لقاء القاهرة السري: تسريبات حول المفاوضات الإيرانية - الإسرائيلية
الجمل: اتسع نطاق مفاوضات جنيف الدائرة حالياً بين إيران ومجموعة "5+1" بحيث لم يعد يقتصر حصراً على مجرد التفاوض بين الطرفين حول مصير البرنامج النووي وإنما حول ما يمكن أن تطلق عليه افتراضاً تسمية النظام النووي العالمي في فترة ما بعد مفاوضات جنيف 2009: فما هي خلفيات هذا النظام، وما هي ملامحه الممكنة؟
* ماذا تقول المعلومات والوقائع الجارية؟
على خلفية مفاوضات إيران مع مجموعة الستة برزت العديد من المعلومات التي يتمثل أبرزها في الآتي:
• مسودة وكالة الطاقة الذرية العالمية: أعدت وكالة الطاقة الذرية العالمية مسودة اتفاق حول إشكالية نقطة الخلاف الرئيسية "المعلنة" في تطورات البرنامج النووي الإيراني وتقترح المسودة أن تتم عملية تخصيب اليورانيوم خارج إيران وتحديداً بواسطة الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن وقد تم الاقتراح بتنفيذ الخطوات الآتية كأساس لحل المشكلة:
- تسلم إيران 75% من مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب للأطراف الخارجية ليتم تحويله إلى وقود نووي يقدم مرة أخرى لطهران لتشغيل مفاعلها النووي الذي يستخدم في إنتاج النظائر المشعة ذات الاستخدامات الطبية.
- أن تبدأ إيران في تنفيذ التسليم قبل نهاية العام الحالي.
- أن تحتفظ إيران بـ25% فقط من مخزونها من اليورانيوم.
وتجدر الإشارة إلى أن كل الأطراف رحبت بمسودة الاتفاق التي أعدها رئيس الوكالة الدكتور محمد البرادعي وقدمها للأطراف المعنية.
• لقاء القاهرة السري: نقلت التسريبات خبر انعقاد لقاء سري إسرائيلي – إيراني برعاية مصرية في القاهرة وأشارت المعلومات أن الخبير الإسرائيلي ميعراف زافاري عوديز (مدير السياسة وضبط التسلح في لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية) التقى عدة مرات خلال يومي 29 و30 أيلول الماضي في القاهرة مع كل من علي أصغر سلطانية السفير الإيراني في وكالة الطاقة الذرية الدولية، وحول هذا اللقاء نشير إلى النقاط الآتية:
- استغرق اللقاء أربع جلسات.
- أشرفت على اللقاء لجنة دولية مختصة في شؤون نزع السلاح وحظر انتشار السلاح النووي.
- تم اللقاء بحضور مندوبين عن الجامعة العربية والأردن ومصر وتونس وتركيا والمغرب والإمارات العربية والسعودية إضافة لبعض المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين.
أضافت المعلومات أن اللقاء تم بشكل سري وبأن الصحافة الإسرائيلية هي التي سربت الخبر الذي أكد أن المندوب الإيراني رفض مصافحة المندوب الإسرائيلي إضافة لرفضه الجلوس بجانبه في الاجتماع واكتفى فقط بطرح وجهة نظر طهران بشكل واضح.
تأسيساً على ما سبق يمكن الإشارة إلى أن هذه التطورات تشير إلى الآتي:
• ما دار ويدور حالياً في قاعة اجتماعات مفاوضات جنيف هو الجهد الثانوي أما الجهد الرئيسي فقد تم في أحد الفنادق في القاهرة وستتوقف فعالية هذا الجهد على إمكانية الجمع بين لقاء القاهرة ومسودة البرادعي ضمن محتوى واحد يتم على أساسه عقد الاتفاق النهائي في جنيف.
• يمكن تصنيف أطراف الصراع في جنيف بأنه بين إيران من جهة (وتمثل طرفاً أصيلاً) ومجموعة "5+1" من جهة أخرى (وهي طرف غير أصيل) مهمته القيام بدور الطرف التفاوضي المعلن الذي يقوم بالمفاوضات نيابة عن الطرف الأصلي غير المعلن وهو إسرائيل.
• توجد علاقة وثيقة بين لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية واللجنة الدولية المعنية بشؤون نزع الأسلحة وحظر انتشار الأسلحة النووية وحلقة الوصل بين اللجنتين تتمثل في تولي وزير الخارجية الإسرائيلي السابق شلومو بن عامي منصب مستشار اللجنة الدولية لشؤون التنظيم إضافة لوجود وزير الخارجية الإسرائيلي السابق غاريز إيفانز المرتبط بجماعة المحافظين الجدد في منصب رئيس اللجنة، وتقول المعلومات أنه هو من قام بتسريب معلومات اجتماع القاهرة السري للصحافة الإسرائيلية.
• لقاء القاهرة مهدت له سلسلة من اللقاءات التمهيدية التي جمعت اللجنة الإسرائيلية المعنية بالشؤون النووية واللجنة الدولية.
أكدت التقارير والتسريبات أن الموقف الإيراني كان ثابتاً وواضحاً منذ البداية فقد طرح السفير علي أصغر سلطانية ثلاثة نقاط أساسية هي:
• الالتزام بإعلان شرق أوسط خالي من الأسلحة النووية.
• مشكلة الانتشار الوقائي للأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
• مسألة استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية.
* دبلوماسية التفاوض النووي: إلى أين؟
التوصل إلى الاتفاق الحقيقي بين إيران ومجموعة "5+1" حتى وإن تم الاتفاق على أساس اعتبارات مسودة البرادعي باعتبارها تمثل سقف الحد الأدنى الممكن فإن الناتج الحقيقي سوف لن يكون سوى ظهور نظام نووي عالمي جديد يقوم على أساس الاعتبارات الآتية:
• القواعد: تقوم الدول النووية الخمسة المعترف بها في مجلس الأمن الدولي باحتكار عملية تخصيب اليورانيوم نيابة عن الدول الأخرى التي تحصل على موافقة وكالة الطاقة الذرية ومجلس الأمن الدولي للقيام باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية المسموح بها في القوانين والنظم الدولية.
• القيم: أن تلتزم الدول الخمس دائمة العضوية بتأطير علاقتها والتزاماتها النووية إزاء دول العالم غير دائمة العضوية في مجلس الأمن وفقاً لما تقرره وكالة الطاقة الدولية ومجلس الأمن الدولي.
على هذه الخلفية وعلى أساس اتفاق مفاوضات جنيف المتوقع فإن تداعيات النظام النووي العالمي الجديد يمكن أن تتمثل في الآتي:
• ازدهار صناعة تخصيب اليورانيوم في الدول النووية الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الأمر الذي سيجلب لها المزيد من المنافع والمزايا السياسية والاقتصادية والأمنية.
• تزايد نزعة احتكار صناعة تخصيب اليورانيوم بما يؤدي إلى المزيد من نزعات الاحتكار الأخرى الإضافية وعلى سبيل المثال سيتم حظر الدول المنتجة لليورانيوم الخام من بيع خامات اليورانيوم إلا للدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن طالما أن هذه الدول هي التي تحتكر حق معالجة اليورانيوم الخام وتحويله إلى يورانيوم مخصّب.
• إغلاق الباب بشكل نهائي أمام ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية للتحول إلى دول نووية فهذه الدول وإن كانت تملك القدرات المادية والعلمية والبشرية لإنتاج الرؤوس النووية فإنها سوف لن تستطيع ذلك طالما أن السيطرة على نظام صادرات اليورانيوم ستكون تحت سيطرة أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا.
هذا، ومن المتوقع أن يواجه النظام النووي العالمي الجديد العديد من المشاكل التي سيتمثل أبرزها في:
• كيفية التعامل مع البرنامج النووي الهندي والباكستاني فهذه الدول ليس لها برامج نووية وإنما أصبحت تملك الأسلحة النووية وحالياً برغم أن أمريكا وفرنسا وبريطانيا تسعى للعمل على إدماج الهند وباكستان ضمن "النادي النووي العالمي" فإن روسيا والصين ترفضان الفكرة.
• إدماج الهند وباكستان أمر يرغب الإسرائيليون في حدوثه لأنه بمجرد الموافقة على ذلك ستعلن إسرائيل عن نفسها دولة نووية وتفاجئ العالم في اللحظات الأخيرة بطلبها دخول النادي النووي والحصول على الاعتراف الدولي الذي يتيح لها ذلك وهو ما سيجد المساندة والمساعدة من الأمريكيين والبريطانيين إضافة للفرنسيين الذين بنوا مفاعل "ديمونا" الإسرائيلي وظلوا على مدى أكثر من نصف قرن في الإشراف وتقديم الدعم للبرنامج النووي الإسرائيلي.
• كيفية التعامل مع البرنامج النووي الكوري الشمالي الذي أكدت المعلومات أنه وصل مرحلة النضج وأن كوريا الشمالية أصبحت بالفعل قوة نووية حقيقية وهناك خلافات بين طرف يقول بإمكانية الضغط على كوريا الشمالية عن طريق اللجنة الثلاثية وطرف يقول بضرورة استخدام مجلس الأمن الدولي وعلى ما يبدو أن الصين راغبة في وجود كوريا الشمالية النووية لردع اليابان وكوريا الجنوبية بما يتيح لبكين تمديد نفوذها عل طوكيو وسيول.
* هل من صفقة نووية شرق أوسطية قادمة؟
تشير كل الحسابات إلى أن حدوث صفق نووية في الشرق الأوسط أصبح خياراً لا مفر منه للأسباب الآتية:
• أن إيران أصبحت بالفعل قوة نووية.
• إن إسرائيل لن تستطيع القيام بعمل عسكري ضد إيران.
• إن أمريكا لن تستطيع الدخول في أي عمل عسكري إلى جانب إسرائيل.
• إن روسيا ترغب في وجود إيران النووية.
تأسيساً على ذلك فإن:
• خيار العمل العسكري ضد إيران بات غير ممكن لأن الطرفين الإيراني والإسرائيلي يملكان القدرة على إلحاق الدمار الشامل ببعضهما.
• خيار العقوبات أصبح غير ممكن لأن دول الجوار الإيراني لن تساهم في العقوبات وعلى وجه الخصوص تركيا وروسيا وتركمانستان.
بالتالي، فإنه طالما أن معادلة العقوبات والعمل العسكري سوف لن تؤدي إلا إلى خيار واحد هو الخيار الصفري أي عدم حصول أي شيء، فهل تستمر طهران في التفاوض بقوة مع مجموعة 5+1" أم أنها ستتراجع وتقدم التنازلات بما يؤدي لظهور نظام نووي عالمي جديد غير متوازن ولا يصب شرق أوسطياً إلا في مصلحة إسرائيل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد