دبلوماسية البوارج الأمريكية لحل العقدة السورية في المسألة اللبنانية

الجمل: في إجراء تصعيدي جديد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن صدور أوامرها لثلاثة بوارج أمريكية حربية بالتحرك من نقطة ارتكازها في جزيرة مالطا إلى التمركز قبالة السواحل اللبنانية.
* تصعيدات شرق المتوسط: أبرز التساؤلات:
القراءة في خارطة مسرح شرق المتوسط تشير إلى أنه مسرح قد أصبح مع حلول صيف العام 2008م يبشر بالمزيد من التصعيد مع قدوم الربيع الذي بدأت تباشيره أكثر سخونة، وحالياً يتضمن مسرح شرق المتوسط النقاط الساخنة التالية:
• أزمة الرئاسة اللبنانية.
• أزمة قطاع غزة.
• أزمة شمال العراق.
• أزمة الجولان المحتل.
• أزمة البرنامج النووي الإيراني.
• أزمة احتلال العراق.
وعلى خلفية هذه الأزمات نشأت المزيد من الأزمات الفرعية، فهناك أزمة مفاوضات أنابوليس والصراع الفلسطيني – الفلسطيني، وهناك أزمة قمة دمشق والخلافات العربية – العربية، وهناك أزمة إسرائيل – حزب الله واحتمالات انتقام حزب الله بسبب اغتيال قائده العسكري عماد مغنية، وهناك أزمة الصراع الكردي – التركي. في معرض تداعيات هذه الأزمات وتورط "الأطراف الثالثة" المتمثلة في خط تل أبيب – واشنطن – باريس – لندن، فقد أصبحت منطقة شرق المتوسط والخليج العربي مرشحتين للاشتعال واندلاع نيران الحرب الدولية والحروب الأهلية خلال الأشهر الماضية.
* تحدي العامل السوري وعودة "دبلوماسية البوارج" الأمريكية:
ارتبكت كل الحسابات الإقليمية الإسرائيلية والأمريكية المتعلقة بمنطقتي شرق المتوسط والخليج العربي بفضل وجود العامل السوري الذي بات يشكل عقبة أمام محاولات محور تل أبيب – واشنطن للقيام بتنفيذ عملية انقلاب جيوبوليتيكي يؤدي إلى تغيير وإعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط والأدنى. تَشكّل مصطلح "دبلوماسية البوارج" خلال فترة حروب الإمبراطوريات الأوروبية عندما كانت هذه القوى تبرز قوة أساطيلها البحرية بشكل استفزازي في مواجهة القوى الأخرى المناوئة لها بما يؤدي إلى ممارسة المزيد من العنف الرمزي ضدها بما يدفعها إلى تغيير مواقفها والاستجابة للإملاءات المطلوبة، أو مواجهة التصعيدات الجديدة التي قد تتضمن العمل العسكري. وقد نشطت دبلوماسية البوارج خلال فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وخاصة في فترتها مرتفعة الشدة التي تضمنت قيام الأساطيل البحرية الأمريكية والسوفيتية بالمزيد من المناورات والتحركات البحرية التي كانت تهدف إلى تقديم الإسناد للصراع الدبلوماسي بين الطرفين. أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي فقد تصاعدت التحركات الدبلوماسية الأمريكية والغربية الهادفة إلى احتواء المنطقتين وإدماجهما بشكل تام ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، ولكن كافة التحركات تحطمت في النهاية في مواجهة العامل السوري الذي ما زال عصياً على إعادة التشكيل القسري:
• لم تنجح عملية اغتيال الحريري وإخراج القوات السورية من لبنان في القضاء على المقاومة الوطنية اللبنانية والتوصل إلى اتفاقية سلام إسرائيلية – لبنانية تعطي إسرائيل الحق في جنوب لبنان والوصاية على بيروت.
• لم تنجح التهديدات الأمريكية في إرغام دمشق على القبول بالابتزاز الأمريكي والقيام بمساعدة أمريكا في السيطرة على العراق ودعم الجهود الإسرائيلية في القضاء على حزب الله وحركة حماس بما يفسح مجالاً أمام محور تل أبيب – واشنطن للقيام بضرب إيران.
• لم تنجح الضغوط الأمريكية المعلنة وغير المعلنة في إرغام دمشق على القبول بالتخلي عن الجولان وضمها إلى إسرائيل مقابل اتفاقية سلام تسقط مبدأ الأرض مقابل السلام لصالح مبدأ السلام مقابل السلام.
على خلفية قرار واشنطن بإرسال البوارج الأمريكية الثلاثة قبالة الساحل اللبناني أورد موقع غلوبال ريسيرتش الكندي تقريراً أشار إلى النقاط التالية:
• قرار واشنطن بإرسال البوارج الأمريكية الثلاثة قبالة الساحل اللبناني لإبراز التأييد والدعم الأمريكي لعملية الاستقرار الإقليمي هو قرار سيؤدي إلى إحداث التوتر والهيجان داخل لبنان مما يدفع إلى تصعيد الأزمة اللبنانية.
• أعلن البنتاغون بأن البوارج الثلاثة (ومن بينها المدمرة «كول» التي سبق أن تعرضت لهجوم في الساحل اليمني) قد تم بسبب الاهتمام بالوضع اللبناني على خلفية الأزمة التي لم يسبق أن تعرض لها لبنان منذ الحرب الأهلية 1975 – 1990م.
• تختلف الأطراف اللبنانية المتصارعة في نظرتها إلى قرار إرسال البوارج الأمريكية:
* قوى 14 آذار تنظر لها باعتبارها تهديداً لسوريا وإيران وحزب الله وحلفائه.
* قوى 8 آذار بقيادة حزب الله تنظر لها باعتبارها تدخلاً عسكرياًَ أمريكياً – إسرائيلياً يهدف إلى دعم قوى 14 آذار وحكومة السنيورة.
* أعلن رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة بأن حكومته لم تطلب إرسال البوارج الأمريكية، ورداً على استفسارات حكومة السنيورة رد القائم بالأعمال الأمريكي ميشلي سيسون قائلاً بأن البوارج الأمريكية تتواجد في المياه الدولية –أي خارج المياه اللبنانية- وبأن وجودها في المنطقة يهدف إلى ضمان الاستقرار الإقليمي.
* حاولت حكومة السنيورة وقوى 14 آذار التملص من مسؤولية حضور البوارج الأمريكية وقد حاول فؤاد السنيورة الزعم بأن حضور البوارج الأمريكية قبالة الساحل اللبناني هو أمر يشكل انتهاكاً وخرقاً للسيادة اللبنانية. وبهذا الخصوص أشار عدد من المراقبين والمحللين إلى أن حكومة السنيورة ليس لديها الخيار في الوقت الحالي في رفض وإدانة وجود البوارج الأمريكية.
• حضور البوارج الأمريكية يمثل نوعاً من استعراض القوة الهادف إلى دعم قوى 14 آذار وحكومة السنيورة في مواجهة سوريا وإيران وحزب الله وحلفائه.
• حضور البوارج الأمريكية يأتي ضمن عملية ضغط عسكري – دبلوماسي يهدف إلى إرغام قوى 8 آذار بقيادة حزب الله على الإذعان لعملية انتخاب الرئيس الجديد في جلسة مجلس النواب اللبناني المحدد لها يوم 11 آذار 2008م القادم.
• حضور البوارج الأمريكية مع إعلان قوى 8 آذار وحزب الله عن عدم الاستعداد للتنازل إذعاناً لرغبة أمريكا والرضوخ لخيارات قوى 14 آذار وتنفيذ الشروط الإسرائيلية، سوف تؤدي جميعها إلى احتمالات اندلاع الصراع اللبناني – اللبناني في حالة فشل جلسة مجلس النواب القادمة، وفي حالة اندلاع الصراع فإن هناك احتمالات كبيرة بأن يتسع نطاق الصراع بما يشمل سوريا وإيران.
• أشار الجنرال ميشيل مولين رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة بأن قرار إرسال البوارج الأمريكية لا يرتبط حصراً بالانتخابات الرئاسية اللبنانية وإنما للتأكيد بأن أمريكا حاضرة في تعاملها مع المنطقة إضافة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تقصد مجرد إرسال الإشارات إلى بلد واحد بعينه في المنطقة دون الآخرين.
• أشار العديد من المراقبين والمحللين بأن الحضور العسكري الأمريكي في منطقة شرق المتوسط المضطربة قد يؤدي إلى عملية اصطفاف داخلي بين طرف مؤيد لأمريكا وطرف معارض لأمريكا على غرار نموذج الاصطفاف السياسي العراقي الذي حدث يعد قيام القوات الأمريكي بغزو واحتلال العراق.
• الحضور العسكري الأمريكي الجديد في المنطقة الذي بدأ عن طريق استعراض القوة بإحضار البوارج الأمريكية هو حضور يؤكد على أن أمريكا قد فشلت في تقديم الحلول السياسية المناسبة.
• اختلفت تفسيرات وتعليقات المحللين العسكريين إزاء عملية استعراض القوة الأمريكية عن طريق إحضار البوارج الأمريكية وأبرز التفسيرات تشير إلى الآتي:
* التحرك الأمريكي هو مجرد محاولة لإظهار قدرة أمريكا على استخدام القوة العسكرية في كامل المنطقة الإقليمية التي تضم التحالف السوري – الإيراني.
* الولايات المتحدة لن تتورط في تدخل عسكري في لبنان ضد حزب الله وحلفائه في المنطقة تجنباً لأخطاء الماضي وتداعياته التي ترتبت على ما سبق أن تعرضت لها  القوات الأمريكية في حقبة الثمانينات عندما تم إرسال السفينة الحربية الأمريكية نيو جرسي ومشاة البحرية الأمريكية إلى لبنان.
* دبلوماسية البوارج الأمريكية وما وراء الأزمة اللبنانية:
حتى الآن ما هو معلن يتمثل في أن البوارج الأمريكية الثلاثة المتواجدة قبالة الساحل اللبناني تهدف للتأكيد على اهتمام الولايات المتحدة بالاستقرار الإقليمي والأزمة اللبنانية، أما على الصعيد غير المعلن فتقول المعلومات والتسريبات التي أوردتها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الصادرة صباح اليوم:
• شنت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية حملة مشتركة من أجل الضغط على سوريا لإنهاء تدخلها السياسي في لبنان وقد تضمنت هذه الحملة الآتي:
* نشر البوارج الأمريكية الثلاثة قبالة الساحل اللبناني .
* قيام إدارة بوش باتخاذ إجراءات وخطوات دبلوماسية واقتصادية أكثر تشدداً بما في ذلك عقوبات الإدارة الأمريكية ضد النظام السوري والقرار التنفيذي الرئاسي الذي أصدره الرئيس بوش لجهة استهداف بالمسؤولين والأفراد السوريين.
* قيام المملكة العربية السعودية بسحب سفيرها من دمشق وممارسة الضغوط على مؤتمر القمة العربية القادم.
• التفاهم الأمريكي – السعودي حول سوريا والأزمة اللبنانية بدأ في كانون الماضي عندما التقى الرئيس بوش مع الملك السعودي عبد الله  في الرياض وتفاهما حول القيام بجهد سعودي – أمريكي مشترك إزاء سوريا ولاحقاً بعد ذلك ناقش وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل التفاصيل في اجتماع البيت الأبيض الأمريكي الذي عقد بتاريخ 5 شباط 2008 وضم الاجتماع بالإضافة إلى الأمير سعود كل من ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي وكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي الأمريكي.
• أدى اجتماع الأمير سعود في البيت الأبيض إلى نقاش وحوار واسع داخل الإدارة الأمريكية بما أدى إلى التفاهم حول خطة الإدارة الأمريكية بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين والعرب. وصرح مسؤول أمريكي رفض الإشارة إلى اسمه لصحيفة واشنطن بوست بأن السوريين سوف يرون ذلك ضمن سياق الإجراءات التي ستتخذها الإدارة الأمريكية.
دبلوماسية البوارج الأمريكية التي سبق أن بدأت منذ فترة طويلة في مياه شرق المتوسط وتوقفت بعد الخسائر الفادحة التي تعرضت لها واشنطن هي دبلوماسية على ما يبدو قد عاودت الظهور مرة ثانية في المنطقة، وتقول المعلومات بأن المدمرة كول الأمريكية لن تستمر في التواجد لفترة طويلة لأنها غير مجهزة للبقاء لفترات طويلة. وتجدر الإشارة إلى أن البارجة الأمريكية "ناساو" قد صدرت لها الأوامر بالتحرك إلى شرق المتوسط، ومعنى هذا أن تواجد البوارج الأمريكية سيستمر لفترة طويلة قادمة، وبرغم ذلك كما قال أحد خبراء شؤون الشرق الأوسط بمركز سابات التابع لمؤسسة بروكينغر الأمريكية، بأن دبلوماسية البوارج الأمريكية لم تثبت أي فعالية في لبنان وأضاف العديد من الخبراء الأوروبيين آراءً تؤكد بأن الجهد الأمريكي – السعودي الجاري حالياً لن يستطيع التأثير على دمشق أو إجبارها على تغيير مواقفها.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة