دبلوماسية دمشق في مواجهة مهددات الأمن الإقليمي والتنسيق مع أنقرة
الجمل: تظهر النزاعات محدثة قدراً كبيراً من الإرباك والالتباسات وتتغاير وتتبدل التفاعلات والتأثيرات المتبادلة بين أطراف النزاع لجهة شدة الفجائية والاحتدام حيناً، وجهة التنفيس والتهدئة في أحيان أخرى، وتصاحب كل ذلك درجة عالية من عدم القدرة على التكهن والتنبؤ واللايقين، وتتورط أطراف النزاع في اتخاذ القرارات الطائشة والمكلفة وعدم الاستناد إلى الإدراك السليم والمعرفة الصحيحة لحقيقة ما يجري ويحدث فعلاً.
* سوريا وبحر النزاعات المتلاطم:
يمتلك المحللون السياسيون اعتقاداً بأن سوريا تقع ضمن دائرة الصراع العربي – الإسرائيلي ونقطة ضعف هذا الاعتقاد تتمثل في أنه يتعامل مع سوريا ضمن الإطار الجزئي، وليس على أساس اعتبارات دائرة الإطار الكلي، ولاعتراض التوضيح وتحديد الفرق بين الإطارين نشير إلى الآتي:
• جغرافياً تقع سوريا ضمن منطقة شرق المتوسط وتمثل طرفاً رئيسياً في كل الصراعات في المنطقة.
• إقليمياً تقع منطقة شرق المتوسط في منطقة تحيطها مناطق النزاعات الرئيسية في العالم وهي مناطق البلقان، والقوقاز، والخليج، والقرن الإفريقي.
• وفقاً لقانون ترابط الظواهر فإن النزاعات التي تدور في كل هذه المناطق ومن بينها منطقة شرق المتوسط هي نزاعات مترابطة تتبادل التأثيرات بين بعضها البعض وإن كان ذلك بطرق متفاوتة ومختلفة الشدة.
من الطبيعي أن تتأثر سوريا بكل النزاعات وذلك بحكم إرثها التاريخي وموقعها الجغرافي اللذان جعلا منها القلب الجيو-سياسي لهذه الرقعة الكبيرة وعلى أساس هذه الخلفية فإن سوريا مهما رأى البعض بأن عامل المسافة الجغرافية كبير فإنها تستطيع التأثير بطريقة أو بأخرى في مجرى هذه النزاعات وبسبب القبول الذي تتمتع به سوريا بواسطة جميع الأطراف فإنها تستطيع التأثير لجهة التهدئة أو لجهة التصعيد متى رغبت في ذلك.
* دبلوماسية دمشق في مواجهة مخاطر بيئة الأمن الإقليمي المضطربة:
تنحصر اضطرابات الأمن الإقليمي الحالية ضمن الدوائر الإقليمية الآتية:
• الدائرة البلقانية.
• الدائرة القوقازية.
• الدائرة الشرق متوسطية.
• دائرة القرن الإفريقي.
وتواجه بيئة الأمن الإقليمي في هذه الدوائر تحديات المخاطر والتهديدات الآتية:
• المهددات الخارجية ومن أبرزها التدخل السياسي – الأمني – العسكري الخارجي.
• المهددات الداخلية ومن أبرزها الخلافات الداخلية المستفحلة وضعف الأوضاع الاقتصادية واختلال التماسك الاجتماعي.
وقد تبين أن محور تل أبيب – واشنطن يمثل القاسم المشترك الأعظم في هذه الدوائر لجهة تورط هذا المحور في القيام بدور الطرف الخارجي، الذي يقوم باستثمار هذه النزاعات ومحاولة توجيه الوقائع والأحداث الجارية وفقاً لاستراتيجية دور الطرف الثالث الذي يباشر استخدام الأساليب المباشرة وغير المباشرة في إدارة النزاعات. وبسبب حسابات معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي ووجود سوريا وإسرائيل كلاعبين رئيسيين ضمن مفردات هذه المعادلة فإن تدخل إسرائيل في البلقان والقرن الإفريقي لا يمكن النظر إليه باعتباره تدخلاً بعيداً عن دائرة شرق المتوسط وإنما هو تدخل يهدف بالأساس لتدعيم موقف إسرائيل في البيئة الإقليمية بما يؤدي لترجيح موقف إسرائيل في توازن القوى في شرق المتوسط وهو التوازن الذي تمثل سوريا طرفاً رئيسياً فيه.
* خط دمشق – أنقرة: مدى القدرة على تعزيز الاستقرار:
شهدت دبلوماسية خط دمشق – أنقرة حيوية أكبر خلال الفترة الماضية، وقد ترتب على تفاهمات هذا الخط تحقيق المزيد من الإنجازات الهامة التي هدفت لتعزيز أمن واستقرار منطقة شرق المتوسط ومن أبرزها محادثات السلام السورية – الإسرائيلية التي تجري وقائعها في مدينة اسطنبول برعاية حكومة حزب العدالة والتنمية التركية.
تميزت الدبلوماسية السورية هذه المرة بتأسيس خطابها الدبلوماسي – السياسي على مفهوم محور السلام السوري وهو مفهوم يقوم على أساس اعتبارات رد الحقوق المشروعة كمدخل لإقامة السلام العادل واشتراط قيام المجتمع الدولي والقوى الكبرى وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية بضمان وتأمين هذا السلام وذلك كمدخل لتأمين السلام لجهة الوقاية من خطر الاختراقات والانتهاكات التي قد تحدث مستقبلاًُ بسبب المطامع التوسعية العدوانية الإسرائيلية المتجددة.
تقوم أنقرة حالياً بثلاثة تحركات دبلوماسية وقائية إقليمية وهي:
• تحركات دبلوماسية أنقرة الوقائية على خط دمشق – تل أبيب.
• تحركات دبلوماسية أنقرة الوقائية على خط أنقرة – باكو (الأذربيجانية) – ييريفان (الأرمنية).
• تحركات دبلوماسية أنقرة الوقائية على خط بغداد – أريبل.
برغم محاولات تل أبيب إبطاء إيقاع المحادثات مع سوريا وبرغم محاولات واشنطن القائمة على عرقلة هذه المحادثات فإن أنقرة ما زالت تبذل وتقوم بالجهود لإنجاح مسار المحادثات على خط دمشق – تل أبيب وبالنسبة لتحركات دبلوماسية خط أنقرة – باكو – ييريفان فإن أنقرة تحاول بناء تحالف يهدف إلى تأمين استقرار القوقاز الجنوبي من خطر التدخلات الخارجية بما يقطع الطريق أمام محاولات محور تل أبيب – واشنطن الهادفة لاستخدام منطقة القوقاز كقاعدة لاستهداف روسيا، ومناطق آسيا الوسطى وإيران ومنطقة شرق المتوسط. أما بالنسبة لتحركات دبلوماسية أنقرة على خط بغداد – أربيل فهل تهدف إلى تأمين استقرار منطقة كردستان بما يؤمن وحدة العراق ويقضي على التوجهات الانفصالية التي أصبحت بفضل دعم محور واشنطن – تل أبيب تهدد بتفكيك العراق وشن الحرب السرية ضد سوريا وإيران، إضافة إلى التهديد بتقويض استقرار تركيا نفسها.
وعموماً، على خلفية تحركات أنقرة على المحاور الثلاثة وعلى خلفية مفهوم السلام السوري الجديد فإنه توجد المزيد من الإمكانيات والفرص الإيجابية لجهة الجمع بين تحركات أنقرة ومفهوم السلام السوري الجديد وهو جمع يمكن أن يتم بالتفاهم على خط دمشق – أنقرة لجهة القيام بإسقاط لمفهوم السلام السوري دبلوماسياً على الدائرة الجيو-سياسية الكبرى التي تشمل المجال الحيوي السوري – التركي المشترك الذي يمكن تعريفه جغرافياً ضمن الدائرة الواسعة التي تشمل البلقان – القوقاز – شرق المتوسط.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد