أبرز التوقعات وردود الأفعال الدولية حول لقاء الأسد - نجاد
الجمل: أكمل الرئيس السوري بشار الأسد زيارته إلى العاصمة الإيرانية طهران وأصدر الرئيسان السوري والإيراني إعلانهما النهائي للقمة الثنائية التي استمرت يومين، وما كان جديراً بالملاحظة أن الأوساط الدبلوماسية العالمية ظلت تحبس أنفاسها طوال فترة اليومين توقعاً للتحول الدراماتيكي المرتقب إزاء المواقف المتشددة على خط طهران – دمشق بالنسبة لأزمة برنامج إيران النووي.
* أبرز ردود الأفعال الدولية والإقليمية:
نشر الموقع الإلكتروني لمركز سترتفور الاستخباري الأمريكي تقريراً بعنوان «مذكرة جيوبوليتيكة: سوريا وإيران تنسقان»، أشار إلى النقاط الآتية:
• أخبر الرئيس الإيراني ضيفه الحليف السوري بأن إيران جادة بأمر العثور على حل تفاوضي لأزمة البرنامج النووي.
• أكد الرئيس السوري عن تأييد بلاده لحق أي دولة في الحصول على التكنولوجيا النووية بما يتماشى ويتوافق مع القوانين الدولية.
إضافةً إلى ذلك، فقد نشرت الصحف الإسرائيلية الرئيسية الأربعة: هاآرتس، يديعوت أحرنوت، أورشليم بوست، ومعاريف، عدداً كبيراً من التقارير التي حاولت التقصي ومعرفة الأبعاد والتداعيات الحقيقية للقاء القمة السوري – الإيراني.
* دبلوماسية سوريا الوقائية وتغيير قواعد اللعبة:
لفترة طويلة ظلت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تبذلان الجهود لجهة الدفع من أجل عزل سوريا وإيران ووصلت قمة هذه الجهود عشية حرب صيف العام 2006م بين قوات الجيش الإسرائيلي وحزب الله اللبناني على مسرح جنوب لبنان.
وخلال الأشهر الماضية، بدأت بعض المؤشرات الجديدة التي تفيد لجهة الحراك الدبلوماسي الهادف إلى التفاهم من أجل حل الخلافات.
التطور الأبرز في المسرح الدبلوماسي الشرق أوسطي تمثل في حدثين متزامنين هما:
• المحادثات غير المباشرة السورية – الإسرائيلية في مدينة اسطنبول والتي ما زالت تحولاتها تمضي على قدم وساق برعاية الحكومة التركية التي يسير عليها حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي.
• المحادثات المباشرة الإيرانية – الأمريكية في المنطقة الخضراء العراقية التي برغم قلة المعلومات والتسريبات فقد بات مؤكداً أنها قطعت شوطاً كبيراً.
وعلى خلفية هذين التطورين جاء تطور جديد وهو الأكثر أهمية تمثل في انفراج العلاقات السورية – الفرنسية الذي اعتبره المراقبون بمثابة اختراق كبير في دبلوماسية العلاقات بين شمال المتوسط وجنوبه، وما ترتب على هذا الاتفاق من قيام قصر الإليزيه بتكليف دمشق بضرورة تقديم المساعدة في حل أزمة البرنامج النووي الإيراني بما يؤدي إلى نزع فتيل الحرب الذي بات وشيكاً، ويقول المراقبون بأن نجاح دبلوماسية سوريا الوقائية إزاء الأزمة الإيرانية وسوف لن يؤدي إلى نزع فتيل الحرب فحسب، وإنما أيضاً إلى بناء ما يمكن أن تطلق عليه تسمية "شراكة دبلوماسية عبر المتوسط" التي يمكن أن تلعب دوراً موازناً لـ"شراكة دبلوماسية عبر الأطلنطي". بكلمات أخرى، فإن الاتحاد الأوروبي سيستطيع الحصول على هامش مناورة كبير من أجل تعزيز الاستقلال الأوروبي والتغلب على الضغوط الأمريكية المتزايدة التي ظلت تفرضها دبلوماسية البيت الأبيض الأمريكي عبر نافذة علاقات عبر الأطلنطي على البلدان الأوروبية.
* دبلوماسية خط دمشق – طهران: سيناريو تغيير توازن القوى الشرق أوسطي:
تقول التسريبات والمعلومات بأن سيناريو التجاوب الإيجابي الإيراني مع دبلوماسية دمشق سيترتب عليه العديد من التطورات والتعديلات الهامة في الخارطة الجيوسياسية الشرق أوسطية ومن أبرزها:
• التأسيس لبناء تحالف مثلث دمشق – طهران – أنقرة.
• إضعاف علاقات وروابط محور خط تل أبيب – واشنطن.وتشير التحليلات إلى أن نشوء تحالف هذا المثلث سيجعل البيت الأبيض مضطراً إلى اللجوء إلى دبلوماسية التفاهم والتعاون مع أطرافه لجهة الأهمية والوزن غير المسبوق الذي تتمتع به العواصم الثلاثة في البيئة الإقليمية الشرق أوسطية:
• * أنقرة: تعتمد عليها واشنطن كحليف استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه.
• طهران: يتوقف عليها استقرار المصالح الأمريكية في الخليج العربي وآسيا الوسطى والقوقاز.
• دمشق: يتوقف عليها مصير الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط إضافةً إلى أن مصير إسرائيل سيبقى معلقاً باليد السورية طوال ما كانت إسرائيل ترفض منهج الحل السلمي القائم على رد الحقوق العادلة والمشروعة.
وتقول المعلومات والتسريبات بأن رفض طهران للتجاوب مع دبلوماسية دمشق سيترتب عليه:
• تعزيز علاقات محور تل أبيب – واشنطن.
• استمرار الوجود الأمريكي في العراق وأفغانستان بفعل استمرار مزاعم وجود الخطر الإيراني.
• إضعاف احتمالات نشوء مثلث دمشق – طهران – أنقرة بما يؤدي إلى الإضرار باستمرار الروابط والعلاقات الثنائية على خط دمشق – طهران ودمشق – أنقرة وطهران – أنقرة.
• تزايد الضغوط الدولية المتعددة الأطراف ضد إيران وعلى وجه الخصوص أن محور تل أبيب – واشنطن قد رتب مسلسل الضغوط بحيث تؤثر على الاقتصاد الإيراني بما يؤدي إلى رفع وتائر التضخم إلى معدلات غير مسبوقة تماماً مثلما حدث مع نموذج عقوبات زيمبابوي التي تجاوز معدل التضخم فيها نسبة 2.6 مليون في المائة واضطر البنك المركزي الزيمبابوي إلى طباعة أوراق عملة من فئة "المليار".
إن دخول دمشق على ملف الأزمة الإيرانية سيكون من أبرز تأثيراته الإيجابية على إيران ما يتمثل في ضمان وتعزيز العلاقات الإيرانية – الأوروبية ومنع تدهورها المحتمل إذا حدث فعلاً وأقدمت واشنطن على تصعيد استهدافها لإيران.
إن تعاون إيران الإيجابي مع دبلوماسية دمشق سيؤثر على توازنات القوى داخل الإدارة الأمريكية وذلك لأن النتيجة الإيجابية على خط دمشق - طهران سيتردد صداها على الصراع داخل البيت الأبيض بين معسكر الحرب ضد إيران الذي يقوده ديك تشيني وجماعة المحافظين الجدد ومعسكر الدبلوماسية الذي تقوده كوندوليزا رايس ووزير الدفاع روبرت غيتز، ولحسن الحظ أن الرئيس بوش ما زال واقفاً إلى جانب معسكر الدبلوماسية مع إيران.
إذا تصلبت إيران في التعاون مع دمشق فإنها تكون قد دفعت دمشق إلى خارج دائرة التعاون لأن منظور الدبلوماسية الوقائية الذي ظلت تتبناه دمشق في حل الصراعات والخلافات هو منظور يخضع له الجميع وسيكون صعباً على طهران أن تحقق بالوسائل العسكرية في حالة المواجهة مع أمريكا وبالتالي من المهم جداً بناء القناعة والإدراك الحقيقي بأن ما يمكن أن تحصل عليه إيران "اليوم" بالوسائل الدبلوماسية لن تستطيع الحصول عليه "غداً" بالوسائل العسكرية إذا اندلعت الحرب. الشيء نفسه ينطبق على محور تل أبيب – واشنطن وعلى هذه الخلفية تبقى السياسة دائماً فن الممكن، ومن يدري فقد أدت نتائج الحرب الباردة إلى انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه وأدت الحرب العالمية الثانية إلى إعادة تصميم القارة الأوروبية إلى شرقية اشتراكية وغربية رأسمالية. الحراك السياسي الجاري حالياً في الساحة الجيو-سياسية الشرق أوسطية ويشير إلى الآتي:
• فشلت محاولة محور تل أبيب – واشنطن للإطاحة بحزب العدالة والتنمية والآن استطاعت أنقرة تعزيز قبضتها الداخلية على السياسة التركية.
• استقر الوجود العسكري الأمريكي في السعودية ودول الجوار الإيراني وأصبح مفهوم وقوع إيران تحت التهديد العسكري الأمريكي أمراً واقعاً.
خلال الأعوام الماضية قدمت دمشق تعاوناً غير محدود لحماية إيران وعلى وجه الخصوص لا حاجة للقول بأن تعاظم قوة حزب الله قد لعب دوراً رادعاً لطموحات إسرائيل على النحو الذي جعل تل أبيب أكثر تردداً من مغبة شن حماقة الضربة العسكرية ضد إيران لأن القصاص الإيراني سيأتي لإسرائيل من على بعد بضعة كيلومترات عبر الحدود الإسرائيلية - اللبنانية.
والآن، وبمثل ما تعاونت دمشق وطهران في الجانب العسكري – الأمني فإن المطلوب حالياً أن تتعاونا في الجانب الدبلوماسي – السياسي لحماية طهران من مخاطر الاستهداف الأمريكي الذي سيكون بالضرورة مصحوباً باستهداف حلف الناتو الموجود على الحدود الإيرانية الشرقية مع أفغانستان ويتوقع الإسرائيليون أن تتصلب طهران في التعامل الدبلوماسي مع سوريا مما يؤدي إلى ابتعاد هذه الأخيرة عنها واكتفاء دمشق ببناء الروابط مع أنقرة إلى حين اتضاح الأمور وعلى ما يبدو فإن دمشق ليست راغبة حتى الآن بالابتعاد عن طهران وفقط يتوقف الأمر على طهران التي أصبحت أمام خيارات تدفع باتجاه التعاون مع دمشق لجهة تعزيز أمن واستقرار الشرق الأوسط أو خيار الاختلاف مع دمشق وهو الخيار الذي لا ترغب فيه ولم تسع إليه دمشق لأنه يصب في غير مصلحة إيران البلد الحليف لسوريا الذي ظلت دمشق تقف إلى جانبه طوال فترا حروب الخليج وأفغانستان والعراق وصراعات لبنان.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد