هل تتمكن واشنطن من تطويع الجيش اللبناني ضمن أجندتها الشرق أوسطية
الجمل: تميزت قوات الجيش اللبناني بمذهبيتها الخاصة إزاء التعامل مع الصراعات اللبنانية الداخلية والصراعات الإقليمية في شرق المتوسط، وقد ظل الجيش اللبناني يتمسك بالحياد إزاء الصراعات الداخلية إضافة إلى عدم التورط في الحروب الإقليمية المرتفعة الشدة وما هو واضح أن السبب وراء ذلك يتمثل في خصوصية الوضع اللبناني الداخلي والإقليمي.
* تغيير مذهبية الجيش اللبناني: العامل الإسرائيلي؟
شكل العامل الإسرائيلي دافعاً مؤثراً لجهة إعادة توجيه الصراعات السياسية اللبنانية وعلى وجه الخصوص خلال الفترة بالممتدة من لحظة اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري حتى لحظة انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
اعتمدت قوة دفع العامل الإسرائيلي داخل الساحة اللبنانية على العديد من المحفزات التي كان من أبرزها العمليات السرية التي تم تنفيذها بالتنسيق بين الموساد والـCIA إضافة إلى التعاون مع قوى 14 آذار الحليفة لتل أبيب وواشنطن.
بلغت العمليات السرية الأمريكية – الإسرائيلية أوجها عندما فشل مخطط إشعال الحرب الأهلية الشيعية – السنية في لبنان، وأبلغ ديفيد وولش نائب وزير الخارجية الأمريكية زعماء 14 آذار بضرورة التخلص من العناصر السنية المسلحة التي قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتجميعها وحشدها بالتعاون مع الموساد في الساحة اللبنانية وقد ترتب على تداعيات ذلك حدوث الخلافات الحادة بين زعيم تيار المستقبل سعد الحريري وجماعة فتح الإسلام التي كان يقوم بتمويلها، وهو الخلاف الذي أدى إلى اندلاع المواجهة المسلحة بين مليشيا فتح الإسلام المتمركزة في مخيم نهر البارد وقوات الجيش اللبناني.
* الحلم الإسرائيلي: تكييف الجيش اللبناني للقيام بدور البروكسي الإسرائيلي في لبنان:
شكلت نتائج معركة مخيم نهر البارد محفزاً جديداً للإدراك الإسرائيلي – الأمريكي لجهة إمكانية استخدام الجيش اللبناني في القيام بالمزيد من المواجهات ضد خصوم محور تل أبيب – واشنطن في الساحة اللبنانية وعلى وجه التحديد حزب الله وبقية فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية الحليفة لسوريا وذلك بما يخفف عن الإسرائيليين عبء القيام بالعمليات العسكرية مستقبلاً في الساحة اللبنانية.
تناقلت التقارير والتسريبات خلال العام الماضي المعلومات حول نوايا الإدارة الأمريكية الجمهورية السابقة القيام بتقديم المساعدات لقوات الجيش اللبناني واللافت للانتباه أن هذه التقارير والتسريبات قد تزايدت بشكل واضح في الفترة التي أعقبت معركة مخيم نهر البارد.
اتجهت العملية السرية الإسرائيلية – الأمريكية من ملف دعم المليشيات اللبنانية الحليفة لمحور واشنطن – تل أبيب إلى ملف دعم قوات الجيش اللبناني خاصة وأن خروج القوات السورية من لبنان خلف فراغاً في العلاقات العسكرية السورية – اللبنانية وهو الفراغ الذي سيتوجب على وجه السرعة استغلال وتوظيف نتائج معركة مخيم نهر البارد لملئه.
تباينت ردود أفعال الأطراف اللبنانية إزاء ملف دعم قوات الجيش اللبناني بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية فمن جهة هلل زعماء 14 آذار وغيرهم من خصوم سوريا فرحاً وبدأوا تحركاتهم على عجل حاملين حقائبهم إلى واشنطن وتحديداً مكتب نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني لحث إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد وزعماء اللوبي الإسرائيلي على ضرورة الإسراع في تقديم الدعم قبل أن تضيع الفرصة، ومن الجهة الأخرى، لم تمانع قوى 8 آذار بقيادة حزب الله وفصائل المقاومة الوطنية اللبنانية من تقديم الدعم إلى قوات الجيش اللبناني، مع الاشتراط بضرورة ألا يكون هذا الدعم مدخلاً لاستغلال وتوظيف الجيش وفق الأجندة الأجنبية الهادفة إلى دفع قوات الجيش إلى التخلي عن مهماتها السيادية الوطنية اللبنانية واستبدالها بمهام البروكسي الذي يشن العمليات العسكرية بالوكالة عن الأطراف الأجنبية للتأثير بالوسائل السلمية على توازنات القوى داخل الساحة السياسية اللبنانية.
تطرق الخبير الاستراتيجي الأمريكي البارز أنطوني كورديسمان في تقريره الأخير الضخم الذي خصصه للقوات المسلحة اللبنانية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية –كحليفة مفترضة للجيش اللبناني- ستواجه المزيد من التحديات خلال عام 2009 الحالي وما بعده إزاء القيام بدعم الجيش اللبناني وأشار كورديسمان إلى التوصيات الآتية باعتبارها الأمثل لدعم قدرات الجيش اللبناني:
• توجد جهود من القوى اللبنانية المتنافسة للسيطرة على الجيش، وهذه الجهود يجب إيقافها طالما أنها ستؤدي إلى تقويض فعالية الجيش كقوة مقاتلة ومؤسسة وطنية، وطالما أن المطلوب هو الإبقاء على وحدة الجيش ودوره في تثبيت الاستقرار في لبنان.
• على الحكومة اللبنانية أن تتحرك على وجه السرعة من أجل توفير مبلغ مليار دولار من أجل التطوير الضروري لقدرات الجيش.
• أي محاولة في الوقت الحالي من أجل دعم الجيش لمواجهة حزب الله ستفشل لأن 30% من ضباط الجيش اللبنانيون من الشيعة.
• على الولايات المتحدة التأكيد بأن بناء الجيش يهدف لجعله قوة ردع في مواجهة جيران لبنان من مغبة تمرير الإمدادات والعتاد لتعزيز ترسانة حزب الله.
• على الولايات المتحدة أن تضع الأسس لجهة قيام الجيش اللبناني بنزع أسلحة حزب بالله بشكل تدريجي بدلاً من السعي لخيار المواجهة الشاملة مع حزب الله.
• يوجد فرق بين توجهات السياسة الأمريكية إزاء الجيش اللبناني والجهود الأمريكية لدعم هذا الجيش، لأن توجهات السياسة الأمريكية إزاء الجيش تتميز بالغموض والإبهام الأمر الذي ألحق الضرر بالجهود الأمريكية لدعم الجيش ومن ثم فعلى السياسة الأمريكية أن تحدد بوضوح هل يجب أم لا يجب تزويد الجيش اللبناني بأنظمة العتاد الثقيل اللازمة لتطوير قدرات الجيش.
• مخصصات الكونغرس الأمريكي المالية لدعم الجيش يجب أن يتم تحديدها بالمستوى الذي يعكس اعتراف الولايات المتحدة بحاجة الجيش اللبناني بما يجب أن ينعكس ذلك في برامج المساعدات العسكرية الأمريكية.
• على الولايات المتحدة أن تنظر في وضع آليات تتيح لها القيام بكل من إصلاح نظام مبيعات السلاح الخارجية وبنظام التمويل العسكري الخارجي بما يتيح ويساعد في التعجيل بتزويد القوات اللبنانية بالمعدات والعتاد.
نلاحظ أن توصيات الخبير كورديسمان جاءت بشكل حاول فيه أن يظهر هدف واشنطن دعم القوات المسلحة اللبنانية من أجل تعزيز القدرات العسكرية اللبنانية وبالتدقيق أكثر في توصيات كورديسمان نلاحظ الآتي:
• لم يتحدث عن الوزن العسكري اللبناني ضمن الميزان العسكري الكلي لمنطقة شرق المتوسط.
• تطرق كورديسمان لقيام الجيش اللبناني تدريجياً بعملية نزع سلاح حزب الله لكنه لم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد لنزع سلاح الفصائل اللبنانية المسلحة كالقوات اللبنانية ومليشيا الكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي التي تقف في الجانب الموالي لمحور واشنطن – تل أبيب المعادي لحزب الله.
• تطرق كورديسمان لقيام الإدارة الأمريكية بتزويد الجيش اللبناني بالمساعدات بالشكل المعلن ولكنه لم يتطرق إلى قيام محور واشنطن – تل أبيب بتزويد مليشيات حلفائه اللبنانيين بشكل غير معلن وإن كان شبه معلن.
• تطرق كورديسمان لقيام الجيش اللبناني بردع جيران لبنان الذين يساعدون في تمرير إمدادات السلاح والعتاد لحزب الله ولكنه لم يتحدث عن قيام هذا الجيش بدور في ردع جيران لبنان الذين يساعدون في تمرير إمدادات السلاح والعتاد لمليشيات القوات والكتائب والتقدمي الاشتراكي وبالتالي فإن ردع الجيش المطلوب هو باتجاه جار لبنان الذي يتهمه محور واشنطن – تل أبيب بتمرير السلاح لحزب الله، وهو سوريا، أما الجار الآخر الذي هو إسرائيل فإنه غير مقصود بقوة ردع الجيش اللبناني برغم قيام إسرائيل بتمرير السلاح لمليشيات حلفاء محور واشنطن – تل أبيب اللبنانيين.
• تطرق كورديسمان إلى تناقض السياسة الأمريكية إزاء الجيش اللبناني مع الجهود الأمريكية لدعم الجيش ولكنه لم يوضح سبب هذا التناقض وإنما وصف السياسة الأمريكية إزاء الجيش بالغموض والإبهام، وهو وصف ليس في محله لأن ما هو معروف وواضح يتمثل في معارضة الأطراف الآتية:
- منظمات اللوبي الإسرائيلي من احتمالات أن يقوم الجيش اللبناني بأداء دوره الوطني باستخدام الأسلحة الأمريكية في الدفاع ضد الغارات والاعتداءات الإسرائيلية ضد لبنان.
- الحكومة الإسرائيلية التي ترى بالضرورة فرض قيود شديدة على قدرات الجيش اللبناني.
- مليشيات 14 آذار التي وإن سعت لتسريع الدعم الأمريكي للجيش فقد كانت مساعيها تتضمن ضمان استخدام الجيش ضد حزب الله، وضمان إعادة تنظيم الجيش وتغيير مذهبيته العسكرية القتالية ليساند قوى 14 آذار.
إضافة لذلك، ورغم ذهاب إدارة بوش وصعود إدارة أوباما فإن مساعي اللوبي الإسرائيلي من أجل عدم تزويد الجيش اللبناني بأي مساعدات تشكل إضافة حقيقية لقدراته العسكرية إلا بعد التأكد من تصفية هذا الجيش من عناصره الوطنية أو بالأحرى إنفاذ سيطرة حلفاء محور واشنطن – تل أبيب وهي مساعي لن تتوقف وعلى الأغلب أن تكون الضغوط الأمريكية على الحكومة اللبنانية وقيادة الجيش اللبناني من أجل مقايضة تقديم المساعدات الأمريكية بإعادة تنظيم الجيش وتغيير مذهبيته بشكل يتضمن تغييرات شاملة في قواعد الاشتباك التي يعمل على أساسها الجيش وبكلمات أخرى فإن المطلوب أمريكياً – إسرائيلياً هو: أولاً، تغيير مفهوم القوى المعادية بحيث يشمل سوريا وإيران وحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه تغيير مفهوم القوى الصديقة ليشمل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ومليشيا القوات اللبنانية... وما شابهها.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد