مصالحات بقمة الكويت وتلويح بسحب المبادرة العربية
صمد وقف إطلاق النار المتبادل في قطاع غزة في يومه الثاني، باستثناء بعض الرشقات المدفعية التي أطلقتها زوارق الاحتلال الاسرائيلي لأسباب مجهولة، وتوغل محدود لقواته البرية قرب خان يونس. وعاش فلسطينيو القطاع، أمس، يوماً هادئاً، كرس لمواصلة انتشال المزيد من جثث الشهداء ودفنهم وتنظيم مراسم العزاء المؤجلة لهم ، فيما كانت اصداء كارثة غزة تتردد في قمة الكويت الاقتصادية، وتتخذ شكل مصالحة عربية مدوية بين السعودية ومصر من جهة وسوريا وقطر من جهة اخرى، بحضور الراعي الكويتي الذي يبدو انه اعد لهذا الحدث الاستثنائي، الذي ستكون له آثار حاسمة على مجمل الوضع العربي، على اختلاف تفاصيله وأزماته، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ولبنان...
وساهمت هذه المصالحة، في تبديد اجواء اليأس والاحباط التي سادت الرأي العام العربي طوال فترة العدوان الاسرائيلي الوحشي على قطاع غزة الذي امتد لثلاثة وعشرين يوما، ولا سيما انها كانت تتويجا لكلمة مؤثرة القاها الملك السعودي عبد الله امام قمة الكويت، واعلن خلالها طي صفحة الخلافات العربية، واشار الى ان مبادرة السلام العربية المطروحة لن تظل على الطاولة الى الابد، وقال ان على اسرائيل ان تدرك ان الخيار بين الحرب والسلام لن يبقى مفتوحا في كل وقت، واختتم بتقديم مليار دولار لاعادة بناء ما هدمه العدوان في القطاع.
واعطت هذه الكلمة وتلك المصالحة دفعة قوية لجهود مصرية تبذل من اجل فتح حوار وطني فلسطيني بسرعة من اجل تشكيل حكومة وحدة وطنية ترعى الاوضاع الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة معا، وتسوي الخلاف الحاد الذي لاحت بوادره امس بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس حول الجهة المخولة تلقي وصرف اموال اعادة الاعمار في غزة.
كما فتحت تلك المصالحة التي انتظرها اللبنانيون طوال الاعوام الثلاثة الماضية آفاقا واسعة لانضباط مختلف القوى السياسية المحلية التي تستعد لخوض الانتخابات النيابية في الصيف المقبل، بصفتها حربا اهلية محدودة، او على الاقل صراعا حاسما على السلطة، يضاف الى تلك الصراعات التي عاشها لبنان في الفترة الماضية، وكانت في معظمها انعكاسا لتلك الخلافات والصراعات العربية والاقليمية على النفوذ. ولم يتضح على الفور ما اذا كانت هذه المصالحة ستؤدي الى تغيير في التحالفات الداخلية، او في ادخال تعديل جديد في موازين القوى بين فريقي الثامن والربع عشر من آذار، اللذين تلقيا النبأ الآتي من الكويت بدرجات متفاوتة من الترحيب من جهة والحذر من جهة اخرى.
واختلفت التقديرات حول ما اذا كانت المصالحة هي نتيجة لقمة الدوحة العربية الاسلامية، ام مجرد مفاجأة املتها ظروف الحرب الاسرائيلية الاخيرة على غزة، وما فرضته من تعديل جوهري في الادوار الفلسطينية لكل من ايران وتركيا بشكل خاص. المهم انها اعادت السعودية الى مقدمة المواجهة السياسية مع اسرائيل، واحيت دورا دبلوماسيا كويتيا قديما، في ترتيب الاوضاع العربية.
حققت القمة العربية الاقتصادية في الكويت في يومها الأول أمس اختراقا مفاجئا، تمثل بمصالحة بين قادة السعودية ومصر وقطر وسوريا، وذلك بعد أن كانت الجلسة الافتتاحية للقمة عكست الانقسامات العربية مع إعلان مصر والكويت والسعودية التمسك بمبادرة السلام العربية ودعوة سوريا العرب إلى دعم المقاومة الفلسطينية واعتبار إسرائيل كيانا إرهابيا.
واستضاف الملك السعودي لقاء مصالحة مع الرئيس بشار الأسد والمصري حسني مبارك وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بحضور أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والملك الأردني عبد الله الثاني والملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة.
وأكد رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، لقناة »الجزيرة«، حصول مصالحة بين قادة السعودية وسوريا ومصر وقطر، معتبرا أن »خطاب الملك السعودي لمس الجرح العربي وكان واضحا وحاسما«. وأوضح أن »هذا الخطاب مهد إلى مصالحة اليوم (أمس) التي قادها خادم الحرمين الشريفين وأمير دولة الكويت«.
وعما إذا كانت هناك أسس واضحة لهذه المصالحة، أعرب رئيس الحكومة القطرية عن اعتقاده أن »هناك نية صادقة لدى هؤلاء القادة بأن تكون هناك بالفعل مصالحة واضحة من القلب للقلب«. وقال »اعتقد أننا خرجنا بصفحة جديدة تفيد الموقف العربي وتقوي من الموقف العربي، وهذا نتيجة لخطاب خادم الحرمين الشريفين الذي حفز فعلا هؤلاء القادة للتوصل إلى نتيجة طيبة«.
وحول أسس المصالحة، قال الشيخ حمد »طبعا هناك تفاهمات تمت لا داعي للخوض في تفاصيلها«، معربا عن اعتقاده »ان هذه التفاهمات ستنعكس على الواقع العربي والعمل العربي المشترك، وتكون قمة الكويت اقتصادية وسياسية بالدرجة الأولى«، مشيرا إلى أن »هذه المصالحة كانت نتيجة لدماء شهداء غزة وإحساس خادم الحرمين الشريفين بالمسؤولية«. وقال »نأمل الآن أن نحط (نضع) يدنا بيد بعض للتقدم نحو لملمة الجراح وتقوية الموقف العربي بشكل واضح«.
وردا على سؤال حول المجالات التي قد تنعكس فيها المصالحة بشكل عملي، قال الشيخ حمد »كان هناك أولا سوء فهم وتجاذب بالنسبة لقمة الدوحة وقمة الكويت، ومثلما ذكرت من قبل فإن أمير قطر ذكر أن من المهم أن تكون هناك قمة، ولم يصر على أين تكون القمة، للنظر في قضية ما يحصل في غزة والمجازر التي تحصل«، مضيفا »نستطيع الآن أن نطرح ما أتى في قمة الدوحة على قمة الكويت لنرى كيفية تطوير مقررات قمة الدوحة«.
وعما إذا كانت المصالحة الفلسطينية أصبحت الآن سالكة أكثر بعد المصالحة العربية، أعرب الشيخ حمد عن أمله أن تكون »هناك مصالحة فلسطينية حقيقية تكرس حكومة وحدة وطنية«، موضحا أن »خطاب الملك السعودي أشار إلى ذلك الأمر حيث كان خطابه شاملا للوضع العربي وكيفية التقدم للأمام بموقف عربي موحد«.
وعن عدم مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في لقاء المصالحة، أوضح رئيس الحكومة القطرية »اعتقد أن هذا الكلام بين القادة وهم اتفقوا، وهناك دعوة وجهت لمن يحضر لهذه المشاركة. ولا اعتقد أن الرئيس الفلسطيني عنده (لديه) مشكلة مع احد. وأنا اعتقد أن الرئيس الفلسطيني عنده مشكلة فلسطينية ـ فلسطينية ولذلك يجب أن يتوجه ونتوجه معه ونساعده لحل هذا الوضع«.
ونقلت وكالة (سانا) عن المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان قولها إن »اللقاء كان صريحاً وجاداً، نوقشت خلاله المواقف الواجب اتخاذها لاستعادة التنسيق العربي بما يخدم القضايا العربية وكرامة الشعب العربي واستعادة الحقوق المغتصبة«.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد