الأسعار كعادتها.. كالمستجير من (الرمضان) بالنار
وكأننا دائماً على نفس الموعد، أيام تعد على الأصابع ويبدأ السوريون بقضم أصابعهم في الحسابات التي لا تنته، الحسابات التي تعودوا عليها، وعلى نتائجها، الأربعة أشهر التي تلي هذه الحسابات ستكون العصيبة والقاسية.
أربعة مواسم في واحد، رمضان القادم بعد أيام، المدارس في الأسبوع الأول من أيلول، المونة التي تتوزع على شهرين، وموسم الضربة القاضية ..العيد.
وفوق المواسم العصيبة موعد جديد مع الغلاء، الأسواق ستتحول إلى مزاد بعد أن رغبت الدولة عن مواطنها، وسحبت من فمه ثدي الدعم، والحماية، وسيمعن التجار في جلد المواطن بما شاؤوا من سياط جشعهم، وسيدور الفقير كثور الرحى في رحلة البحث عن الأرخص ثمناً، والأقل جودة.
جمعية حماية المستهلك وببادرة جديدة علينا كسوريين أطلقت نداء يائساً، دعت فيه المواطنين إلى الامتناع عن شراء اللحم الأحمر حتى يرضخ التجار إلى خفض الأسعار الجنونية، فقد وصل سعر كيلو اللحم البلدي إلى 850 ليرة في أعلى ارتفاع له، ودخل في المنافسة لحم العجل الذي استبدله السوريون لسد حاجة أبنائهم من نصفنا اللاحم، ولم ينفع حتى الدجاج الذي وصل سعر الكيلو غرام بين 130-140ليرة، بالرغم من السماح بتصدير الفائض، مع ازدياد شكوى المنتجين من ارتفاع أسعار العلف الحيواني بكافة أصنافه.
وجمعية حماية المستهلك التي كانت وما زالت تشكو من قلة الدعم المادي، وكون جل أعضائها من المتبرعين، لم تجد حلاً ليأسها سوى إطلاق نداء استغاثة عل ذلك ينفع في ظل تراجع الطلب، لكن السؤال المطروح: أليس من اللائق أن تتدخل الدولة؟ لإشباع مواطنها ليس من اللحم أولاً، لأن مشكلة المواطن أبعد من اللهاث وراء الطريدة، المشاكل الكبرى لا تدع وقتاً للركض، التقنين الكهربائي، المياه الشحيحة والملوثة، حصة الدعم من الوقود، الدخل المحدود..الخ،
وثانياً حمايته والضرب على أيدي التجار الذين استمرؤوا غيابها واستفردوا بالمواطن، كمن ينتظر ثأراً، ألم تعد الدولة المواطن بأن تتدخل حين الأزمات، بمؤسساتها العتيدة، بصالاتها التي يبيع مستثمروها بطاقات الموبايل والدخان المهرب.
أليس عيباً ينالنا جميعاً أن ندعى إلى مقاطعة وجبة صغيرة من اللحم، تجعل غذاء أبنائنا أشهى وأكثر فائدة، أليس معيباً أن يطلق هكذا نداء ولو كان مصيره الفراغ، لأننا تعودنا في هذا البلد أن نرى من يستثمر حتى.. الموت.
قبل أيام كانت البندورة والخيار والجزر والباذنجان تشعر المواطن أن البلد بخير، فجأة تبدل الحال، والأسعار التي كانت مريحة صارت عبئاً، وهنا لا بد ن التساؤل كيف يتم التسعير في بلدنا، ما الآلية المعتمدة في رفع السعر أو تخفيضه، العرض والطلب، المزاج..الخ.
أبو عبدو صاحب محل خضار: التموين ليس له علاقة بنا، السوق هو الذي يحكم، وقد تجد سعرين في محلين متجاورين لنفس السلعة.
هذا ما يقوله التاجر الصغير، فكيف بالكبير، أما الناس فهم كالعادة لا يدرون لماذا ترتفع الأسعار وتنخفض، من يسعّر، من المسؤول، كيف ترتفع أسعار الخضار 100% خلال أربع وعشرين ساعة.
الاقتصاد الذي يبدو بلا هوية، بدون يد تسهم في ثباته أو تقلبه، يقول عنه د.مطانيوس حبيب:
بالرغم من أن سورية قررت، منذ حزيران عام 2005، السير باقتصاد السوق الاجتماعي، وخطت خطوات سريعة في اتجاه اقتصاد السوق المرغوب يصعب على أي باحث اقتصادي رصين أن يصنِّف اقتصادنا السوري ضمن أية مجموعة من الاقتصادات: مجموعة اقتصادات السوق، مجموعة الاقتصادات المخططة، مجموعة اقتصادات التثبيت، مجموعة اقتصادات التكييف الهيكلي، أم مجموعة الاقتصادات المتحولة!! في الحقيقة إن اقتصادنا مزيج من كل هذه الاقتصادات، ويصح فيه القول أنه اقتصاد من غير هوية فعلاً.
إن خصوصية اقتصادنا نابعة أساساً من الأسلوب المزاجي في اتخاذ القرارات الاقتصادية، أو لنقل اتخاذ القرارات كرد فعل لحدث معين، أو بهدف معين دون دراسة متأنية.
نشرت وكالة سانا للأنباء ما يسمى بالنشرة الاقتصادية الأسبوعية لوزارة الاقتصاد، المتتبع لهذه النشرات أن الوزارة ونشرتها في واد والسوق في واد آخر، ويتساءل البعض من أين تأتي الوزارة بنشرتها تلك؟
(من جهتها بينت نشرة الأسعار الأسبوعية التي تصدرها وزارة الاقتصاد والتجارة أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً طرأ على أسعار لحمة الذبيحة البلدي بعظمها رغم تخفيض الكميات المصدرة إذ تجاوز سعر الكيلوغرام خلال هذه الفترة 500 ليرة بينما كان سعر الكيلوغرام خلال نفس الفترة من العام الماضي 400 ليرة إضافة إلى أن ارتفاعاً طرأ أيضاً على أسعار الفروج في جميع المحافظات مقارنة مع أسعار نفس الفترة من العام الماضي إذ تراوح سعر الكيلوغرام المنظف بين 130 و140 ليرة علما أنه تم السماح بتصدير الفائض من الفروج المجمد لافتاً إلى أن مؤسسة الخزن والتسويق تطرح كميات كبيرة منه بأسعار تقل عن أسعار السوق.
وبشأن المواد الغذائية والتموينية الأخرى أوضحت وزارة الاقتصاد والتجارة أن الكثير من المواد والسلع انخفضت أسعارها أو تقاربت مع أسعار نفس الفترة من العام الماضي مثل البيض والحمص والبرغل والبصل والسمون والزيوت والحديد والرز والسكر إذ تراوح سعر الكيلوغرام من البرغل هذه الفترة بين 30 و38 ليرة ويصل سعره في دمشق واللاذقية إلى 50 ليرة للنوع الجيد فيما تراوح سعر الكيلوغرام من الحمص بين 36 و75 ليرة وتراوح سعر الكيلو غرام من الرز بين 48 و60 ليرة).
نشرة الوزارة تعود إلى أيام قليلة، وتصر الوزارة أن تبقى بعيدة عن واقع الناس، فتقول تجاوز الكيلو 500 ليرة، إذا كان سعره وصل إلى 850 فيكون تجاوز حاجز الغلاء الذي تعتقده الوزارة.
وإذا كان سعر كيلو الفروج بين 130-140 فلماذا يتم تصدير الفائض إلى دول الجوار مجمداً ولا يباع في السوق السورية بسعر أقل، الم تسمح حالة الركود العالمي بهبوط كثير من أسعار المواد الغذائية وسواها، هل يبقى اقتصادنا الوحيد الذي إذا ارتفعت أسعار مادة نتيجة لأزمة ما تبقى على ارتفاعها حتى لو انتهت الأزمة؟
هل أسعار الزيوت والسمون منخفضة ضمن القيم التي جاءت في النشرة إذا ما قورنت بالعام الفائت على اعتبار أن الأزمة كانت في أشدها ينما شهد العام انخفاض عالمي للأسعار نتيجة للركود العالمي.
يتابع معدو النشرة الأسبوعية ملاحظات الوزارة عن السوق:
(ولاحظت الوزارة ارتفاعاً في أسعار البطاطا مقارنة مع أسعار العام الماضي فتراوح سعر الكيلوغرام بين 17 و25 ليرة هذه الفترة وبين 10 و20 خلال نفس الفترة من العام الماضي وتقارباً في أسعار البندورة مع السنة الماضية إذ تراوح سعر الكيلوغرام بين 10 و15 ليرة هذه الفترة وبين 8 و15 ليرة العام الماضي).
البطاطا في أدنى أسعارها 15 ليرة، وحالياً تجاوزت الـ 25 ليرة، أما أسعار البامياء فوصلت إلى 100 ليرة، الملوخية من 50-70ليرة، الليمون 50 ليرة، الخيار من 20-25 ليرة، الجزر 30ليرة، أما الباذنجان الذي يقترب من أيام عزه فكيلو الحمصي 25والعادي 20ليرة.
الفواكه التي تزين الصيف فهي الأخرى في صعود دائم، أو غلاء ثابت، الخوخ 70ليرة، الأجاص 50ليرة، التفاح من 35-50ليرة، دراق أول 50 والنوع الثاني 45 ليرة، الموز55-70ليرة.
المشكلة تكمن هنا، ليست الأسعار هي من يقض مضجع السوري، لكن الأمر الجلي هو مدى الدخل الذي يستحصل عليه من أجل أن يكون قادراً على دخول السوق دون وجل.
التقرير الأممي الأخير والذي صدر في 21/7/2009تحدث عن واقع الفقر في الوطن العربي، وقد بين التقرير أن معدلات الفقر العام في سورية ولبنان تتراوح بين 28.6%و30%).
وهنا لا بد من ذكر ما يجتاح أهالي المنطقة الشرقية من فقر أودى بهم إلى هجر قراهم التي كانت في يوم من الأيام سلة الغذاء لسورية، آلاف الأسر هاجرت مع أبنائها بسبب ظروف الجفاف، السبب الآخر هو تأخر الدعم الحكومي، والذي جاء أخيراً عبر توزيع 10آلاف سلة غذائية على المتضررين في منطقة الحسكة، على أن يتم توزيع 6 آلاف سلة غذائية في منطقة الشدادي والقرى التابعة لها، و4 آلاف سلة غذائية في ريف مدينة الحسكة.
أما ما تحتوي عليه هذه السلة الغذائية على 150 كغ دقيقاً، و25 كغ سكراً، و25 كغ برغلاً، و10 كغ عدساً، و2 كغ سمنة، وكغ واحد من الشاي.
العائلات التي لحق بها الضرر من جراء الجفاف ومن الإهمال الحكومي تجاوزت أراضيها، ووصلت إلى محافظات الجنوب، ففي ريف دمشق توجد أكثر من 100ألف نسمة، موزعين في الغوطة، فهذه الأسر وجدت في الأماكن التي تشابه معيشتها بعض المستقر، أما الأوضاع الحياتية لهؤلاء فتكاد تصل إلى ما دون حد الفقر لتضاعف أيضاً من العناء الذي يعانيه بالأصل سكان المناطق التي آوتهم، بالإضافة إلى الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، أما عن البقية منهم فهم منتشرون في القنيطرة ودرعا، وفي الريف الغربي لدمشق، فمن منطقة سعسع إلى قرية خان أرنبة تنتشر الخيام التي تتحدى حر الصيف، وترتعد من البرد.
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قاربت أفئدة الناس في ضوء تجربة المسح الاجتماعي، الإشاعة التي سبقت الوزارة خطتها هي أن نتيجة المسح سيكون توزيع راتب اجتماعي، لم يقبل الناس على أمر بهذه الكثافة كما توافدوا على مراكز المسح التي انتشرت في أنحاء القطر.
البسطاء والعاطلين عن العمل كانوا الشريحة المستهدفة، بعض الناس استدان ثمن الطوابع والطلب الذي سيقدمه من أجل الدراسة.
النتيجة مسح تناول أكثر من 30ألف أسرة سورية، أما الغاية التي أعلنتها الوزارة فهي الإعداد لدراسة تنموية مستقبلية، وضاعت حتى أحلام العاطلين براتب اجتماعي.
الحكومة بدورها وعلى لسان النائب الاقتصادي تؤكد انخفاض مستوى البطالة:
(في معرض فرص العمل الأخير أشار الدردري إلى أن المؤشرات والإحصائيات تبين أن معدل البطالة انخفض خلال السنوات الماضية من الخطة الخمسية العاشرة، وأن القطاع الخاص ساهم بشكل أساسي في هذا الانخفاض الأمر الذي يؤكد أن القطاع الخاص قام بدوره في استيعاب
الوافدين الجدد إلى سوق العمل السورية).
لكن السؤال المطروح أيضاً ماذا عن الشركات العامة الخاسرة، مصير العمالة في القطاع العام المهددة بالتسريح، ومصير آلاف العاملين الذين يستلمون رواتبهم كل ثلاثة أشهر، الآلاف من العمال المتعاقدين والمؤقتين الذين ينتظرون قانوناً يخرجهم من تحت سيف الطرد من العمل في كل لحظة، ما ذا عن قانون العمل الجديد والعقد شريعة المتعاقدين، والنصوص القانونية التي تصب في مصلحة رب العمل، ماذا عن العاطلين عن العمل.
الأزمات تتفاقم، السوق تتضخم، الدخل لا يكفي، العمل الآخر بالكاد يسد الرمق، الغلاء لا أحد يوقفه، الدولة فتحت الباب على مصراعيه، الدعم كان زماناً جميلاً.
الأزمات في الماء والهواء الملوثان، الكهرباء التي تتقطع على أعتاب البيوت الساهرة في حساب كيف نتدبر الحياة...ما القادم.
هل ارتفعت معدلات الفقر في سوريا؟ وما علاقة ذلك بالبعد الاجتماعي لاقتصاد السوق؟ وكيف ستحمي سوريا مواطنيها في العام القادم؟ وهل ستحصل مراجعة جدية لأسباب تعدد الأزمات واستفحالها؟
تحت هذا العنوان يبشرنا الباحث الاقتصادي محمود عنبر:
رغم صعوبة ترتيب أولويات الأزمات المختلفة بسبب تداخلها، إلا انه بلا شك قد جاءت أزمة الخبز لتطغى على كل ما سبقها، وإن كانت المشكلة بحاجة لبضعة أشهر للظهور، فعلينا اتخاذ الإجراءات الإسعافية منذ الآن، ومن أهمها وقف الهدر الكبير في عمليات دعم وتوزيع الخبز المدعوم، وذلك لخفض استهلاك الدقيق المدعوم، وربما بناء مخزون مؤقت بطرق استثنائية، وذلك بالتوازي مع اتخاذ إجراءات جدية لضمان وجود محصول مناسب في العام القادم، وربما على المدى المتوسط إعادة النظر بأهمية نظم المعلومات الوطنية، إذ لا يمكن إدارة برنامج تحول بالحجم الحاصل دون وجود نظم معلومات وطنية فعالة، فنبل النوايا لا يكفي لمواساة آلام الفقراء.
عبد الرزاق دياب
المصدر: بورصات وأسواق
إضافة تعليق جديد