العراق أمام المجهول
الآن، وبعد خمس سنوات على احتلال العراق، لا يحتاج المشهد الكارثي لأرض السواد، إلى مهارات التوصيف والتحليل، لاكتشاف حجم الكارثة التي أصابت العراق والعراقيين، والوطن العربي في آن.
فالحرب الأمريكية الخرقاء، كانت مشحونة بالأكاذيب والمبررات الفاقدة للصدقية، وكانت قرصنة فجة بامتياز، ضحاياها من الدماء العراقية والأمريكية تفيض عن مساحة العقل والضمير والأخلاق، واساءت الى أمريكا لعقود قادمة، على حد قول بريجنسكي، حينما أصيبت قوتها العسكرية والتكنولوجية بالعمى، ولم تقم وزناً لشرعية دولية، ولا أمم متحدة، ولم تصغِ لرأي صديق حكيم، في أوروبا “العجوز” ولا في الخليج “الفتي”.
الأخطاء، منذ اليوم السابق على خطط الحرب الخرقاء، تحولت إلى خطايا عبر متوالية من القرارات، ولم تفق مجموعة الغلاة، أصحاب الرؤوس الحارة والعقول المقفلة، من غيبوبتها حتى يومنا هذا، تورط الورثة القادمون الى الإدارة الجديدة بعد الانتخابات، بمزيد من الأوحال، وبأشكال بائسة من الميليشيات الجديدة، وبديناميات مدمرة، هي حاضنات ملائمة لتفريخ ما يسمى الإرهاب، واستخفاف غير أخلاقي بالدم الإنساني، وبتحويل الكارثة العراقية إلى شقاء مزمن.
يخطئ نائب الرئيس ديك تشيني، إذا تصور أن إرسال العرب للسفراء إلى بغداد، سيكبح “النفوذ” الإيراني، فالذي أدخل الدب الى الحقل، هو المسؤول عن إخراجه، والتعامل مع التاريخ بالقطعة، يعصف بما تبقى من أمن واستقرار في المنطقة، خاصة إذا واصلت الإدارة الأمريكية المحافظة اليمينية، تعاملها مع عرب الخليج بمعزل عن سياق عام عربي أشمل وأعمق.
خمس سنوات من الجراحة الأمريكية الغليظة في الجسد العراقي، عبثت مباضع رجاله وميليشيات طوائفية وزعامات مصنعة، في النسيج الحي للمجتمع، فعمت الفوضى الهدَّامة، وتلوثت السياسة والأخلاق والحرث والزرع، واستيقظت ثعابين أرض السواد، وسال الدم بشكل غير مسبوق حتى تجاوز عدد القتلى مليون عراقي، وملايين أخرى من المشردين والأيتام واللاجئين، وأكثر من ثلاثة تريليونات دولار، لو خصصت لتنمية الشرق الأوسط لتحول الى شرق سعيد، يسبح ليل نهار ويحمد لواشنطن فعلها الإنساني.
هذه حرب لم تكن “نظيفة” ولا قانونية ولا أخلاقية، وسيبقى هذا اليوم، علامة مفصلية في تاريخ العراق، وتاريخ الشرق، فلا العراق الجديد ولد، ولا القديم اختفى، لكن من المؤكد، اننا كعرب تحولنا إلى متفرجين على مصير العراق، وتعاملنا معه، حتى الآن، كما لو أنه في عالم آخر واكتشفنا ربما متأخرين، أن الكمين ملغوم وان التذرر الوطني ينذر باستمرار الكارثة وأن العراق اليوم يقف أمام المجهول.
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد