أزمة «منظمة التحرير الفلسطينية» وإشكالية تبدل موازين القوى
الجمل: تزايدت التصريحات الفلسطينية المتباينة حول الموقف من «منظمة التحرير الفلسطينية» على النحو الذي انقسمت معه الآراء الفلسطينية بين مؤيد للتمسك بالمنظمة ومطالب بإصلاحها ومطالب بإلغائها بحجة عدم جدواها وفعاليتها.
* خلفيات «منظمة التحرير الفلسطينية»:
تقول المعطيات أن المنظمة أنشئت في أيار عام 1964 في اجتماع تأسيسي عقد في القدس بمشاركة 422 شخصية وطنية فلسطينية بناء على قرار الجامعة العربية السابق الذي أكد على ضرورة العمل من أجل تحرير فلسطين.
في تشرين الثاني 1974 أقرّت الجامعة العربية منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وأصدرت المنظمة ما يعرف بـ"الميثاق الوطني الفلسطيني" في 28 أيار 1964 الذي نص على ما يلي:
• أن فلسطين بحدودها التي كانت موجودة خلال فترة الانتداب البريطاني تمثل وحدة واحدة متكاملة لا يمكن تجزئتها.
• يجب القضاء على الوجود والنشاط الصهيوني في الأراضي الفلسطينية.
• للفلسطينيين حق العودة إضافة إلى ممارسة حق تقرير المصير.
برغم ذلك، وافقت المنظمة في العام 1988 على حل "الدولتين" بحيث تكون هناك دولتان فلسطينية وإسرائيلية تتعايشان جنباً إلى جنب وتكون القدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية مع إعطاء الفلسطينيين حق العودة.
* أزمة منظمة التحرير:
تمثل المنظمة الكيان الوطني الجامع للحركات والفصائل الفلسطينية وقد تعاقب على رئاسة المنظمة أربعة رؤساء: أحمد الشقيري، يحيى حمودة، ياسر عرفات، وحالياً محمود عباس (أبو مازن) الذي تولى الرئاسة خلفاً لعرفات. وتضم عضوية المنظمة حالياً ثمانية فصائل: حركة التحرير الفلسطينية (فتح، وهي الفصيل الأكبر) – الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – الجبهة الديمقراطية – منظمة الصاعقة – جبهة التحرير – جبهة النضال الشعبي – الحزب الشيوعي – الجبهة العربية.
لا تملك منظمة التحرير الفلسطينية آلية مركزية لصنع القرار وقد أدى ذلك إلى عدم تمكنها من فرض سيطرتها المباشرة على الفصائل الفلسطينية وترتب على ذلك أن تلعب المنظمة دور منبر الحوار الوطني الفلسطيني وفقاً للميثاق الوطني الذي تزايدت الخلافات بين الفصائل حول تفسيراته وحول مدى التقيد به كمرشد للعمل الوطني التحريري الفلسطيني.
مرت حركة التحرير الفلسطينية بالعديد من المنعطفات والمحطات الحرجة وفي كل مرة من هذه المراحل كانت منظمة التحرير تتعرض للتداعيات والأزمات، وذلك على النحو الذي أضعف قدرتها وأبطل قدراً كبيراً من طاقات فعاليتها التنظيمية في توجيه العمل الوطني الفلسطيني وعلى سبيل المثال لا الحصر نشير إلى المنعطفات الحرجة الآتية:
• حرب الاستنزاف التي لعب فيها النظام الملكي الأردني دوراً سلبياً أضعف قدرات المنظمة.
• مواجهة أيلول الأسود 1970 مع النظام الأردني التي أدت إلى إخراج المنظمة من الأردن.
وبعد كل هذه الأزمات فقد جاءت أزمة صراع فتح – حماس التي انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة بعد نجاحها في إخراج حركة فتح منه بالوسائل العسكرية، وقد ترتب على ذلك سيادة حالة الانقسام السياسي – العسكري – الأمني بين الأراضي الفلسطينية فحركة حماس تسيطر تماماً على قطاع غزة وفتح تسيطر على الضفة الغربية.
أخيراً، جاءت العملية العسكرية الإسرائيلية ضد القطاع لتعمق حالة الانقسام القائم بين قوى خارج المنظمة (حماس) وقوى داخل المنظمة (فتح).
* منظمة التحرير الفلسطينية وإشكالية تبدل موازين القوى الفلسطينية:
من الواضح أن استمرار منظمة التحرير طوال الفترة الماضية الممتدة من لحظة تأسيسها وحتى الآن كان يعود بشكل أساسي إلى قيادة ونفوذ حركة فتح على هياكل المنظمة وعلى عناصرها القيادية وعلاقاتها الخارجية ومصادر تمويلها، إضافة إلى القوة الرمزية لقائدها التاريخي ياسر عرفات التي لعبت دور "القوة الناعمة" في الحفاظ على تماسك قوام المنظمة ونفوذ حركة فتح عليها.
بعد رحيل ياسر عرفات، كان من الواضح أن كاريزمية محمود عباس لن تستطيع ملء الفراغ الرمزي الذي كان يشغله عرفات وهو ما جعل شخصية عباس عرضة مستمرة للنقد داخل وخارج المنظمة.
لم ينجح الرئيس عباس في تحقيق الكثير للفلسطينيين وفشلت كل محاولاته مع الإسرائيليين والأمريكيين والأوروبيين وبالمقابل استطاع الإسرائيليون توظيف ظاهرة فراغ القوة الرمزية في توريط عباس في المزيد من الهزائم الدبلوماسية سواء عن طريق التشدد في المفاوضات أو عن طريق تحميله المسؤولية عن سلوكيات الفصائل غير المنضوية تحت لواء المنظمة. هذا، وكان أخطر ما نجح محور تل أبيب – واشنطن في إنجازه هو دفع عباس إلى محاولة الالتفاف على نتائج الانتخابات الفلسطينية التي اختارت فيها غالبية الشعب الفلسطيني الوقوف إلى جانب حماس.
أدت محاولة محمود عباس ومن ورائه محمد دحلان وغيرهم إلى تحول الكشف عن حقيقة أن حركة فتح تمارس نفوذاً تسلطياً داخل المنظمة بما ترتب عليه دفع المنظمة لتقوم بدور العصا السياسية لردع حماس ودفعها لتقديم التنازلات لحركة فتح وزعيمها عباس.
لقد فقدت فتح وزنها في الشارع الفلسطيني لصالح حركة حماس ولكن حركة فتح برغم ذلك سعت إلى استخدام "نفوذها الإداري" داخل المنظمة وكان ذلك بمثابة أولى الإشارات إلى أن توازن القوى الفلسطيني قد بدأ يميل أو بالأحرى قد مالت كفته إلى حركة حماس، ولكن بدلاً من أن تلجأ حركة فتح إلى تفعيل جهودها السياسية للتأثير على الرأي العام الفلسطيني بما يعيد إليها وزنها عبر صناديق الاقتراع فقد لجأت إلى نظرية المؤامرة لإقصاء حماس واستئصال القادمين الجدد إلى الساحة الفلسطينية دون أن تولي فتح أي اعتبار إلى أن هؤلاء القادمين الجدد جاءت بهم أصوات الشعب الفلسطيني ضمن انتخابات شرعية.
كشفت العملية العسكرية الإسرائيلية التي تمت مؤخراً ضد قطاع غزة عن مدى هشاشة منظمة التحرير الفلسطينية وعدم قدرتها على القيام بالإمساك بزمام المبادرة والسيطرة لتوحيد حركة المقاومة ولم يسمع الفلسطينيون سوى بعض أصوات زعماء المنظمة القادمة من شتى أنحاء العالم في إشارة واضحة إلى أن المنظمة نفسها تعاني من الشتات التنظيمي وهو شتات بدا أمام الفلسطينيين وكأنما هو مفروض على قيادة المنظمة بواسطة الطرف المسيطر على المنظمة الذي لم تعد تروقه كثرة اجتماعات المنظمة.
عموماً، فقد كان من الطبيعي أن يصبح مصير منظمة التحرير الفلسطينية مجهولاً وإلى حين حسم الخلافات والحسم ستظل التساؤلات الثلاثة باقية: فهل سيلجأ الفلسطينيون إلى إصلاح المنظمة أم إلغائها أم استبدالها طالما أن فكرة الإبقاء على منظمة التحرير بأدائها الحالي لم تعد مقبولة لدى غالبية الفلسطينيين وحلفائهم.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد