كيف نعرف خارطة النوايا الأمريكية حول الانسحاب من العراق
الجمل: استمرار الاحتلال العسكري الأمريكي ما زال ينطوي على الكثير من الأسئلة المعقدة الشائكة، وعلى ما يبدو فإن الحرب النفسية والبروباغندا الدعائية الأمريكية قد نجحت في تحويل الانتباه من الحديث عن الاحتلال وضرورة إنهائه إلى الحديث عن المشاكل والخلافات اليومية الجارية مثل المشاكل والخلافات الدائرة بين أطراف التحالف المسيطر على بغداد، والملفات المتعلقة بالفيدرالية وتوزيع عائدات النفط وموضوع القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وما شابه ذلك.
* مستقبل الوجود الأمريكي في العراق: إشكالية السؤال المضلل والإجابات المتعاكسة:
وقع المحللون السياسيون العرب -كالعادة- في فخ الأسئلة الفرعية الذي نصبت شباكها لهم البروباغندا الأمريكية ولم يعد المحللون السياسيون العرب ولا تحليلاتهم السياسية تركز على ضرورة إخراج القوات الأمريكية وإنهاء الاحتلال للعراق باعتباره جوهر الموضوع والقضية، إضافة لذلك أصبحنا نجد التحليلات السياسية العربية تركز على استخدام مصطلحات مثل العنف العراقي، والصراع العراقي – العراقي، واستقرار العراق، ومشاكل العنف العراقي، ومشاكل حكومة المالكي وما شابه ذلك بدلاً عن مصطلحات مثل المقاومة العراقية وتحرير العراق وتحالف المتعاملين العراقيين المسيطر على بغداد وما شابه ذلك من المصطلحات غير المستخدمة في الدعاية التي تستخدمها صحف نيويورك تايمز والواشنطن بوست وول ستريت جورنال وشبكة أخبار فوكس نيوز وسي إن إن وغيرها من ماكينات الدعاية الأمريكية التي تركز على التغطية على ظاهرة الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق.
يتمثل السؤال الحقيقي في كيفية إنهاء الاحتلال العسكري للعراق وفي مدى فعالية ودور المقاومة المسلحة والمقاومة السياسية بإجبار الاحتلال على الخروج من العراق، بما يؤدي إلى استعادة السيادة الوطنية العراقية على كامل العراق أما السؤال المضلل فيتمثل في مستقبل الوجود الأمريكي في العراق ومدى استعداد الإدارة الأمريكية على التخلي عن العراق، وأما الإجابات المتعاكسة فتتمثل في أن الإدارة الأمريكية راغبة في التخلي عن العراق ومتى كان العراقيون في حالة استعداد لتولي المسؤولية عن أعباء حماية الأمن والدفاع عن العراق.
وعلى هذه الخلفية نلاحظ أن السؤال المضلل وإجاباته المتعاكسة يتيحان السبيل أمام خطاب سياسي عراقي – أمريكي في غاية الخبث والمكر الذرائعي – البراجماتي.
وتتضح الصورة أكثر فأكثر من خلال السرديات التي تقول بأن الأطراف العراقية الرئيسية الثلاثة: تحالف أربيل الكردي – تحالف المتعاملين الشيعي – السني المسيطر في بغداد – بعض الأطراف الشيعية، تقول جميعها بضرورة إنهاء الاحتلال، ولكن بعد أن يكتمل بناء القدرات العسكرية العراقية بالقدر الكافي، وهي القدرات التي أكدت –بما في ذلك التقارير الأمريكية- بأنها لن تكتمل أبداً.
* ماذا أنجز الاحتلال الأمريكي في العراق:
بعد مرور ما يقرب الستة أعوام على احتلال العراق ما زال الأمريكيون والمتعاملون العراقيون أكثر تأكيداً في التسويق لفرضية أن العراق يمر بمرحلة انتقالية تتطلب المزيد من الصبر وبذل الجهود في عملية التصدي لمكافحة مخاطر التمرد وإرهاب تنظيم القاعدة وبقية الجماعات المسلحة، وتأسيساً على ذلك، ترفض الإدارة الأمريكية تحديد جدول زمني لإطار الانسحاب العسكري الأمريكي وفي الوقت نفسه سيتساهل المتعاملون مع توجهات الإدارة الأمريكية، إما برفع أصواتهم التي تطالب –بشكل ناعم- بالانسحاب الأمريكي أو بمحاولة تحويل انتباه الرأي العام العراقي إلى مخاطر "التمرد والإرهاب" أو إلى مخاطر الحرب الأهلية إذا انسحبت القوات الأمريكية أو إلى خلافات تحالف بغداد الداخلية التي تبين أنها مجرد سيناريوهات تهدف إلى إضاعة الوقت وإطالة أمد الاحتلال، الذي يطيل بالضرورة من بقاء المتعاملين العراقيين في بغداد.
تتذرع الإدارة الأمريكية بفرضية تقول مفرداتها: إن بقاء القوات الأمريكية الحالي في العراق ينطوي على المخاطر، وانسحاب القوات الأمريكية الحالي من العراق ينطوي على المخاطر ولكن مخاطر انسحاب القوات الأمريكية الحالي ستكون أكبر من مخاطر بقائها الحالي، وبالتالي بقاء القوات الأمريكية هو الأفضل والأنسب لجهة قلة المخاطر!!
قال الأمريكيون بأنهم سيسحبون قواتهم مطلع العام 2009م وبعد ذلك، قالوا أنهم سيبدأون الانسحاب مطلع العام 2009م، وحالياً تقول بعض المعلومات في جانب منها أن الانسحاب سيكون في العام 2010م وفي جانب آخر أنه سيكون في عام 2012م أو 2013م.
* خارطة الكنز الأمريكية: كيف نحصل على حقيقة النوايا الأمريكية بعدم الانسحاب:
الخلافات الأمريكية حول تحديد تاريخ الانسحاب ترتبط بالخلافات الأمريكية حول جوانب القوة والضعف في مسار الإنجازات الأمريكية داخل العراق وتحديداً في الجانب المتعلق بعملية إعادة بناء قوات الأمن العراقية، هذا، ويمكن الإشارة إلى جوانب القوة والضعف بحسب سرديات التقارير الأمريكية وفقاً للنقاط الآتية:
• معركة البصرة: أشارت إلى عوامل القوة في قوات الأمن العراقية لجهة المبادرة بشن العمليات العسكرية ضد التمرد، ولكنها أشارت في الوقت نفسه إلى عوامل الضعف في هذه القوات لجهة عدم القدرة على الاستمرار وحسم المعركة والحاجة المستمرة إلى مساعدة القوات الأمريكية.
• معارك الموصل، مدينة الصدر، ميسان، ديالا: تمت هذه المعارك بالمشاركة بين قوات الأمن العراقية والقوات الأمريكية والقوات المتعددة الجنسيات، وتمثل عامل القوة في قدرة قوات الأمن العراقية على المشاركة والانتشار بكميات كبيرة في هذه المناطق، أما عامل الضعف فتمثل في عدم قدرتها على الحسم الكامل وتأمين هذه المناطق في ظل عدم وجود مساندة القوات الأمريكية.
• تشكيل قوات الأمن العراقية: يتمثل عامل القوة في أن قوام هذه القوات أصبح يضم العناصر الشيعية والكردية والسنية أما عوامل الضعف فتتمثل في عدم التوافق والانسجام بين هذه العناصر الثلاثة وعلى وجه الخصوص العناصر السنية التي يتكون معظمها من الضباط والقادة. وتقول المعلومات والتقارير الأمريكية بأن عوامل الضعف المتعلقة بانسجام عناصر القوات قد أدت إلى عدم القدرة على إدماج القطعات العسكرية الكردية والسنية والشيعية الأمر الذي ترتب عليه الاحتياج لفترة أطول لكي تتم عملية الإدماج وبالتخلص من الطابع الإثنو – طائفي الصرف الذي ما زال مسيطراً على العدد الأكبر من القطعات العسكرية العراقية الحالية.
• قوات الشرطة العراقية: حتى الآن ما تزال قوات الشرطة تعاني من الضعف وعدم القدرة على القيام بأي دور حقيقي وتعاني هذه القوات من:
- الانقسام على أساس الخطوط الإثنية – الطائفية.
- الانقسام على أساس الخطوط القبلية – العشائرية.
وقد أدت هذه الانقسامات إلى تحول قوات الشرطة العراقية إلى كيان يمارس الجريمة المنظمة أكثر من كونه قوات نظامية على حد وصف أحد التقارير الأمريكية:
- يتصرف أفراد الشرطة مع أبناء طائفتهم بمثل الطريقة التي تتصرف بها المافيا الإيطالية تجاه الإيطاليين وذلك لجهة قيام الشرطة الشيعية بابتزاز السكان الشيعة وقيام أفراد الشرطة السنة بابتزاز السكان السنة.
- يتصرف أفراد الشرطة مع أبناء الطوائف والعرقيات الأخرى بنفس الطريقة التي تتصرف بها عصابة الكوكلاس كلان إزاء الغرباء، وذلك لجهة القيام بعمليات التطهير العرقي فأفراد الشرطة الشيعة يقومون بممارسة التطهير العرقي تجاه السكان السنة والأكراد وهو ذاته ما يفعله الباقون من أفراد الشرطة من باقي الطوائف.
• برغم أن العدد الكلي المطلوب تجنيده لصفوف الشرطة العراقية حوالي 300 ألف عنصر، فإن ما تم استيعابه حتى الآن هو في حدود 80 ألف عنصر وتقول المعلومات أن سلطات الاحتلال الأمريكي أصبحت أكثر تخوفاً من أن يؤدي التوسع في التجنيد إلى انفلات الجرائم بما يفوق قدرة السلطات الأمريكية على الاحتواء.
تشير بعض التقارير والتسريبات الأمريكية إلى أن الديمقراطيين والجمهوريين قد عقدوا صفقة حول الملف العراقي وذلك لجهة عدم القيام بإنهاء الاحتلال مهما كان الثمن، وتقول المعلومات بأن المرشح الجمهوري ماكين سوف لن ينسحب من العراق كما هو معلن، أما المرشح الديمقراطي أوباما فقد اضطر إلى القبول بمبدأ عدم الانسحاب من العراق. وعلى هذه الخلفية فقد جاء اختياره للسيناتور جوزيف بايدن لتولي منصب نائب الرئيس الأمريكي ضمن صفقة سياسية غير معلنة حصل بموجبها أوباما على دعم اللوبي الإسرائيلي واليهود الأمريكيين داخل الحزب الديمقراطي وبالتالي فمن المتوقع أن يباشر أوباما في حال فوزه القيام بعملية إعادة انتشار للقوات الأمريكية في العراق وليس عملية الانسحاب الكامل كما وعد الناخبين الأمريكيين!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد