دور سورية في تقويض الاستقرار الإقليمي
الجمل: بتاريخ 12 كانون الأول الماضي، قدم ديل دايلي السفير ومنسق شؤون مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية محاضرة بمنتدى السياسة الخاص، حملت عنوان «إستراتيجية كل عناصر القوة من أجل مكافحة الإرهاب». وقبل هذا التاريخ بشهر ونصف تقريباً نشر مركز أورشليم للشؤون العامة تقريراً حمل عنوان «دور سوريا في تقويض الاستقرار الإقليمي: وجهة النظر الأمريكية»، أعده اليهودي الأمريكي ديفيد شينكر، مدير مكتب وزير الدفاع الأمريكي لشؤون سوريا، لبنان، الأردن، والأراضي الفلسطينية، وعضو هيئة مستشاري معهد الشؤون الجارية المعاصرة التابع لمركز أورشليم للشؤون العامة.
* "إرهاب سوريا": إشكالية القفز من "التوصيف" إلى "النتائج المعدة سلفاً":
على أساس اعتبارات المضمون، تمثل ورقة ديفيد شينكر "الإدراك" وتمثل محاضرة السفير ديل دايلي "تعبئة موارد القوة"، وعلى هذه الخلفية، فإن الجمع بين الإدراك وتعبئة موارد القوة يشير إلى الهدف والجهد اللازم لاستهدافه.
• ورقة ديفيد شينكر: أشارت مقدمة الورقة إلى أربع نقاط تتعلق بسوريا:
* الدكتور أندرو زيميل، مساعد نائب وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون سياسة ضبط ومنع انتشار الأسلحة النووية والمفاوضات، حذر من أن يكون لسوريا عدد من المزودين السريين الذين يمدونها من اجل برنامجها النووي السري.
* جون سي روود مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الأمن الدولي وحظر انتشار الأسلحة النووية حدد في تشرين الثاني 2006م، مشيراً بالتحديد إلى أن سوريا تقوم بإجراء البحوث والتطويرات اللازمة لإقامة برنامج الأسلحة البيولوجية الهجومي.
* الجنرال ديفيد بتراوس خلال إفادته أمام الكونغرس الأمريكي في 10 أيلول 2007م الماضي، قدم الخرائط التي تشير إلى دور سوريا الرئيسي كمصدر للمقاتلين الأجانب الذين يدخلون العراق. واحتوت إحدى الخرائط على أسهم توضح مصادر وطرق تحركات هؤلاء المقاتلين الأجانب من داخل سوريا إلى العراق.
* لجنة الأمم المتحدة للتحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري أشارت في تقريرها لاتهام بعض المسؤولين السوريين.
* تستضيف سوريا المنظمات الإرهابية لعدة حقب. وسوريا إلى جانب إيران متورطة في هجوم تشرين الأول 1983م الذي استهدف ثكنات قوات المارينز في بيروت والذي أدى إلى مقتل 241 أمريكياً.
* حزب الله السعودي الذي نفذ هجوم عام 1996م ضد أبراج الخبر السعودية مما أدى إلى مقتل 19 أمريكياً، هو حزب يستخدم سوريا كقاعدة للتدريب، واجتماع مخططي الهجوم كان في السيدة زينب في مدينة دمشق.
* خلال حرب صيف عام 2006م، زودت سوريا حزب الله اللبناني بالعتاد العسكري المتطور. وبرغم القرارات الدولية فقد ظلت سوريا مستمرة في دعم وإعادة تسليح حزب الله.
أما تحليل ديفيد شينكر فقد ركز على الخطوط العامة الآتية:
* ظلال التحقيق الدولي: أشار إلى أن سوريا تنظر إلى التحقيق الدولي باعتباره خطراً عليها وأشار إلى أن السوريين هددوا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإشعال المنطقة من بحر قزوين حتى الشرق الأوسط إذا تم إنشاء المحكمة.
* الدعم السوري للإرهاب: ركز على محاولة سوريا تقويض القرار الدولي 1701.
* أنشطة أسلحة الدمار الشامل السورية: أشار إلى تقرير جون سي روود مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية في مؤتمر معاهدة الأسلحة البيولوجية السادس إلى أن سوريا بجانب إيران وكوريا الشمالية قد فشلت في الالتزام والتقيد بمعاهدة الأسلحة البيولوجية.
* التحضير للحرب: أشار إلى قيام سوريا باستخدام دعم الإرهاب، والتصريحات المعادية لإسرائيل، بما يشير إلى أن سوريا تحضر للحرب ضد إسرائيل.
* التمرد العراقي: أشار إلى مسؤولية سوريا في دعم ومساعدة المسلحين العراقيين الذين يهاجمون القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي.
• محاضرة السفير ديل دايلي أشارت إلى النقاط الآتية:
* أصبح العالم متصلاً بشكل مستمر ولا يمكن رسم أي خط فاصل بين المصالح الأمنية وجهود التنمية ودعم أمريكا للديمقراطية.
* يجب على الدبلوماسية الأمريكية أن تدمج وتطور الأهداف المتعلقة بالمصالح الأمنية وجهود التنمية ودعمها للديمقراطية بشكل متكامل.
* إستراتيجية أمريكا في القضاء على الإرهاب يجب أن تكون متعددة الهياكل، وذلك بما يتضمن الآتي:
- حملة عالمية لمكافحة تطرف العنف.
- تفكيك وتقويض الشبكات الإرهابية.
- جهود التعاون الإقليمي الهادفة إلى حرمان الإرهابيين من الملاذ الآمن.
- برامج مساعدات الأمن والتنمية التي تهدف لبناء المؤسسات الديمقراطية.
- دعم نفاذ القانون.
- مواجهة المظالم الاقتصادية والسياسية.
- تطوير القدرات العسكرية والأمنية.
* يجب أن لا تكون مهمة أمريكا في الحرب على الإرهاب مهمة "تدميرية" تهدف فقط إلى القضاء على الإرهابيين وشبكات الإرهاب، وإنما مهمة "بنائية" تهدف إلى بناء الشرعية والحكم الرشيد والمصداقية، وحكم القانون، وخلق الفرص الاقتصادية وإتاحة الحريات الشخصية.
ثم تعرضت محاضرة السفير دايلي إلى محاولة الإجابة على التساؤلات المتعلقة بـ: التقدم الذي تم إحرازه والعمل الأكبر الذي ما زال متبقياً، وفي بقية المحاضرة تطرق السفير إلى:
• ضرورة المضي قدماً في عملية سلام الشرق الأوسط، والتعاون مع المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص فرنسا.
• تكثيف الجهود المحلية والإقليمية والدولية من أجل بناء الشراكات الهادفة إلى استئصال الإرهابيين وشبكاتهم واعتبار تنظيم القاعدة التحدي الأهم في هذه المرحلة.
* الإدارة الأمريكية: حلقة "إدارة الإرهاب.. أم إرهاب الإدارة"؟
تطور الفكر من مثالية الأسطورية الميثوبية إلى الواقعية، إلا فكر الإدارة الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً سوريا ولبنان وفلسطين فقد تطور ضمن مسيرة معاكسة تماماً نقلته من الواقعية إلى مثالية الأسطورية الميثوبية.
وتأسيساً على ذلك، لم يعد إرهاب الإدارة الأمريكية قائماً بالمعنى الذي كان عليه أيام المكارثية ومبدأ جونسون وغيرهما، وإنما أصبح بالمعنى الذي يمثل "صناعة" متكاملة، له مدخلات وله مخرجات، ويعمل وفق منظومة من الآليات، وإذا تتبعنا عملية صناعة الإرهاب لوجدنا أنها تعتمد نموذج التصنيع التكاملي:
• مرحلة المواد الخام: وتتمثل في الندوات والأوراق التي يقدمها خبراء من نوع ديل دايلي وديفيد شينكر.
• مرحلة المعالجة الأولية: وتتم عن طريق إدماج مضمون هذه الأوراق والندوات ضمن التقارير المقدمة للكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية.
• مرحلة المعالجة المتقدمة: وتتمثل في عملية إعداد القرارات والتشريعات وإصدارها عن طريق الكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية.
• مرحلة التصنيع النهائي: وتتمثل في إصدار القرارات الرسمية.
• مرحلة التسويق: وتتمثل في عملية بناء التحالفات وتجميع الشركاء، وتحريك المنظمات الدولية والإقليمية كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
* مكانة سوريا في "صناعة الإرهاب":
حتى الآن وبرغم مرور العديد من السنوات على قيام الإدارة الأمريكية باعتماد سوريا ضمن البلدان الراعية للإرهاب فإنه:
• لم يتم حتى الآن ضبط أي أسلحة أرسلتها سوريا لأي جماعة إرهابية في أي رقعة من العالم.
• لم يتم حتى الآن إعلان أي جهة إرهابية بأنها تتلقى دعمها من سوريا.
• اعتقلت المخابرات الأمريكية والقوات الأمريكية الموجودة في العراق آلاف ومئات من عناصر الجماعات المسلحة، وحتى الآن لم يثبت أن أحدهم قد اعترف بأنه تلقى التدريب والدعم في سوريا.
• تقوم "الأعين الخفية" التابعة لأجهزة المخابرات الأمريكية والغربية بمتابعة ورصد التحويلات المالية بدقة متناهية ولم يثبت حتى الآن أن دولاراً واحداً قد تم تحويله بواسطة سوريا إلى أي إرهابي أو منظمة إرهابية.
• تستطيع أقمار التجسس التابعة للبنتاغون ووكالة الأمن القومي الأمريكي رصد وتصوير أدق التفاصيل الموجودة على سطح الأرض، وتحديد نوع المعدان الموجودة في طبقات باطن الأرض الداخلية، وبرغم أن الأقمار الناعية المخصصة لرصد منطقة الشرق الأوسط تبلغ العشرات، إن لم نقل المئات، فإنه لم يتم حتى الآن، عرض أي معلومات:
* تشير إلى تحركات ميدانية مريبة عبر الحدود السورية مع البلدان الخمسة المجاورة لها.
* تشير إلى التقاط أقمار التنصت الإلكتروني الفضائي، أي مكالمة بين أي طرف سوري وطرف إرهابي.
وبرغم كل هذه الحقائق، فإن "صناعة الإرهاب" ما تزال تلقى الرواج والدعم والتمويل، وأيضاً "التصديق" بواسطة من يقومون بالإشراف على إنجاز المراحل التصنيعية، وتقول تجربة التاريخ بأن الفنان الإيطالي مايكل أنجلو قد صنع تمثالاً وبعد اكتماله أعجب به ومن فرط إعجابه "صدق" أن هذا التمثال لا بد أن يكون إنساناً، وحاول التحدث معه وعندما لم يرد التمثال غضب أنجلو غضباً شديداً وضرب التمثال بالمطرقة الحديدية التي كان يحملها وقد خلفت الضربة تشوهاً في أحد جوانب التمثال يراه الزائرون لمعرض النحات مايكل أنجلو حتى اليوم في تمثال "المسيح"!! والآن، فإن ديفيد شينكر وغيره يتزايد تصديقهم يوماً بعد يوم وأكثر فأكثر للمعلومات التي قاموا مسبقاً بتركيبها بدليل أنهم ما زالوا حتى الآن يحاولون الاستدلال بفقرات تقرير المحقق الدولي اليهودي الألماني ديتليف ميليس برغم افتضاح أمر تزويرها، وبرغم أن صاحبها استقال وخجل من مواجهة أسئلة الصحفيين والإعلام الدولي فإن مكافأة "الجهد المزور غير المكتمل" الذي قام به والذي افتضح أمره كانت عشرة ملايين دولار، فهل سوف ينجح ديفيد شينكر والإدارة الأمريكية في إعادة بث الروح في تقرير ميليس، أم أنه سيواجه أزمة الفنان مايكل أنجلو؟؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد