مجلس الأمن يدعو اللبنانيين لضبط النفس وواشنطن تهددسوريا وحزب الله
تمكن أعضاء مجلس الأمن الدولي، أمس، من تجاوز خلافاتهم التقليدية بشأن لبنان واتفقوا على بيان شفهي مقتضب ناشدوا فيه «كل الأطراف التزام الهدوء وضبط النفس»، فيما اضاف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتنفيذ القرار 1559 تيري رود لارسن التطورات الأخيرة في لبنان الى تقريره، عارضاً تفاصيل رسالة الحكومة اللبنانية بشأن شبكة اتصالات «حزب الله».
وعلى الرغم من اللهجة الهادئة التي اعتمدها مجلس الامن لتجنب إشعال الموقف المتدهور في الشارع اللبناني، فإن المندوب الأميركي زلماي خليل زاد كان يحدد مساراً مختلفاً لمجلس الأمن حيث لوح بـ«خطوات إضافية»، بما في ذلك فرض عقوبات، إذا لم تتحرك سوريا و«حزب الله» لتسوية الأزمة في لبنان.
وأكد أعضاء المجلس، في بيان غير ملزم قرأه رئيسه الدوري المندوب البريطاني جون سورز، على «الأهمية القصوى لأن تعمل كل الأطراف سوياً من أجل حل مشاكل لبنان من خلال الحوار السلمي. كما ناشدوا كل الأطراف أن يعملوا سوياً بشكل عاجل من أجل انتخاب رئيس للجمهورية وفقاً لخطة جامعة الدول العربية».
وأضاف البيان أن «أعضاء المجلس يؤمنون بقوة بأن أفضل طريق لإنهاء التوتر وتجنب المزيد من عدم الاستقرار هو حل الأزمة السياسية الحالية».
وأكد أعضاء المجلس على «الحاجة للحفاظ على أمن وسيادة لبنان وعبروا عن دعمهم للمؤسسات الدستورية للدولة»، حيث اعتبروا أن «استقرار لبنان على المدى البعيد يعتمد على التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 1559 وكل القرارت ذات الصلة بلبنان»، معربين عن «القلق العميق من الاشتباكات التي يشهدها لبنان، بما في ذلك إغلاق الطرق الرئيسية».
ولكن البيان الذي بدا معتدلاً، في محاولة واضحة لتجنب صب المزيد من الزيت على النار، قابلته تهديدات أميركية متجددة «باتخاذ خطوات مناسبة» من أجل دفع «حزب الله» وحلفائه إلى إنهاء الأزمة الحالية في لبنان. وقال زلماي خليل زاد إن هذه الخطوات المناسبة قد تشمل «عقوبات وإجراءات أخرى» لم يرد الخوض في تفاصيلها.
واعتبر زاد في الكلمة التي ألقاها خلال جلسة المشاورات المغلقة، وحصلت «السفير» على نسخة منها، أن لبنان على «حافة الصراع»، ورأى أن قيام حزب الله «بتطوير دولة داخل الدولة، ورفض سوريا للاعتراف بسيادة لبنان هي تهديدات واضحة للسلم والأمن الدوليين. وإذا استمر هذا التوجه، فإن سوريا وإيران، بسبب دعمهما لحزب الله سيتحملان مسؤولية المخاطر التي تسببا بها للبنان والمنطقة والعالم».
وأشار زاد إلى أنّ «أحد آخر أشكال هذه الدولة داخل الدولة، كانت من خلال اكتشاف شبكة اتصالات سرية تمتد في أجزاء كثيرة في لبنان، إضافة إلى الكاميرات التي نصبها حزب الله في مطار بيروت الدولي». وأضاف أنّ «رد حزب الله كان من خلال التهديد باستخدام العنف بهدف ترهيب الحكومة والتراجع عن قراراتها».
وأكد زاد أنه «على الرغم من التحديات القائمة، فإن الولايات المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب حكومة لبنان في سعيها للدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله السياسي ووحدة أراضيه وأمنه». وأضاف أنه «في الأسابيع القادمة فإن المجلس سيكون مطالبا بالاجتماع ثانية للنظر في كيفية التعامل مع التحديات التي تواجه لبنان».
وفي تصريحات أعقبت جلسة الاستماع لتقرير لارسن، قال زاد للصحافيين «نحن نعتقد أنه يجب على حزب الله التحرك في إطار القانون وأن يتوقف عن تحدي حكومة لبنان الشرعية وأن يدعم انتخاب رئيس من دون شروط. ويجب على سوريا ترسيم حدودها وإنشاء علاقات دبلوماسية مع لبنان. ومن دون هذه التطورات، يتوجب على مجلس الأمن مواجهة هذه التحديات والتعامل مع المشكلة باتخاذ خطوات مناسبة».
ورداً على سؤال حول طبيعة الخطوات التي قد يتخذها مجلس الأمن، قال «تعلمون الخيارات المتوفرة لدى المجلــس. هــناك القــرارات وهناك العقوبات. كل هذه خيارات متوفرة للمجلس».
وكان من المقرر أصلا أن يجتمع مجلس الأمن أمس في جلسة مشــاورات مغلــقة لمناقـشة تقرير لارسن بشأن تطبيق القرار ,1559 الذي كان قدمه أواخر الشهر الماضي، وردد فيه قائمة اتهاماته الطويلة ضد حزب الله وسوريا وإيران. ولكن على إثر الاشتباكات الأخيرة في بيروت،
قالت مصادر أن بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة طلبت من رئيس المجلس أن يقدم لارسن تقريره في جلسة مفتوحة تتحول بعد ذلك إلى جلسة مشاورات مغلقة.
وأكد مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام أنه قام صباح أمس بتسليم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وأعضاء مجلس الأمن رسالة من حكومة فؤاد السنيورة «يخطرهم فيه بقرار وزير الاتصالات باعتبار شبكة اتصالات حزب الله غير قانونية وغير شرعية، وذلك بناء على القرار الذي اتخذته الحكومة بإبلاغ جامعة الدول العربية والمؤسسات الدولية بهذه التطورات».
ويعتبر إلقاء بيان شفهي باسم أعضاء مجلس الأمن أقل أنواع البيانات التي تصدر عن المجلس، تليها البيانات الصحافية ثم الرئاسية وأخيراً القرارات الرسمية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد أدت تحفظات دول عديدة، وتحديداً ليبيا وجنوب أفريقيا وأندونيسيا وكذلك روسيا بدرجة أقل، إلى تعديل البيان الشفهي وذلك لتجنب ما قالوا إنه يتضمن إشارات يفهم منها التحيز لطرف على حساب آخر.
وعادة ما تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها، فرنسا وبريطانيا، إلى تضمين البيانات الصادرة عن المجلس إشارات إلى دعم حكومة السنيورة باعتبارها الحكومة الشرعية للبنان. وكانت النسخة الأولية للبيان الشفهي الذي قرأه سورز تشير إلى «دعم المؤسسات الديموقراطية» في لبنان وقد تم تعديلها إلى «المؤسسات الدستورية».
كما تم تغيير جملة كانت تطالب تحديداً بفتح مطار بيروت واستبدالها بالمطالبة بفتح «كل الطرق». وبينما كان مشروع البيان الفرنسي ـ الأميركي الأصلي يدعو كل الأطراف إلى انتخاب رئيس جديد «من دون شروط»، فقد تم التخلي عن تلك الكلمات بناء على تحفظ عدد من الأعضاء الذين رأوا فيها تلميحاً إلى موقف «حزب الله» والمعارضة بضرورة الاتفاق أولا على تشكيلة الحكومة.
أما الفقرة الأخيرة من البيان الفرنسي فكانت تطالب بتنفيذ كافة قرارات المجلس الخاصة بلبنان بما في ذلك القرارت 1559 و1680 و,1701 بينما أصرت الدول المتحفظة على الإشارة إلى القرار 1559 فقط باعتبار أن جلسة الأمس كانت مخصصة لمناقشة تنفيذ القرار واستبدال الإشارة للقرارات الأخرى بعبارة «كل القرارات ذات الصلة بلبنان».
ولدى تلخيصه للتقرير الذي قدمه للمجلس الشهر الماضي، تناول لارسن الاشتباكات الأخيرة. وقال إن «حكومة لبنان قد أخطرت الأمم المتحدة أن حزب الله طور على طول البلاد شبكة اتصالات مؤمنة مستقلة عن تلك التابعة للدولة. ووفقاً للحكومة، فإن هذه الشبكة تغطي المنطقة جنوبي الليطاني بأكملها، وساحل البحر المتوسط بأكمله وحتى الحدود السورية. كما تغطي الشبكة بشكل كامل منطقة جبل لبنان من الجنوب إلى الشمال وعدد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين جنوبي بيروت وفي سهل البقاع، وأن الشبكة ترتبط بشبكة سورية خارج الحدود».
وأوضح أنّ الحكومة «أكدت أن هذه الشبكة غير مشروعة وأنها تمثل هجوماً على سيادة الدولة». وأضاف إن «حزب الله، أكبر الميليشيات أهمية في لبنان، يحتفظ ببنية تحتية ضخمة شبه عسكرية مستقلة عن تلك التابعة للدولة، ولهذا أثر عكسي على جهود حكومة لبنان من أجل التمتع باحتكار استخدام القوة وفرض النظام والقانون في البلد. كما أن ذلك يمثل أيضا تهديدا للسلم والأمن الإقليميين».
وحول ما إذا كان الوقت مناسبا الآن لتجديد المطالبة بنزع سلاح الميليشيات، خاصة في ضوء الموقف المتوتر في لبنان، قال لارسن إن اتفاق الطائف والقرار 1559 يدعوان لنزع سلاح الميليشيات و«من غير الممكن السماح بأية استثناءات في هذا المجال»، لكنه أوضح أن عملية نزع السلاح يجب أن تتم «من خلال مسار سياسي يؤدي في النهاية إلى تأكيد سلطة حكومة لبنان على كافة أراضيها».
وكان تقرير لارسن جدد مطالبته بالإسراع في إجراء انتخابات رئاسية، معتبراً أن استمرار فراغ هذا المنصب يساهم في تعميق الأزمة في لبنان. كما كرر مطالبته أيضا لسوريا باستئناف علاقاتها الدبلوماسية مع لبنان وترسيم الحدود بين البلدين.
وعبر لارسن كذلك عن «قلق الأمم المتحدة العميق من أنشطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة وحركة فتح الانتفاضة اللتين تحتفظان ببنى شبه عسكرية كبيرة خارج مخيمات اللاجئين وعلى طول الحدود بين سوريا ولبنان»، مشيراً إلى أنّ «سوريا تتحمل المسؤولية في مناشدة هذه الجماعات الالتزام بقرارات مجلس الأمن وقرارات حكومة لبنان».
وأضاف لارسن أن «الأمم المتحدة على دراية بالأبعاد الإقليمية» للموقف في لبنان، «ولهذا السبب، فإن الأمين العام يدعو كل الأطراف التي تحتفظ بعلاقات لصيقة مع حزب الله ولديهم القدرة على التأثير عليه، وتحديداً سوريا وإيران، بدعم تحوله إلى حزب سياسي فقط».
وقال لارسن، خلال اطلاعه مجلس الأمن على تطورات الوضع في لبنان، «ما زلنا نشعر بقلق بالغ من احتمال حدوث المزيد من التصعيد في الموقف»، وأضاف «يدعو الأمين العام جميع الأطراف إلى وقف أعمال الشغب على الفور وإعادة فتح جميع الطرق في البلاد».
ورأى لارسن ان الاشتباكات الأخيرة أظهرت ان لبنان يواجه «تحديات كبيرة لم يشهد مثلها منذ انتهاء الحرب الأهلية»، محذراً من أنّ تبعات إقليمية خطيرة قد تترتب على ذلك.
وأشار لارسن إلى ان لب الأزمة هو الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية، معتبراً أن «الفراغ الانتخابي يعزز الاستقطاب السياسي». ودعا إلى تجديد الحوار لحل المأزق بشأن انتخاب رئيس للجمهورية، مشيراً إلى أنّه يؤيد الدعوة لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد