خيارات إسرائيل المتاحة ضد الفلسطينيين
الجمل: حتى الآن لم يقم الإسرائيليون باقتحام قطاع غزة ولا الضفة الغربية اقتحاماً كاملاً، وفقط يكتفون بتشديد الضغط على هاتين المنطقتين مع القيام بعمليات عسكرية بين الحين والآخر، وفي محاولة تفسير الأهداف الحقيقية لهذا الموقف برزت بعض التحليلات التي تحاول تقديم إجابة عن حقيقة وطبيعة الأهداف والنوايا الإسرائيلية الحقيقية غير المعلنة إزاء أراضي الضفة والقطاع وإزاء سكانها الفلسطينيين.
* معطيات خبرة الاعتداءات الإسرائيلية:
تتراوح خبرة الاعتداءات الإسرائيلية بين العمليات العسكرية المنخفضة الشدة والمرتفعة الشدة وتشير الوقائع إلى أنه بغض النظر عن القتلى الفلسطينيين فقد أدت الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية إلى موجات نزوح فلسطيني كبيرة داخل وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحالياً لا توجد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المجاورة لفلسطين مثل سوريا ولبنان والأردن ومصر فحسب، وإنما داخل الأراضي الفلسطينية حيث تنتشر مخيمات للاجئين في كافة المدن الفلسطينية.
* نظرية الأمن الإسرائيلي والوجود الديمغرافي الفلسطيني:
تقول التسريبات الإسرائيلية الواردة بأن إحدى حسابات نظرية الأمن الإسرائيلي تتعلق بالعامل الديمغرافي الفلسطيني لجهة أن تزايد أعدادا الفلسطينيين يشكل خطراً يهدد الأمن الإسرائيلي.
يفكر خبراء الأمن الإسرائيليون حالياً في طريقة "مناسبة" للتقليل من الوجود الديمغرافي الفلسطيني الذي أصبح "أكبر مما يجب" في نظر الإسرائيليين، وعلى هذه الخلفية هناك العديد من الحلول والبدائل التي يقوم خبراء الأمن الإسرائيلي بعملية المفاضلة والمعايرة بينها:
• خيار القتل الجماعي: برغم محاولة الإسرائيليين التنصل من ذلك، فقد ارتكب ماتان فيلناي نائب وزير الدفاع الإسرائيلي خلال الأسابيع الماضية خطأً فادحاً عندما تملكه الغضب وأفلتت منه كلمة "المحرقة" وهدد متوعداً الفلسطينيين بالمحرقة وعمليات القتل الجماعي القادمة.
• خيار العمليات العسكرية: لاحظ الإسرائيليون أن إسرائيل سبق أن شنت عمليات عسكرية منخفضة الشدة ضد المجتمعات والمدن الفلسطينية، وترتب عليها حركة نزوح سكان ديمغرافي فلسطيني محددة، أما العمليات العسكرية الإسرائيلية المرتفعة الشدة، مثل حرب 1948م و1967م، فقد ترتب عليها عمليات نزوح سكاني ديمغرافي فلسطيني مرتفعة الشدة وتحديداً إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.
• خيار الضغوط الاقتصادية: لاحظ الإسرائيليون أن الضغوط الاقتصادية ضد المناطق الفلسطينية قد أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسكان الفلسطينيين، ومن الممكن تشديد هذه الضغوط أكثر فأكثر بما يؤدي إلى عملية تهجير جماعي للفلسطينيين بحثاً عن الرزق والمعيشة في البلدان العربية.
*التطهير العرقي أم التهجير الجماعي:
المطلوب إسرائيلياً في جميع الأحوال هو عدم الإبقاء على الكتلة الديمغرافية الفلسطينية الموجودة حالياً في الأراضي الفلسطينية لجهة أنها:
• تتميز بالتزايد في حجمها بسبب تزايد معدلات المواليد في المجتمع الفلسطيني.
• تتميز بالتماسك الاجتماعي الشديد.
• تتميز بتزايد المشاعر الدينية والانتماء القومي العربي.
وتشير التحليلات إلى أن إحدى الخيارات الإسرائيلية المطروحة تمثلت في إشعال حرب أهلية فلسطينية – فلسطينية تؤدي إلى سقط أعداد كبيرة من الضحايا والقتلى من الفلسطينيين، وعلى وجه الخصوص الواقعين ضمن الفئة العمرية 15-50 عاماً. ولكن تبين لاحقاً أن مخطط إشعال الحرب الأهلية الفلسطينية من الصعب تنفيذه، إضافة إلى أن كل محاولات إسرائيل لإحداث الفتنة بين الفلسطينيين لم تؤدي إلا لبعض العمليات المحدودة التي سقط فيها عدد محدود جداً من القتلى والضحايا.
* البدائل الإسرائيلية الجديدة: أبرز التوقعات:
اللجوء إلى خيار عمليات القتل الجماعي هو أمر صعب بالنسبة للإسرائيليين لأنه يتطلب:
• إيجاد الذرائع المناسبة.
• استخدام إسرائيل لأسلحة الدمار الشمال.
• مواجهة الرأي العام العالمي.
• مواجهة موجة عداء إقليمي شديدة الخطورة.
كذلك، فإن خيار اللجوء إلى العمليات العسكرية المرتفعة الشدة، وشتى الحروب على غرار حروب 1948 و1967 سيترتب عليه خسارة إسرائيل للمزيد من الضحايا، إضافة إلى احتمالات أن تعجز إسرائيل في السيطرة على تداعيات الحروب، بحيث ترفض الأطراف العربية الدخول في أي اتفاق لوقف إطلاق النار مع الإسرائيليين بحيث تجد إسرائيل نفسها في غمار حرب لامتماثلة على غرار نموذج الحروب الإسرائيلية ضد حزب الله اللبناني في صيف عام 2007م وهو الأمر الذي لا يرغب الإسرائيليون في التورط فيه مرة أخرى. أما خيار الضغوط الاقتصادية والسياسية والأمنية فهو الخيار الذي ينخر فيه حالياً عن طريق:
• إرهاق الفلسطينيين بالمفاوضات والمباحثات الطويلة غير المجدية التي لا تجلب لهم سوى الإحباط والانقسامات.
• تقويض البنيات التحتية الاقتصادية في الأراضي والمناطق الفلسطينية مما يجعل السكان الفلسطينيين يواجهون ظروفاً صعبة متدهورة يصعب عليهم المعيشة ضمنها.
• قطع الإمدادات والخدمات عن هذه المناطق.
• القيام برفع وتائر القمع السياسي والأمني ضد السكان الفلسطينيين بشكل متعمد وبالذات الاغتيالات المستهدفة المستمرة وحملات المداهمة والتفتيش والاعتقال لفترات طويلة جداً بلا محاكمة.
وتقول التحليلات أيضاً بأن إسرائيل ستحاول التوصل مع مصر والأردن إلى اتفاقيات تتعلق بعملية إدارة المعابر الموجودة بين الضفة الغربية والأردن، وبين مصر وقطاع غزة، بحيث يسمح للفلسطينيين الذين يرغبون في مغادرة الأراضي الفلسطينية الخروج مرة واحدة وعدم السماح لهم بالعودة مرة أخرى، وتقول التوقعات بأن الإدارة الأمريكية سوف تستخدم سلاح المعونات ضد البلدان العربية لإرغامها على الموافقة على ذلك. كذلك، سوف تشمل الاتفاقيات إن تمت، الموافقة على الحد من السماح بتدفق المساعدات والمعونات العربية إلى الأراضي الفلسطينية لأن الإسرائيليين لاحظوا أن عملية الحصار الطويلة التي فرضها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة، لم تؤدي في نهاية الأمر إلى خلق موجة نزوح كبيرة من القطاع إلى البلدان العربية والسبب الرئيسي في ذلك هو وصول المساعدات والمعونات عبر الجانب المصري إلى داخل قطاع غزة الأمر الذي عزز قدرة الفلسطينيين الموجودين في القطاع على الصمود والمقاومة وعدم النزوح.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد