تفجير الكرنتينا يفتتح مرحلة جديدة في الأزمة اللبنانية
أرخى الانفجار الذي شهدته منطقة الكرنتينا، امس، واستهدف موكباً للسفارة الاميركية في لبنان، ظلالاً ثقيلة من القلق على اللبنانيين عموماً، وأشعرهم ان مرحلة جديدة من المخاطر تطل برأسها عليهم، وهم بما هم فيه مثقلون بالقلق على المصير..
وبطبيعة الحال فإن القلق قد شمل مهمة الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى في جولتها الثانية التي تبدأ اليوم، وسط الضباب الكثيف الذي أحاط هذا التفجير في حيثياته والرسالة المطلوبة منه، خصوصاً وأنه الاول من نوعه في سلسلة التفجيرات والاغتيالات التي شهدها لبنان منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وعلى الرغم من ان الموكب المستهدف لم يحوِ «أميركيين» من السفارة بين ركابه، فان اسئلة عديدة طرحت، أمس، حول ما اذا كان المستهدف بالانفجار السفير الاميركي جيفري فيلتمان، وهو كان يستعد للاحتفال الوداعي الذي كان مقرراً أن تقيمه السفارة مساء في فندق «الفينيسيا» لمناسبة مغادرته لبنان نهائياً السبت المقبل. لكن شيئاً من ذلك لم يتأكد، فيما تردد ان فيلتمان كان قد لبى ظهراً دعوة السفير السعودي عبد العزيز الخوجة الى غداء وداعي أقامه على شرفه.
وقد أدى الانفجار الى مقتل ثلاثة أشخاص (لبنانيان وسوري) تصادف وجودهم في مكان العملية ولا علاقة لهم بالسفارة الأميركية، إضافة الى ستة وعشرين جريحاً نقلوا الى المستشفيات للمعالجة. وحتى ساعة متأخرة من الليل لم تكن مصادر التحقيق القضائي قد حسمت ما إذا كان الانفجار نجم عن سيارة مفخخة ام عن عبوة زرعت على جانب الطريق، بسبب المياه التي غمرت الحفرة التي أحدثها الانفجار. وذكرت مصادر في السفارة الاميركية ان الموكب المستهدف كان يضم سيارتين من نوع «جي أم سي»، تمكنت الاولى من تفادي الانفجار وإكمال طريقها، فيما أصيبت الثانية بأضرار ولم يصب أي من ركابها بأذى. لكن الخارجية الاميركية أعلنت ليلاً ان الانفجار أدى إلى سقوط اربعة قتلى مدنيين ليس بينهم أي اميركي. وقال المتحدث باسم الخارجية الاميركية شون ماكورماك إن اميركياً كان يمر في المكان أصيب بجروح جراء الانفجار، خلافاً للأنباء التي تحدثت سابقاً عن عدم إصابة أي اميركي. وأوضح ان سائق السيارة اللبناني أصيب بجروح طفيفة، مؤكداً انه لم يكن هناك أي دبلوماسي او مواطن اميركي داخل سيارة السفارة الاميركية.
ولفت ماكورماك الى احتمال ان يكون الانفجار ناجماً عن «عبوة» من دون التأكيد ان السيارة الاميركية هي المستهدفة. واضاف انه «من المبكر جداً» تحديد هذا
الامر، مؤكداً ان «سفارتنا وأجهزتها الامنية ستعملان بالتعاون مع الحكومة اللبنانية لدرس ملابسات الانفجار». واضاف «اعتقد انه يجب الا يقوم احد باستنتاجات متسرعة... وسنرى في اليومين او الثلاثة ايام المقبلة الى اين ستقودنا الوقائع واي تحليل يمكننا استخلاصه منها».
وأكد ماكورماك ان الولايات المتحدة تعتبر هذا الحدث عملاً إرهابياً. وقال «انه بوضوح عمل ارهابي يهدف الى إلحاق إساءة بشكل أو بآخر والى استخدام العنف للتوصل الى هدف ما». واضاف «لا يمكنني ان اقول لكم ما هو الهدف، لأنني لا اعرف من المسؤول عن ذلك». وتابع ان السفارة ستعيد النظر في تعليماتها الامنية لضمان حماية موظفيها الاميركيين واللبنانيين في شكل صحيح.
واستنكرت الحكومة اللبنانية عملية التفجير باعتبارها تستهدف الجهود العربية المبذولة لحل الأزمة. وقال وزير الإعلام غازي العريضي في ختام اجتماع طارئ لمجلس الوزراء ان «الحكومة ترى بأن الرد الأنجع عليها يكون بالالتزام بالقرار العربي والذهاب فوراً إلى تنفيذ بنوده لملء الفراغ في الرئاسة وتشكيل حكومة جديدة».
اما في ما خص التحقيق فقد ذكر مصدر قضائي إنّ القوى الأمنية لم تستطع تحديد مكان وضع العبوة التي استهدفت السيارة الدبلوماسية ومعرفة كيفية حصول الانفجار، وما إذا كانت العبوة موضوعة ضمن سيارة مركونة إلى جانب الطريق أم لا، وذلك بسبب خروج مياه كثيرة من الحفرة التي خلفها الانفجار، فضلاً عن حلول الظلام، وهو ما ستتم معالجته اليوم الأربعاء.
كما أدّى هذا الأمر إلى تأخر معرفة زنة العبوة والمواد المصنوعة منها بانتظار انتهاء الخبراء من عملهم وتقديراتهم، فيما قالت مصادر مواكبة لسير التحقيقات أن زنة العبوة الناسفة تبلغ 15 كيلوغراماً (موجهة)، وذلك في تقدير أولي.
وعرف من القتلى المواطن السوري غسان حسين (مواليد العام 1981) الذي كان يمرّ على دراجة نارية في الجهة المقابلة لمكان وقوع الانفجار، بينما لم تعرف هوية القتيلين، وهما رجل وامرأة كانا داخل سيارة كانت قريبة من سيارة السفارة الأميركية التي كان بداخلها الموظفان بشارة بدر ودانيال يوسف مسعود الذي أصيب بجروح ونقل إلى مستشفى مار يوسف في الدورة للمعالجة.
وقد وجد هاتف خلوي مع الضحيتين الأخيرين في السيارة، ولكنه مقفل، وعثر أيضاً على دليل هاتف أجريت منه اتصالات بأسماء واردة فيه لكي يتمّ من خلال أصحابها التعرف إلى اسمي القتيلين.
وكلف قاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر الذي وضع يده على التحقيقات، آمر سرية برج حمود القيام بالتحقيقات اللازمة، على أن يقوم اليوم مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة القاضي جان فهد بالادعاء على مجهول بالقيام بهذا العمل الإرهابي.
وتسلّم النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا ملف التحقيق في الانفجار كونه استهدف هيئة دبلوماسية. وأبلغ ميرزا جميع الأجهزة الأمنية والخارجية التي ستتولى التحقيق في الانفجار وجوب مراجعته قبل المباشرة بالتحقيق أو اتخاذ أي إجراء. وكلّف القضاء العسكري إجراء التحقيقات كون العمل إرهابياً، وطلب من وزارة الأشغال نصب خيمة في المكان للحفاظ على الأدلة وعزل الموقع الى حين انتهاء التحقيقات الضرورية.
في ظل هذه الأجواء أكد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أنه آت، اليوم، الى بيروت، على الرغم من الانفجار الذي حصل. وقال موسى للصحافيين «بغض النظر عن أحداث العنف التي وقعت في لبنان، فإنني ذاهب الى لبنان في زيارة عمل لأيام عدة». واوضح انه سيتوجه غداً الخميس إلى «دمشق لإجراء مباحثات مع المسؤولين السوريين»، قبل ان يعود الى بيروت مرة أخرى.
واعتبر موسى أن الانفجار الذي وقع هو »دليل على خطورة الموقف في لبنان، وعلى ما يمكن ان نستخلصه من رسائل». وقال ان (الموقف في لبنان يحتم علينا السعي بكل ما نستطيع للإحاطة بالأزمة اللبنانية»، مشيراً إلى وجود مساع دولية لنقل الملف اللبناني الى مجلس الأمن.
وفيما نقل عن الرئيس نبيه بري، امس، انه ينتظر وصول موسى، لاحظ زواره ان منسوب التفاؤل لديه قد تراجــع بشــكل كبير، بناء على المستجدات التي تســارعت في الآونة الأخيرة، وما أحاط بجولة موسى السابقة، وتفاصيل اللقاءات التي أجراها مع الفرقاء، وغرق المبادرة العربية بالتفسيرات والتفسيرات المضادة.
وبمعزل عن الإرباك الامني، الذي أشاعه تفجير الكرنتينا، وما سيحمله موسى الى بيروت اليوم، فإن الجبهات السياسية على اختلاف مواقعها بدءاً من مجلس الامن الى باريس، فالقاهرة، الى الداخل اللبناني، واصلت قصفها السياسي، مع العزف على وتر التدويل، وهو الأمر الذي وجد صدى مثيراً للتساؤل في بكركي، حيث اعتبر البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير أن التدويل هو أبغض الحلال، «ولكن هذا أمر على ما يبدو أننا مقبلون عليه، لأنه تراءى لنا ان الحلول عاجزة حتى الساعة». هذا الموقف علق عليه الوزير السابق سليمان فرنجية بقوله «مع احترامي لبطريركنا، فهو موظف عند السفارة الأميركية وعند السفارة الفرنسية».
وفي هذا السياق، أعلن المندوب الفرنسي في الامم المتحدة جان موريس روبير، عن استعداد بلاده لإعادة طرح ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان في حال فشل الجهود التي يقوم بها الامين العام للجامعة العربية.
وقال روبير إن ما صرح به وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشــنير هو التأكيد على «الدعم القوي» لجهود الوساطة العربية. وأضاف: في حالة لم تكن هناك إمكانية لنجاح جهود الجامعة العربية على الارض، فسيتوجب علينا العودة الى الامم المتحدة. وفي الوقت الحالي، نحن ندعم بوضوح وبقوة جهود الوساطة العربية، وسنقوم بما في وسعنا للمساعدة، ولكننا على استعداد للعودة مرة اخرى الى الامم المتحدة، اذا لم تنجح هذه الجهود.
غير ان الناطقة باسم الخارجية الفرنسية باسكال اندرياتي نفت أن تكون باريس بصدد الإعداد لمشروع قرار من مجلس الامن بشأن لبنان. واضافت: للامم المتحدة دور مهم جداً في ملف لبنان، ومن اكثر من زاوية، ويتابع مجلس الامن بشكل خاص الملف اللبناني بكثير من الاهتمام.
وفي موازاة ذلك، برز دخول الرئيس المصري حسني مبارك على الخط اللبناني محذراً، مرة ثالثة، من موقف خطير جداً، في حال لم يتم انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، معتبراً أن المبادرة العربية هي أفضل حل.
وجاء ذلك، بالتزامن مع موقف حاد لوزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط يصب في الخانة الأكثرية، حذر فيه من انه في حال لم ينجح موسى، فإن الاجتماع الوزاري العربي في السابع والعشرين من الشهر الجاري، سيؤشر الى مسؤولية الطرف الذي عطل ولم يسهل الاتفاق. وقال إن العرب يستطيعون اذا تحركوا في ضوء الحقائق التي قد تسلم إليهم، ان يلحقوا ضرراً بموقف من قد يتصورون انه يعرقل الحل في لبنان.
والمثير في موقف ابو الغيط، رفضه ما وصفها «المثالثة» في الحكومة، «فهناك انتخابات نيابية جرت في نيسان 2005 وأسفرت عن غالبية وأقلية، في حين أن منهج المثالثة يساوي بين الأقلية والغالبية في عدد الأصوات، وجميع العرب أجمعوا على هذه الرؤية».
في هذه الأثناء خصص الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كامل خطابه العاشورائي، الليلة الماضية، للوضع السياسي في لبنان والمنطقة، فعبر بداية عن استنكار الحزب وإدانته لأي تفجير يحصل على الارض اللبنانية، بمعزل عن المستهدَف، «وبالأخص اذا ادى الى سقوط ابرياء وله تداعيات خطيرة على امن البلد واستقراره.. هذا في كل الاحوال امر مدان..».
وأشار نصرالله الى ان الموالاة تراهن على متغيرات لبنانية وإقليمية في المرحلة المقبلة. وأوضح ان هذه المتغيرات هي ضرب إيران وعدوان إسرائيلي على لبنان يغيران المعادلات. لكنه أكد أن متغيرات المنطقة ستكون لمصلحتنا وليست لمصلحة الموالاة.
ورد نصر الله على كلام وزير الخارجية الفرنســي برنار كوشنير عن التدويل، فقال إن حل الأزمة في لــبنان «لا يكون من خلال التدويل». وخلص إلى القول: نحن قادرون على منع أي أحد في هذا العالم من أن يفرض على بلدنا وشعبنا ما لا يتماشى مع مصلحتهما.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد