توازن القوى الجديد في لبنان بعد أحداث 9 أيار
الجمل: أصبحت العاصمة اللبنانية بيروت تحت سيطرة قوى 8 آذار المعارضة المكونة من: التيار الوطني الحر، حزب الله اللبناني، حركة أمل، الحزب السوري القومي وحلفائهم، وبالنسبة لقوى 14 آذار فقد تلاشت تماماً سيطرتها المزعومة على العاصمة بيروت.
* محفزات صراع 9 أيار والسيطرة على بيروت:
خلال الأسابيع الماضية، فجأة وبلا مقدمات، تحدث السياسي اللبناني وليد جنبلاط عن شبكة اتصالات حزب الله مطالباً بإزالتها وبطرد السفير الإيراني من لبنان، وأعقب ذلك قيام حكومة السنيورة، التي تسيطر عليها قوى 14 آذار والمتحالفة مع الغرب وإسرائيل، بإصدار قرار بإزالة شبكة اتصالات حزب الله الذي حذر مراراً وتكراراً بأن سلاحه لا يستهدف أحداً داخل لبنان، ولما كانت هذه الشبكة تمثل "سلاح الإشارة" التابع للمقاومة اللبنانية فإن اليد التي ستمتد إلى سلاح المقاومة بما فيها شبكة اتصالاتها سيقوم حزب الله وحلفائه في المقاومة بقطعها.
أصدرت حكومة قوى 14 آذار القرار بإزالة شبكة الاتصالات وحشدت مليشياتها واستعدت تهيؤاً لاستخدام الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي من أجل تنفيذ قرار إزالة الشبكة ووضع حزب الله أمام الأمر الواقع، وبدوره قام حزب الله بعملية نشر وقائي لقواته على طريق المطار هدفها الحيلولة دون وصول أي قوة للمساس بسلاح المقاومة المتمثل في الشبكة.
لجأ ثلاثي قوى 14 آذار إلى محاولة تنفيذ عملية استباقية يسيطرون فيها على العاصمة السياسية بيروت بحيث يتسنى لهم بعد ذلك دفع الجيش إلى مواجهة مع حزب الله، وقد كشفت كاميرات التلفزة الفضائية عن الانتشار المسلح الاستباقي الآتي لمسلحي قوى 14 آذار:
• انتشار مليشيات تيار المستقبل التابعة لسعد الحريري.
• الانتشار المكثف لقناصة حزب القوات اللبنانية التابعة لسمير جعجع.
• الانتشار المكثف لمليشيات الحزب التقدمي الاشتراكي التابعة لوليد جنبلاط.
إزاء هذه العملية الاستباقية المليشياوية من جانب قوى 14 آذار بدا واضحاً أمام قيادة حزب الله بأنها أصبحت على حافة نقل الأزمة إلى وضع جديد أو مربع جديد سيؤدي بكل تأكيد إلى تغيير قواعد اللعبة بما يؤدي إلى أن يجد الحزب نفسه وجهاً لوجه في الصراع ضد الجيش.
وهكذا، بدأت قوى 8 آذار تحركها المضاد لإسقاط مخطط قوى 14 آذار ونزع فتيل الأزمة بما يؤدي إلى وضع لبنان في المسار الصحيح على حد تعبير الزعيم اللبناني الجنرال ميشيل عون. ولم يستغرق إجهاض مخطط قوى 14 آذار سوى بضع ساعات وبعدها شاهد الجميع من خلال شاشات التلفزة عناصر مليشيات المستقبل وقناصة سمير جعجع وهم يغادرون على عج مواقع تمركزهم داخل بيروت.
* الخلفية المعلنة لقرار إزالة شبكة اتصالات حزب الله:
تنظر إسرائيل لشبكة الاتصالات باعتبارها أحد عوامل قوة الحزب بسبب دورها الكبير في توفير غطاء السرية لاتصالات وتحركات من الصعب على الإسرائيليين استهدافها من الجو بسبب:
• أن قصفها يستلزم بالضرورة قصف مطار بيروت الدولي وهو أمر سيؤدي إلى خنق الاقتصاد اللبناني ورفع وتائر العداء ضد أمريكا وإسرائيل بما يترتب عليه إضعاف شعبية قوى 14 آذار التي هي بالأساس تعاني من الضعف بسبب تداعيات عدوان إسرائيل في عام 2006م.
• إن قصفها معناه خرق إسرائيل للقرار الدولي السابق المتعلق بوقف إطلاق النار.
• إن قصفها سيؤدي إلى إحراج موقف القوات الدولية المتمركزة حالياً في جنوب لبنان.
• إن قصفها سيخلق المبررات والذرائع لحزب الله لكي يستأنف إطلاق الصواريخ ضد المنشآت الإسرائيلية.
وتشير التكهنات والتحليلات إلى أن إزالة شبكة اتصالات حزب الله ما هي إلا خطوة لإضعاف الحزب وتمهيد المسرح اللبناني للعدوان الإسرائيلي الذي أكملت القوات الإسرائيلية تحشداتها منذ فترة طويلة للقيام به ضد لبنان، وحتى الآن تتمركز حوالي 5 فرق إسرائيلية بكامل عدتها في مواجهة الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. وتشير المعطيات أيضاً إلى أن قرار حكومة السنيورة بإزالة شبكة اتصالات حزب الله قد تضمن قراراً بتوقيف المسؤولين عن هذه الشبكة وملاحقتهم قضائياً بواسطة السلطات اللبنانية، ومعنى هذا أن قيادة حزب الله ستستهدفها مذكرات التوقيف وقرارا الملاحقة القضائية، وبالتالي فإن إزالة الشبكة لن يتوقف عند هذه حدود وإنما ستعقبه الخطوة الثانية بملاحقة قيادة الحزب بما يؤدي إلى أهداف أخرى غير معلنة:
• إضعاف قوة الحزب الرمزية في الساحة اللبنانية.
• تصفية البنيات التحتية للمقاومة اللبنانية.
• إضعاف مركز القيادة والسيطرة الخاص بقيادة المقاومة.
وبعد اكتمال هذه الخطوات فإن على الحزب والمقاومة أن تواجه خطر التصفية على يد القوات الإسرائيلية وقناصة سمير جعجع.
* توازن القوى الجديد في لبنان:
أدت أحداث 9 أيار إلى تغير في توازن القوى في لبنان ومن أبرز النتائج الجديدة:
• سيطرة قوى 8 آذار المعارضة على العاصمة بيروت.
• انهيار مليشيات المستقبل.
• انسحاب مليشيات القوات اللبنانية إلى خارج العاصمة.
• تفشي حالة الشلل والجمود في تحركات وحيوية قوى 14 آذار.
• عدم وجود أي اعتراض شعبي داخل أو خارج العاصمة لسيطرة قوى 8 آذار على العاصمة.
هذا، ومن أبرز خصائص وملامح توازن القوى الجديد نجد:
• وجود طرفين رئيسيين مسلحين في لبنان هما الجيش والمقاومة اللبنانية.
• لجوء الجيش إلى خيار التعاون مع المقاومة.
• القبول الشعبي الواسع لانتشار الجيش والمقاومة في بيروت.
* الخطوة الجديدة وأبرز التساؤلات:
على الصعيد الداخلي اللبناني لا توجد مخاوف من احتمالات قيام المقاومة بتصعيد عسكري جديد يهدف إلى تصفية حساباتها مع خصومها السياسيين الرئيسيين المتمثلين في:
• مليشيات المستقبل وزعيمها سعد الحريري.
• مليشيات القوات اللبنانية وزعيمها سمير جعجع.
• مليشيات الحزب التقدمي الاشتراكي وزعيمها وليد جنبلاط.
إضافة إلى أنه لا توجد توقعات لقيام هذه المليشيات الثلاثة بإعادة تنظيم نفسها والقيام بهجوم عسكري لاسترداد العاصمة بيروت وإخراج قوات المقاومة اللبنانية. ويشير تحليل الأداء السلوكي لقوى 14 آذار إلى أنها ستستمر في تكرار سيناريو طلب الدعم الخارجي خاصة وأنها كما يعرف الجميع ليست سوى تكتل سياسي يقوم بدور البروكسي والوكيل السياسي داخل لبنان لصالح محور واشنطن – تل أبيب.
* سيناريو الدعم السياسي الخارجي المتوقع:
توجد ثلاثة دوائر إقليمية ودولية، تركز قوى 14 آذار دائماً على القيام بمطالبتها تقديم الدعم والمساندة:
• الدائرة الأولى: الولايات المتحدة وفرنسا وحلفائها الغربيين.
• الدائرة الثانية: مجلس الأمن الدولي.
• الدائرة الثالثة: تحالف المعتدلين العرب.
أبرز المؤشرات على بدء عملية الدعم الخارجي جاءت على لسان الإدارة الأمريكية التي اتهمت سوريا وإيران وحزب الله وحملتهم مسؤولية أحداث 9 أيار الحالي، وأعقبت ذلك تصريحات فرنسا التي هددت بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما حدث في لبنان. أما مجلس الأمن فلم يستطع حتى الآن إصدار قرار دولي حول لبنان ولكن التوقعات تشير إلى احتمال قيام فرنسا بإعداد مشروع قانون دولي حول لبنان يركز هذه المرة على:
• إعطاء قوات اليونيفيل الدولية صلاحيات أكبر بما يجعلها تستهدف أسلحة وشبكة اتصالات حزب الله والحدود السورية – اللبنانية.
• توجيه المزيد من الاتهامات لسوريا وإيران باعتبارهما تتدخلان في لبنان.
• المطالبة بانتخاب رئيس لبناني جديد.
وبالنسبة للدائرة الثالثة المتمثلة في تحالف المعتدلين العرب فقد أصدرت القاهرة المزيد من التصريحات "العالية الصوت" التي تخطت ما يحدث في لبنان لتوجيه المزيد من الاتهامات ضد إيران باعتبارها المسؤول المباشر عن أحداث 9 أيار اللبنانية، ومن المتوقع أن يشهد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي تمت الدعوة له وسيعقد غداً لبحث تداعيات الأزمة اللبنانية الآتي:
• تكتل المعتدلين العرب ضمن أجندة موحدة تتطابق مع أجندة قوى 14 آذار التي أعلنها سعد الحريري.
• محاولة الدفع باتجاه أن يتضمن بيان الاجتماع توجيه المزيد من الانتقادات لإيران.
ومن الواضح أن الكثيرين سيحاولون التأثير على مسار وساطة الجامعة العربية في لبنان، ولكن باستخدام الطرق المؤسسية غير المباشرة التي قد تؤدي إلى الصدام مع سوريا التي تتولى حالياً زعامة الجامعة.
الفصل الجديد في الأزمة اللبنانية سيكون أكثر تعقيداً بسبب العراقيل الجديدة التي أوردها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري في مبادرته التي طرحها في خطابه الأخير، والتي تضمنت الإشارة إلى شروط لحل الأزمة بحسب وجهة نظر قوى 14 آذار وكان من أبرزها:
• إيداع قرار إزالة شبكة حزب الله لدى الجيش اللبناني.
• انسحاب قوات حزب الله وحركة أمل من بيروت فوراً.
• انتخاب الرئيس اللبناني فوراً.
• أن يكون الحوار اللبناني – اللبناني تحت إشراف الرئيس المنتخب.
مع ملاحظة أن مبادرة الحريري جاءت بعد مبادرة حزب الله التي اشترط فيها التراجع عن قرار إزالة الشبكة. والآن، بعد الفراغ الرئاسي والتشريعي سيظهر فراغ جديد بسبب عدم قدرة حكومة السنيورة على القيام بعملية استخدام القوة لإنفاذ قراراتها. وما الذي يتبقى لقوى 14 آذار؟ الجواب هو لا شيء سوى تصريحات قادتها على شاشات فضائياتها التي أصبحت مهددة بالإغلاق إن تمادت في عمليات الدعم الإعلامي للمشروع الإسرائيلي – الأمريكي وتجاوزت الخط الأحمر الذي رسمته المقاومة الوطنية اللبنانية. وما الذي ستفعله المقاومة التي تسيطر حالياً على العاصمة بيروت؟ والإجابة هي أنها لن تقوم بالتصعيد للانقلاب على السلطة اللبنانية بشكل نهائي وكل ما تريده حالياً هو وضع الأمور في نصابها عن طريق التزام حكومة السنيورة وقوى 14 آذار بالثوابت الوطنية اللبنانية التي يؤيدها كل الشعب اللبناني والتي من أبرزها عدم المساس بسلاح المقاومة الوطنية اللبنانية.
أما الآن فمن السابق لأوانه التحدث عن إمكانية صدور قرارات دولية جديدة أو القيام بتدخل عسكري إقليمي في لبنان.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد