الأولويات الإسرائيلية بعد مجيء إدارة أوباما الديمقراطية
الجمل: تداعيات العلاقة الخاصة التي تربط خط تل أبيب – واشنطن تجاوزت مجرد التحليلات القائمة على أساس معطيات علم العلاقات الدولية المعاصر إلى ما هو أعمق من ذلك كمحاولة الإجابة على تساؤلات من نوع: كيف أصبحت دولة يقطنها 300 مليون نسمة رهينة لدولة لا يتجاوز عدد سكانها الثلاثة ملايين؟ وما شابه ذلك من الأسئلة..
* اللوبي الإسرائيلي وتقنية السياسات الأمريكية:
تهتم إسرائيل واللوبي الإسرائيلي كثيراً وبشكل مبكر بأمر الانتخابات الأمريكية وعلى وجه الخصوص انتخابات الكونغرس الأمريكي (السلطة التشريعية) والرئاسة الأمريكية (السلطة التنفيذية) وحكام الولايات (السلطة الفيدرالية). وبعد انتهاء كل هذه الانتخابات تبدأ إسرائيل وجماعات اللوبي الإسرائيلي في تكييف الأجندة وجدول الأعمال بما يتناسب مع أجندة وجدول أعمال الطرف الذي فاز بالانتخابات وبكلمات أخرى، عندما يصعد الجمهوريون فإن التوجهات تكون تدخلية – عسكرية، وعندما يصعد الديمقراطيون فإن التوجهات تكون تدخلية – دبلوماسية.
وقد استطاع الإسرائيليون واللوبي الإسرائيلي استخدام مفهوم "الاستباق" كمذهبية ليس في استهداف الخصوم وإنما أيضاً في السيطرة على الحلفاء والأصدقاء ويبدو الدليل الأكثر وضوحاً لذلك من خلال قيام اللوبي الإسرائيلي وتحديداً خبراء معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بإعادة ترتيب أولويات الإسرائيليين التي كانت معتمدة خلال إدارة بوش الجمهورية بأولويات جديدة سيتم اعتمادها خلال فترة إدارة أوباما الديمقراطية الجديدة.
يعكس ترتيب الأولويات الجديدة الملامح العامة وبالمعالم البارزة لخارطة الطريق الإسرائيلية واللوبي الإسرائيلي إزاء القيام بتحديد المسار المبكر الذي يتوجب أن تمضي ضمنه وعلى منواله إدارة أوباما الديمقراطية في التعامل مع ملف سوريا وملف الفلسطينيين وملف لبنان وغيرها من الملفات في الصراع العربي – الإسرائيلي.
* ماذا تقول خارطة طريق أولويات إسرائيل واللوبي الإسرائيلي:
نشر الموقع الإلكتروني الخاص بمعهد جافي الإسرائيلي المختص بالدراسات الاستراتيجية والأمنية والسياسية والعسكرية، ورقة من إعداد الخبير الإسرائيلي روني بارت حذر فيها الإسرائيليين واللوبي الإسرائيلي من احتمالات حدوث الاحتكاكات مع إدارة أوباما الديمقراطية الصاعدة إلى البيت الأبيض، إذا حاول الإسرائيليون الضغط على الإدارة الأمريكية للسير في نفس طريق الإدارة السابقة. وعلى هذه الخلفية نشر الموقع الإلكتروني الخاص بمعهد واشنطن ورقة بحثية هدفت لإعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية إزاء عملية سلام الشرق الأوسط، بما ينسحب على الجهود الدبلوماسية الأمريكية إزاء سوريا وفلسطين وبدرجة أقل لبنان ومبادرة السلام العربية.
طرحت الورقة استخدام مفهوم ضمان أمن إسرائيل كمذهبية ضرورية يجب على الإدارة الأمريكية الجديدة التقيد بها في كافة تفاعلاتها وأدائها السلوكي وإدراكها إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي. هذا، وتشير معطيات الورقة البحثية إلى ضرورة الآتي:
• الالتزام بتحقيق الأمن لإسرائيل هو ضرورة سياسية ثابتة.
• ربط متغير السلام مع العرب بمتغير أمن إسرائيل بحيث سيكون متغير أمن إسرائيل هو المستقل ومتغير السلام هو الثابت.
بكلمات أخرى، فإن المطلوب هو أن تتقيد الدبلوماسية الأمريكية إزاء الصراع العربي - الإسرائيلي باعتبارات أولوية ملف أمن إسرائيل وهذا معناه أن المطلب الأمريكي الدبلوماسي الأول سيتمثل في التأكيد على الآتي:
• ضمان أمن إسرائيل في المحادثات والمفاوضات وبشكل قابل للتحقق.
• عدم الالتزام بتقديم أي مقابل لخصوم إسرائيل قبل أن يتحقق الإسرائيليون أنهم حصلوا على الأمن.
هذا، وأشارت الورقة إلى اختلاف وجهات النظر حول مفهوم الأمن ويمكن تناول ذلك على النحو الآتي:
• بالنسبة للإسرائيليين: تحقيق أمن إسرائي يتطلب قيام خصوم إسرائيل ببذل الجهود القصوى لضمان أمنها.
• بالنسبة لخصوم إسرائيل: يطالبون باتفاق السلام أولاً ثم العمل على تحقيق الأمن.
على هذه الخلفية، فإن المنظور الإسرائيلي المطلوب من الإدارة الجديدة هو العمل بشكل مسبق على ترتيب جدول أعمال المحادثات مع سوريا والفلسطينيين لتركز على ضمان أمن إسرائيل كشرط أول يمكن أن يعقبه التفاهم حول السلام.
هذا، وسعت الورقة البحثية إلى استخدام النقاط الآتية كمعطيات وحيثيات لجهة المبررات للإدارة الأمريكية:
• دخلت إسرائيل عملية سلام مع الفلسطينيين وبرغم ذلك شهدت الساحة الفلسطينية صعوداً لحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي اللتان ترفضان الاعتراف بإسرائيل أو ضمان أمنها ولا تعترفان بالاتفاقيات الموقعة سابقاً مع الفلسطينيين.
• لم تفلح الجهود الأمريكية والأوروبية في إصلاح أجهزة الأمن الفلسطينية التي ظل أفرادها وعناصرها أقل حرصاً على محاربة الفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى المهددة لأمن إسرائيل.
تأسيساً على ذلك، طالبت الورقة الإدارة الأمريكية بضرورة عدم المضي قدماً في السلام إلا عد إنجاز الآتي:
• إعادة بناء أجهزة الأمن الفلسطينية بمبا يؤدي إلى جعلها قادرة على محاربة الحركات التي تهدد أمن إسرائيل.
• التحقق الكامل بأن أجهزة الأمن الفلسطينية قد نجحت فعلاً في القضاء على خطر الفصائل الفلسطينية.
• التحقق الكامل بأن السلطة الفلسطينية تسيطر تماماً على أجهزة أمنها وعلى الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية.
• التحقق الكامل بأن السلطة الفلسطينية ملتزمة بالتنسيق التام مع الأجهزة الإسرائيلية لحفظ الأمن والاستقرار.
هذا، وتشير الورقة البحثية إلى ضرورة أن تعمل الدبلوماسية الأمريكية كطرف وداعم لملف التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ولاحقاً بعد تحقق الإسرائيليين من حقيقة أن ضمان أمن إسرائيل قد أصبح حقيقة قائمة فمن الممكن بعدها الانتقال إلى موضوع السلام وتطبيق قيام الدولتين وما شابه..
أما بالنسبة لسوريا فإن الورقة البحثية يلم تشير بشكل مباشر إلى معطيات ولكن كما جرت العادة فإن إسقاطات مفاهيم ومعطيات مذهبية ضمان أمن إسرائيل ستنعكس كما هو متوقع على الداء السلوكي إزاء ملف المحادثات غير المباشرة مع سوريا..
وتأسيساً على ذلك، ليس من المتوقع وحسب وإنما في حكم المؤكد أن يقوم الإسرائيليون بمحاولة إعادة ترتيب أولويات استراتيجية المحادثات غير المباشرة مع سوريا وذلك على النحو الذي يعطي وزناً أكبر في مجريات المحادثات للمذهبية الإسرائيلية الجديدة التي وإن هدفت على والصعيد المعلن باتجاه مفهوم ضمان أمن إسرائيل كمدخل للسلام فإنها تهدف على الصعيد غير المعلن باتجاه استراتيجية كسب الوقت إلى حين إعادة تغيير موازين القوى في المنطقة بما يتيح لإسرائيل المزيد من الفرص الجديدة في المنطقة إعادة إنتاج مبادرة السلام السعودية ضمن مفهوم ضمان أمن إسرائيل الخالي من أي تحديد أو تعريف نهائي والمتجدد المتطلبات والمعايير.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد