اللوبي الإسرائيلي وصراع السيطرة على الوكالة الدولية للطاقة الذرية
الجمل: تدور في الساحتين الأمريكية والدولية معركة بالغة التعقيد تسعى من خلالها إسرائيل ودوائر اللوبي الإسرائيلي إلى استغلال المتبقي من فترة ولاية الدكتور محمد البرادعي لدفع أنشطة وكالة الطاقة الذرية العالمية بما سيتيح استهداف خصوم إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه التحديد سوريا وإيران.
* اللوبي الإسرائيلي وإدارة صراع السيطرة على الوكالة:
لم يهدأ بال خبراء معهد المسعى الأمريكي وخبراء معهد واشنطن في تسويق الاتهامات والمزاعم القائلة بأن مدير وكالة الطاقة الذرية الدكتور البرادعي سيتقاعد في تشرين الثاني القادم بأنه لعب دوراً رئيسياً في ضعف أداء الوكالة إزاء القيام بواجبها في التصدي لملفات حظر انتشار الأسلحة النووية المحرمة دولياً وتزعم دوائر اللوبي الإسرائيلي أن ضعف أداء البرادعي تمثل في الآتي:
• عدم التعامل بجدية إزاء ملف سوريا.
• التواطؤ مع طموحات إيران النووية.
كتب غريغوري شولته السفير الأمريكي في وكالة الطاقة الذرية (2005-2009) تحليلاً وجه فيه المزيد من الانتقادات لأداء الوكالة ومديرها العام إزاء ملف سوريا وإيران ونفس الانتقادات ظلت تظهر بشكل متواتر من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بمعهد المسعى الأمريكي وصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية والموقع الإلكتروني الخاص بالمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الانتقادات ظلت من قبل تركز على اختلال الدور الوظيفي للوكالة ولكنها الآن تحولت باتجاه التركيز على الاختلال الهيكلي للوكالة ويكشف هذا التحول عن تزايد النوايا لجهة القيام بعملية إعادة صياغة كاملة لقوام الوكالة المؤسسي بما يتيح السيطرة على مجلس أمنائها وأمانتها العامة بشكل يترتب عليه إعادة توجيه الوكالة للقيام بدور البروكسي المخابراتي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد الإسرائيلي.
* إعادة توجيه الدور الوظيفي للوكالة:
تشير التحليلات إلى أن وكالة الطاقة الذرية العالمية ستجد نفسها في تشرين الثاني –بعد انتهاء ولاية البرادعي- في مواجهة أمرين شرق أوسطيين هما:
• ملف البرنامج النووي الإيراني الذي أصبح بالأساس لدى مجلس الأمن الدولي.
• ملف التحقيقات حول الطموحات النووية السورية.
تقول المعلومات والتسريبات أن الدور الوظيفي المطلوب من الوكالة خلال مرحلة ما بعد البرادعي يجب أن يتضمن الآتي:
• أن تقوم وكالة الطاقة الذرية بالكشف الفوري عن كل الأنشطة النووية السرية.
• أن تعمل الوكالة على حماية تكامل وسلامة نظام حظر انتشار الأسلحة النووية.
• أن تمارس الوكالة صلاحياتها الكاملة.
تبدو هذه المطالب بسيطة للوهلة الأولى ولكن مع المزيد من التركيز والتعمق تتضح لنا تداعياتها على أداء ومهام الوكالة ويمكن الإشارة لذلك على النحو الآتي:
• ليس لدى الوكالة أقمار تجسس أو أجهزة مخابرات كي تقوم بجمع المعلومات الاستخبارية حول الأنشطة النووية السرية، ولما كانت بعض دول العالم مثل أمريكا وإسرائيل وبريطانيا تقومان بشكل دوري بتمرير تقارير أجهزة مخابراتها للوكالة على أمل أن تقوم الوكالة بنشر هذه الأنشطة السرية، معناه أن تتبنى الوكالة التقارير والمعلومات الاستخبارية المقدمة لها بما يضفي على هذه التقارير مصداقية دولية بشكل يستبق الإجابة على السؤال عن مدى صحة أو عدم صحة ما أوردته هذه التقارير ولنا أن نتصور مدى الأضرار التي ستحدث جراء قيام الوكالة بالاستناد على التقارير المفبركة التي يتم إعدادها سراً لاستهداف الخصوم.
• مفهوم حماية تكامل وسلامة نظام حظر انتشار الأسلحة النووية هو أمر ليس من اختصاص الوكالة فالوكالة جهاز تنفيذي وليست جهاز تشريعي، وبكلمات أخرى فإن نظام حظر انتشار الأسلحة النووية يتم وضعه ضمن المعاهدات الدولية وبالتالي فإن إلقاء هذه المهمة على كاهل الوكالة سيخول لها صلاحية القيام بدور الأمم المتحدة وبالتالي علينا أن نتوقع في ظل ذلك مدى الأضرار التي ستحدث إذا أصبحت الوكالة هي التي تقر الترتيبات الاستباقية والخوض في مسائل فرض العقوبات وربما توجيه الضربات العسكرية ضد كل من تعتقد الوكالة أنه يضر بتكامل وسلامة نظام حظر انتشار الأسلحة النووية.
• من المعروف أن صلاحيات الوكالة محددة ضمن بنود نظامها الأساسي والعديد من هذه البنود يرتبط بتعاون الوكالة مع مؤسسات المجتمع المدني وبالتالي فإن إطلاق يد الوكالة دون أن تخضع للقانون الدولي سيجعل من الوكالة أشبه بالحصان الجامح المندفع الذي يمكن أن يخرب أكثر مما يصلح، بالإضافة إلى ذلك فإن ضوابط المجتمع الدولي ستظل هامة لجهة حماية الوكالة من سيطرة بعض القوى الدولية عليها واستغلالها بواسطة بعض الدول والحكومات لإدارة الصراع وتصفية الخصومات والتأثير على توازن القوى الدولي والإقليمي.
عموماً، أياً يكن المدير، البرادعي أو من بعده، فإن وكالة الطاقة الذرية ستواجه المزيد من الضغوط للقيام باستهداف سوريا وإيران وستشهد الفترة القادمة معركة أكبر حول مدى مصداقية ليس الوكالة فحسب وإنما كذلك مجمل مؤسسات المجتمع الدولي الأخرى والتي تتم تعبئتها بشكل فاعل لإثقال كاهل إيران بالعقوبات وعلى الأغلب أن يسعى معظم هذه ال4عقوبات لاستهداف سوريا أيضاً، وبكلمات أخرى ستكون سوريا وغيرها من حلفاء إيران في مواجهة السؤال الحرج: إذا تم فرض العقوبات الدولية على إيران بحيث أصبح من لا يشارك فيها عرضة هو نفسه للعقوبات، فهل من الضروري القبول بالعقوبات أم رفضها طالما أنها تفتقر للسند والأساس؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد