توازن القوى السياسية بعد غياب عبد العزيز الحكيم عن الساحة العراقية
الجمل: برحيل السيد عبد العزيز الحكيم تكون الساحة السياسية العراقية قد فقدت واحداً من أبرز قادتها المحليين وبالإضافة إلى الدور الكبير الذي لعبه الحكيم في إسقاط نظام صدام حسين فقد لعب دوراً هاماً في تثبيت العملية السياسية العراقية الحالية برعاية سلطات الاحتلال الأمريكي.
* أبرز التساؤلات حول دور الحكيم:
يعتبر الراحل من أكثر الشخصيات السياسية الشيعية العراقية إثارة للجدل حيث:
• يعتبر حليفاً لإيران وحليفاً لأمريكا في الوقت نفسه.
• يعتبر حليفاً لمقتدى الصدر في البرلمان العراقي لكنه خصمه في الوقت نفسه في جنوب العراق.
• يعتبر حليفاً لنوري المالكي وفي الوقت نفسه حليفاً لأحمد الجلبي وغيره من رموز المعارضة وشارك مؤخراً في تكوين تحالف شيعي معارض للمالكي.
• عند إصابته بالسرطان ظل الحكيم يتلقى العلاج في أمريكا.. ولكن أيضاً في إيران.
التساؤل الرئيس هو كيف يجمع الحكيم بين كل هذه المزايا وهو الزعيم الشيعي الديني الذي قضى جل وقته في الحوزات العلمية بما يبعد عنه بشكل كافي شبهة أن يكون سياسياً براغماتياً يجمع بين كل هذه الخيوط المتنافرة ولا يعرف أحد حتى الآن: كيف كان يوفق في علاقاته مع هذه الأطراف دون أن يغضب أحدها ويتخلى عنه بسبب علاقاته مع الطرف الآخر وإذا كانت العلاقة، أي علاقة، تقوم على الأخذ والعطاء، فهل كان الحكيم يأخذ من هذه الأطراف أكثر مما يعطيها أم أنه كان كريماً جواداً يعطي أكثر مما يأخذ؟!
* تأثيرات الحكيم على الساحة السياسية العراقية:
تقول المعلومات أن غياب عبد العزيز الحكيم سيترتب عليه الآتي:
• المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق سيعاني من فراغ القيادة وحالياً لا يوجد من رجال الصف الثاني من هو قادر على ملء الفراغ والجلوس بفعالية على كرسي الحكيم.
• لن يستطيع المجلس الأعلى للثورة الأعلى للثورة الإسلامية أن يقوم بالدور السياسي الذي كان يقوم به خلال فترة الحكيم وبالتالي فإن الأداء السلوكي السياسي الخاص بالمجلس سيتأثر ولا شك بغياب الحكيم.
* توازن القوى بعد عبد العزيز الحكيم:
بعد قيام التكتل العراقي الشيعي الجديد في الأيام الماضية فمن المتوقع أن يخسر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق موقعه القائد في هذا التكتل وحتى إذا تم تعيين من يتولى رئاسة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (خليفة عبد العزيز الحكيم) كقائد للتكتل الجديد فإنه بالضرورة لن يكون متمتعاً بقامة الحكيم وتجربته السياسية المديدة وبالتالي فعلى الأغلب أن يتراجع الخطاب السياسي الخاص بالمجلس بما يفسح المجال أكثر فأكثر أمام صعود القوى والحركات الشيعية الأخرى التي قد تضم من بين من تضم مقتدى الصدر الذي يقود حالياً تياراً مستتراً هو التيار الصدري لكن ضمن أداء سلوكي غير معلن أو شبه معلن.
بالنسبة لتوازنات المنطقة الخضراء فإن المالكي يعتبر من أكبر الخاسرين بسبب وفاة الحكيم لأنه خلال فترة صراعه مع التيار الصدري وجيش المهدي لم يعد سوى الحكيم يقدم له الموازنة والسند وبالتالي فعلينا أن نتوقع حدوث المزيد من التجاذبات بين أركان لتحالف الشيعي الحاكم والزعماء السياسيين الشيعيين التقليديين وسيصعب حل هذه الخلافات طالما أن رحيل الحكيم قد عجل في حد ذاته برحيل البراجماتية الشيعية.
كل حركة سياسية تنطوي على حسابات فرص ومخاطر بما يشير إلى حسابات الأرباح والخسائر وإذا حاولنا احتساب الفرص والمخاطر وما يمكن أن ينطوي عليه من أرباح وخسائر نقول أنه من الصعب تحديد من هو الرابح الحقيقي من موت الحكيم، ولكن في الوقت نفسه يسهل تحديد الخاسر الحقيقي من موته فقد شارك عبد العزيز الحكيم في مفاوضات الاتفاقية الأمنية العراقية – الأمريكية التي اعتبرتها إدارة بوش "فرصة" متاحة أمام أمريكا وبالمقابل فقد نظرت إليها الجمهورية الإيرانية اعتبارها "مخاطرة"، وأيضاً يسعى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية إلى بناء نظام على غرار نظام الثورة الإسلامية في إيران وهو ما يمثل "فرصة" لإيران و"مخاطرة" لأمريكا، وهكذا وعلى خلفية اختلاط الفرص والمخاطر، نقول بكلمات أخرى: لقد كان الحكيم حليفاً لواشنطن وطهران وبغداد وأربيل وبموته فقد خسرت كل من هذه الأطراف، وبكلمات أخرى فإذا كان الحكيم مثيراً للجدل والاهتمام في حياته من خلال الأرباح التي ساعد واشنطن وطهران وبغداد وأربيل في استغلالها، فإنه بموته قد جعلهم خاسرين دفعة واحدة، أما كيف حدث ذلك فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل تحديد إجابة جامعة مانعة في تفسير ذلك، وعلى الأغلب أن تظهر المعلومات الغامضة في سيرة الحكيم التي قد تصدر غداً أو ربما لا تصدر مطلقاً طالما أن المعني بها شخص استطاع أن يجلس على كراسي البيت الأبيض وملالي إيران وهي كراسي ستظل لفترة طويلة صعبة إن لم تكن مستحيلة على الترويض..
"ألا رحم الله الحكيم بقدر ما قدم في السياسة!".. كما يقولون.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد