الأسد ونصر الله راجعا الانتخابات: الأولويّة لتنظيم المعارضة
في دمشق لم تتوقف عملية فرز الأصوات في صناديق الانتخابات اللبنانية، والعملية تتجاوز الاحتسابات المبعثرة لهذه النتيجة أو تلك. صحيح أن دمشق تعفي نفسها من مسؤولية فشل المعارضة في تحقيق انتصار في 7 حزيران، لكنها لا تدّعي الوقوف على الحياد، لا في المعركة الانتخابية ولا في مرحلة ما بعد إعلان النتائج، وهو الأمر الذي ينعكس الآن على طريقة تعامل القيادة السورية مع ملف تأليف الحكومة الجديدة والعلاقة مع الرئيس المكلف سعد الحريري والراعي الإقليمي له أي السعودية.
وبالرغم من أن الحسابات المباشرة للملف الحكومي لا تزال رهن اتصالات لم يعلن توقفها أو فشلها بين دمشق والرياض، على الرغم من التعثر الواضح، فإن السوريين يعون بدقة الحسابات الداخلية اللبنانية، وهم لا يخفون مواقفهم أو حساباتهم، بل ربما تكون المرة الأولى التي تدعو دمشق فيها إلى التعامل مع الحقائق اللبنانية كما هي، سواء في إطار قراءة ما هو قائم أو في مناقشة آليات أو تصوّرات لإحداث تعديلات من هنا أو هناك.
حتى اللحظة لم تشعر دمشق بأي مسؤولية تفرض عليها مناقشة حلفائها في المعارضة في كيفية تقبل المقترحات السعودية أو خلاف ذلك، بل إنه بات أكيداً أن القيادة السورية حرصت على التمييز في حوارها مع السعودية بين ما يخصّها كدولة تربطها بلبنان مصالح متنوعة، وما يتعلق بالتركيبة الحكومية. وفي الشق الأول لدى دمشق الكثير لتقوله، وهي عدلت في طريقة تعاملها في الملف اللبناني إلى درجة أنه يصعب على أي طرف لبناني أو إقليمي أو دولي ضبطها بالجرم المشهود بجرم التدخل في الشؤون الداخلية. وهو أمر متناقض تماماً مع الدورين الأميركي والسعودي.
أما في الشق الثاني، فإن بداية الاجتماعات كانت مع الموفدين السعوديين. وفي آخر اللقاءات كررت القيادة السورية أن هناك تفاصيل لا يمكنها تحت أي ظرف أن تبادر إلى ممارسة أي نوع من الضغط على المعارضة في بيروت. وقد سمع السعوديون على وجه الخصوص شروحاً لناحية أن من تمون عليهم سوريا في لبنان ليسوا الأطراف المقررة في المعارضة، وأن للأمر تجربة لم يمرّ عليها وقت طويل، هي تجربة الانتخابات النيابية الأخيرة.
في هذا السياق، يبدو أن المراجعة السورية لنتائج الانتخابات اللبنانية مستمرة، وهي تجري على محورين، واحد يخصّ نقاشاً تجريه مع حلفائها البارزين في المعارضة اللبنانية، والثاني داخلي يخص طريقة تعامل الجهات السورية المعنية على اختلافها مع هذا الاستحقاق.
في الجانب الأول، كانت جلسة المراجعة الأبرز قد جرت قبل مدة قصيرة، وجمعت الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي زار دمشق بعيداً عن الإعلام والإعلان. وجرى خلال الاجتماع عرض تفاصيل كثيرة تخصّ ملف الانتخابات، لناحية ما الذي كان في مقدور قوى المعارضة القيام به ولم تفعله، وما الذي كان في مقدور سوريا القيام به ولم تفعله، ولناحية آلية العمل في المرحلة المقبلة.
ويبدو أن النقاش استخلص نتائج، من بينها أن قوى المعارضة لم تكن لديها متابعة تفصيلية لما يجري على الأرض، وأن مستوى التنسيق في ما بينها لم يكن على مستوى الحدث، وأن الخلافات التي قامت لناحية تقدير قوة الخصم أو تحديد الخطوات الواجب اتخاذها سبّبت تراجع الحوافز الضرورية لخوض معركة بكل المقاييس، كذلك جرى انتقاد بعض التركيبات والتحالفات التي يبدو أنها سببت هي الأخرى خسارة مواقع مهمة.
كذلك، ثمة أمور تخص الاستعداد غير العادي الذي عملت على أساسه قوى الأكثرية. وهو الأمر الذي عكس جدية أكبر من جدية المعارضة، وخصوصاً على مستوى التنسيق وآلية التعاون بين القوى المختلفة، مع توقف عند قراءة النتائج وفق المعايير السياسية والتوزع الطائفي والأخذ بعين الاعتبار أن هناك أزمة حقيقية وكبيرة جداً على مستوى التمثيل السنّي في المعارضة، ما يوجب تحركاً من نوع مختلف في المرحلة المقبلة.
أما على الصعيد السوري، فإن المراجعات القائمة التي يمكن ملامستها من خلال تعليقات المسؤولين على اختلاف مواقعهم، تشير إلى أن دمشق تتجه الآن صوب إعادة تنظيم الملف اللبناني وفق آلية تمنع تعدد الرؤوس، وتتيح تواصلاً واضحاً وقنوات محددة مع جميع الأطراف اللبنانيين، ولا سيما أن تعدد المرجعيات كان له أثره على تعدد التقديرات الخاصة بنتائج الانتخابات، إلى درجة أن الرئيس الأسد نفسه كان قد قال لأحد زواره قبل أسبوع من الانتخابات، إن «علينا الاستعداد لمواجهة إمكان خسارة المعارضة».
وبحسب ما ورد إلى العاصمة السورية من معلومات عن برنامج المعارضة اللبنانية للمرحلة المقبلة، فإن التركيز يتجه الآن نحو كيفية خلق آلية واضحة تنظّم العلاقة بين جميع مكونات المعارضة، وتمنع أي تضارب وتسهّل التواصل ومناقشة جميع الأمور والتوصل إلى موقف وأداء موحدين، ما يسمح للمعارضة بتكوين موقع قوي في مواجهة الطرف الآخر. وأن الاختبار الأول هو المتعلق بطريقة التعامل مع الملف الحكومي.
ومع أن التواصل قائم بقوة بين دمشق وقوى بارزة في المعارضة، إلا أن الأمور لا تستوي مع جميع الأطراف على المبدأ نفسه. وثمة وضوح في المقاربة السورية لبعض المواقع، لناحية الإقرار بصعوبة التعامل، حيث لا تاريخ طويلاً للعلاقة، مثل العماد ميشال عون الذي ازداد احترام سوريا له بعد الانتخابات، ولناحية الإقرار بوجود هوامش، كما هي الحال مع آخرين مثل الرئيس نبيه بري. لكن الثابت الوحيد الذي يعكس نمطاً خاصاً من العلاقة هو الذي يربط دمشق بحزب الله.
إبراهيم الأمين
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد