من استكماله، ولكن ربما نرتــئي في حينه ان يُكلف شخص آخر غير الحريري بالتفاوض.
- الى ذلك، اعتبر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمة ألقاها أمس في المجلس العاشورائي ان اتهام الرئيس الاميركي جورج بوش لإيران بأنها تعطل آمال اللبنانيين، هو افتراء وكذب، مشيراً الى ان جورج بوش وكوندليسا رايس وديفيد ولش وأدوات هؤلاء هم الذين يعطلون حكومة الوحدة الوطنية والحكومة الانتقالية لإجراء الانتخابات النيابية المبكرة.
وأكد، من باب العدل والإنصاف ان بعض قوى الموالاة كانت ستقبل بحكومة الشراكة لولا ضغط الادارة الاميركية التي تعتبر ان قيام حكومة الوحدة الوطنية او إجراء الانتخابات النيابية المبكرة هو ضرب وهزيمة للمشروع الأميركي والوصاية الأميركية وللتدخل في القرار السياسي اللبناني على كل صعيد.
وختم بالتأكيد إنه ينظر الى مستقبل لبنان بتفاؤل وإنه ليس قلقاً ولا خائفاً، «ولكـن الأمور تحتاج الى وقت».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد