ما هي خيارات دبي لتجنب المحرقة المالية التي تقترب منها
الجمل: تشهد منطقة الخليج العربي حالياً أياماً ساخنة بسبب أزمة ديون إمارة دبي، والتي تزايدت ضغوطها على نحوٍ أصبح يحمل المزيد من الإشارات السالبة التي تطرح إنذاراً مبكّراً يفيد لجهة اندلاع أزمةٍ ماليةٍ خليجية يمكن أن تعصف تداعياتها الماثلة والمؤجلة بالأوضاع الاقتصادية الخليجية، بما يجعل من القطاع المالي الخليجي محرقةً لرؤوس الأموال الاستثمارية المباشرة وغير المباشرة بشكلٍ يتساوى فيه رأس المال الخليجي ورأس المال الأجنبي.
* الأداء السلوكي للأزمة المالية:
درجت العادة على تشكل الأزمات، واتخاذها وضعاً كامناً "خبيثاً" تحت السطح، وعندما يكتمل نمو أورامها الخبيثة وتتهيأ ظروف اندلاعها، تبدأ أوجاع المخاض مُنذرةً بقدوم مولودها الشيطاني، وفي لحظةٍ معينة، تنطلق الأزمة من عقالها، مستغلةً أي "حدثٍ صغير"، وهو الحدث الذي يطلق عليه خبراء الأزمات تسمية «الحدث س»، والذي يمثل الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة، وتأسيساً على ذلك نشير بالإسقاط على أزمة دبي المالية الحالية إلى الآتي:
• توسعت دبي في الاستثمارات العقارية والخدمية، فبرزت الأبراج وناطحات السحاب الفخمة، إضافةً إلى المجمعات المالية والسياحية، والمنشآت الرقمية المعلوماتية، ووسائط تكنولوجية الاتصالات.
• أدى التوسع الاستثماري إلى قيام دبي بالاستدانة الهائلة وبمعدلاتٍ كبيرة من الصناديق الإقراضية الدولية، إضافةً إلى استضافة دبي مئات المليارات من تدفقات رأس المال المباشرة وغير المباشرة.
• حققت دبي انفتاحاً اقتصادياً متزايداً على الاقتصاديات الدولية الرأسمالية الكبرى، وتحديداً: الاقتصاد الأمريكي – الاقتصاد الأوروبي – الاقتصاد الياباني إضافةً إلى اقتصاديات جنوبي شرق آسيا والاقتصاديات العربية.
على خلفية هذه النقاط، فقد أدى التوسع والاستدانة واستقبال تدفقات رأس المال الأجنبي بالمقابل إلى توسع الالتزامات المترتبة عليها، وقد ظلت هذه الالتزامات تخلق المزيد من الأعباء والضغط، والتي بدورها ظلت تتراكم، وطوال الأعوام الماضية ظلت دبي تعطي التزاماتها من خدمات ديون وفوائد مستحقة، بصعوبةٍ وشق الأنفس، ولكن، وفي ظل ضغط الأزمة المالية العالمية وتداعياتها، وفي ظل انخفاض أسعار النفط وغيرها، لم تعد دبي قادرةً على سداد هذه الالتزامات، وفي هذه اللحظة جاء الحدث «س» الذي فجّر الأزمة، وبتوضيحٍ أكثر، سعت دبي خلال الأيام التي سبقت الأزمة المالية إلى الاتصال ببعض الأطراف الدائنة الغربية لجهة إقناعها من أجل تأجيل سداد مبلغ 3.25 مليار دولار مستحقة السداد إلى تاريخٍ لاحق، وقد أدى هذا الطلب إلى لفت انتباه الدائنين الغربيين، والذين بعد قيامهم بإجراء الدراسات والتحليلات أدركوا مدى انكشاف اقتصاد دبي، وبدأت بعد ذلك تظهر التقارير والتحليلات بشكلٍ متواتر، وذلك على النحو الذي ترتب عليه الكشف عن حقيقة حجم الخطر المحدق.
* ماذا تقول المعلومات:
سعت دبي إلى تأجيل سداد مبلغ 3.25 مليار دولار، وقد أدى ذلك إلى الكشف عن وجود التزامات تقول الأوساط الخليجية بأن حجمها الإجمالي في حدود 80 مليار دولار، وتقول الأوساط الأوروبية بأن حجمها الإجمالي في حدود 123 مليار دولار أمريكي، وما هو مثير للانتباه، هو مدى الفارق الكبير بين تقديرات المدينين وتقديرات الدائنين، وهو فرق يبلغ 43 مليار دولار، أي أكثر من 50% من تقديرات المدينين التي مازالت تصر على أن مبلغ الالتزامات هو 80 مليار دولار.
تقول المعلومات، بأنه برغم صدور العديد من التقارير المالية التي سعت إلى تحديد حجم الأزمة، فإن الأوساط المالية والنقدية في دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة وبقية بلدان مجلس التعاون الخليجي تسعى حالياً لجهة القيام برصد وحصر الالتزامات المالية التي أدت ضغوطها إلى توليد الأزمة وانفجارها، وحتى الآن، لم تصدر أي معطيات رقمية مبدئية بواسطة أي من البنوك المركزية الخليجية، ولا بواسطة منظمة دول مجلس التعاون الخليجي..
* دبي وخيارات الخروج من الأزمة:
اندلعت الكثير من الأزمات المالية العالمية، وخلال الفترة الماضية شهد الاقتصاد العالمي حدوث الأزمات الآتية:
- أزمة الإسبان.
- الأزمة المكسيكية.
- الأزمة الأرجنتينية.
- الأزمة التركية.
- الأزمة الروسية.
- الأزمة الأمريكية التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول.
- الأزمة الأمريكية الحالية.
- أزمة السوق المتعادلة التي حدثت في الغرب.
وإضافةً إلى هذه الأزمات، توجد العديد من الأزمات الأخرى التي اتخذت طابعاً عالمياً، ومن أبرزها أزمة الكساد الكبير التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية، وأزمة الديون الأجنبية التي أد ت إلى تقويض اقتصاديات بلدان العالم الثالث بسبب صدمة ارتفاع أسعار النفط التي تخطّت قدرات اقتصاديات كل البلدان النامية.. وتأسيساً على معطيات خبرة خروج اقتصاديات العالم من هذه الأزمة، فإن أمام دبي الخيارات الآتية لجهة الخروج من الأزمة وتجاوز ضغوطها:
• إقناع الدائنين بتأجيل سداد مستحقاتهم إلى ما بعد منتصف عام 2013م القادم على الأقل.
• اللجوء لمساعدة المؤسسات المالية الدولية.
• اللجوء للترتيبات الإقليمية، عن طريق إقناع مجلس التعاون الخليجي بتولي إدارة الأزمة عن طريق إقامة صندوق دعم لاقتصاد دبي، تساهم فيه دول المجلس.
• اللجوء للترتيبات الثنائية، بحيث تسعى دبي لإقناع بعض شركاءها الخليجيين مثل السعودية والكويت وغيرها لجهة تقديم القروض الميسرة وغيرها من أشكال الدعم المالي.
هذا، ونشير إلى أن هذه الخيارات ليست سهلة، فلكل واحد منها تكاليفه الباهظة الثمن، وفي هذه الخصوص نشير إلى الآتي:
- اللجوء إلى خيار إقناع الدائنين بتأجيل استحقاقاتهم، سوف يتم حصراً عن طريق إعادة جدولة الديون ومستحقاتها، وهو أمر سوف يترتب عليه إلزام دبي بدفع فوائد إضافية باهظة، وبالتالي، فإن هذا الخيار سوف لن يؤدي سوى إلى تأجيل الأزمة إلى فترةٍ قادمة، وبعدها سوف تندلع نيرانها بقدرٍ كبير، وقد يكون بشكلٍ يصعب احتواءه أو التغلب عليه، أو حتى تأجيله.
- اللجوء لخيار المؤسسات الدولية سوف لن يكون سهلاً، وذلك لأن هذه المؤسسات سوف تسعى لتكرار تجربة ما عُرف بـ "نادي باريس" الذي يتم من خلاله جمع الأطراف الدائنة والمدينة، والإشراف على مفاوضات إعادة الجدولة، بما يترتب عليه فرض المزيد من الأرباح الإضافية، وتأجيل الأزمة إلى تاريخٍ لاحق، وبعدها سوف تنفجر الأزمة مرة أخرى، وتشير المعطيات إلى أن كل الأزمات التي تدخل في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لم تنتهِ وإنما تحولت إلى أزمات دائرية متواترة الحدوث بما أدى إلى ابتزاز اقتصاديات وقدرات وموارد الأطراف المدينة، لصالح الأطراف الغربية الدائنة.
- اللجوء للترتيبات الإقليمية، عن طريق نقل إدارة الأزمة لمجلس التعاون الخليجي، هو أمر يصعب القيام به في ظل الظروف الحالية، وذلك لأنه يشير إلى مفهوم نقل أعباء الأزمة المالية إلى مجلس التعاون الخليجي لكي يتحمل نفقات خسائرها.
- اللجوء للترتيبات الثنائية، عن طريق إقناع الشركاء الخليجيين بالتفاهم مع كل طرفٍ على حدة، لجهة الحصول على دعمه المالي والنقدي لاقتصاد دبي، هو خيار، وإن كان ممكناً على خلفية مفهوم الأسرة الخليجية الواحدة، فإن تنفيذه بالشكل المقبول سوف يكون صعباً، لأن حجم التكلفة ليس مليار أو عشرة مليارات، وإنما هو عشرات المليارات، ومن المعروف أن السعودية والكويت، وهما البلدان الأوفر مالاً في الخليج، لن تستطيعا تقديم الدعم الكافي، وذلك لأنهما متورطان في دعم مشروع الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، وأيضاً في مشروع سباق التسلّح الخليجي الذي فرضته السعودية والكويت في صفقات تسليحية كبيرة أدت إلى توريط الاقتصاد السعودي والكويتي في التزامات مالية يصعب التخلص منها قريباً.
تقول المعلومات والتقارير الواردة، بأن أبو ظبي أعلنت استعدادها لتقديم الدعم اللازم لإنقاذ دبي من الخطر، بحيث يتم إخراج اقتصاد دبي من "نفق الأزمة" بحيث لا يقع اقتصادها في "محرقة الأزمة".
ولكن أبو ظبي، وبرغم نواياها الحسنة، فقد اشترطت أن تقدّم الدعم اللازم ليس على أساس كلي، وإنما على أساس جزئي، بحيث يتم التعامل مع كل حالة إعسار مالي على حدة، وهذا معناه، أن السلطات المالية في أبو ظبي سوف تتعامل مع شركات دبي المتعثرة عن طريق إعداد دراسةٍ خاصة بكل شركة، وتحديد مواردها والتزاماتها، وصولاً إلى تحديد حجم العجز المالي، ثم العمل بعد ذلك على تقديم الدعم اللازم.
تشير التحليلات إلى أن إعلان أبو ظبي عن نواياها الطيبة إزاء دعم الأزمة، سوف تكون من قبيل التصريحات الهادفة إلى تطمين المستثمرين الأجانب، وتذكيرهم بأن دبي هي طرف خليجي يجد الدعم والمساندة بواسطة الأطراف الخليجية الأخرى، وبكلماتٍ أخرى، تشير الأرقام والإحصائيات إلى أن قدرات اقتصاد أبو ظبي لن تستطيع أن تقدم السند والدعم الكافي لإطفاء نيران أزمة دبي، وذلك لأن تغطية خسائر هذه الأزمة يحتاج إلى مبلغ يفوق قدرات اقتصاد أبو ظبي.
* سيناريو استمرار أزمة دبي: إلى أين؟
تشير كل المعطيات إلى أن ضغط أزمة دبي قد بدأت تأخذ سبيلها إلى العديد من اقتصاديات العالم:
• اقتصاديات الاتحاد الأوروبي: تقول المعلومات، بأن الشركات البريطانية لها مستحقات تبلغ حوالي 60 مليار دولار، وهو رقم سوف تظهر تأثيراته في بورصة لندن وفي البورصات العالمية الأخرى المرتبطة بها.
• اقتصاديات الهند: تقول المعلومات بأن مئات الشركات الهندية سوف تواجه المزيد من الخسائر، إضافةً إلى أن حقوق أكثر من مليون عامل هندي موجودين في دبي وبقية بلدان الخليج أصبحت محفوفة بالمخاطر.
• اقتصاديات الولايات المتحدة: تعاني اقتصاديات الولايات المتحدة من ضغوط الأزمة المالية والتي يحتاج القضاء عليها إلى توفير مبلغ 12 تريليون دولار (أي 12 ألف مليار).
ولما كانت خسائر أزمة دبي سوف تكون بين 80 إلى 123 مليار دولار، فإن تداعيات هذا المبلغ سوف تكون صغيرة على الاقتصاد الأمريكي، ولكن ما هو أكثر سوءاً يتمثل في أن الاقتصاد الخليجي الداعم للاقتصاد الأمريكي، قد أصبح هو نفسه موضعاًَ للخطر.
تسود في الأسواق الخليجية حالة من الفزع الشديد، وذلك لإدراك الخليجيين، بأن نيران أزمة دبي سوف لن تحرق دبي وحدها، وإنما سوف تطال كل اقتصاديات الخليج العربي المنفتحة على بعضها البعض، وفي هذا الخصوص تشير المخاوف الخليجية إلى الآتي:
- أن توفير الغطاء المالي والنقدي لأزمة دبي المالية هو أمرٌ صعب التحقق في ظل الأوضاع الجديدة.
- إن انتقال عدوى أزمة دبي إلى بقية أسواق الخليج هو أمر ضمني في حالة استمرار الأزمة.
- إن قدرة بلدان الخليج على بناء "جدارٍ عازل مالي - نقدي" يتيح لها صد أزمة دبي أو احتجاز تمددها هو أمرٌ غير ممكن، بسبب وحدة السوق الخليجية.
- إن آليات نقل العدوى موجودة و فاعلة ومن المستحيل إيقافها، وعلى سبيل المثال لا الحصر: كل المصارف والشركات والمنشآت الخاصة بأي بلد خليجي لها فروع في كل مناطق الخليج الأخرى، وعلى وجه الخصوص دبي.
هذا، وتشير التوقعات إلى أن أعراض "أنفلونزا دبي" قد بدأت فعلاً في الانتقال، وذلك وفق المؤشرات التي تفيد إلى بداية ظهور ما يطلق عليه الخبراء اسم "أزمة السيولة" في اقتصاديات بلدان الخليج، وذلك لأن الجميع بدأ يسعى مهرولاً إلى البنوك والمصارف وسحب أرصدته من أجل تأمينها بعيداً عن البنوك والشركات المالية الخليجية التي لم تعد آمنة كما كانت بالأمس، وبالتالي، فإن تعرّض البنوك والمصارف الخليجية لعمليات سحب الودائع والأرصدة بهذه الكميات الكبيرة سوف يدفع إلى حدوث زلزال مالي – نقدي كبير يترتب عليه أن "تترنح" و"تتمايل" العديد من البنوك والمصارف الخليجية وربما شركات التأمين والاستثمار، واستمرار ذلك سوف يؤدي إلى احتمالات سقوط العديد من هذه المنشآت في هاوية إعلان الإفلاس.
يسعى الجميع إلى التعامل بسرية في المجالات المالية، ولكن عندما تحدث الأزمات وتندلع نيران الإفلاس، فإن الأسرار تصعد إلى السطح، ويظهر ما كان خافياً. وعلى غرار القول السائد، فقد أدت أزمة دبي إلى "ذوبان الثلج وبيان المرج"، وفي هذا الخصوص، تقول تقارير الصحافة الإسرائيلية بأن إسرائيل لم تتعرض لخسائر كبيرة في أزمة دبي المالية، وذلك بسبب المقاطعة العربية للإسرائيليين، ولكن، ولسوء الحظ، فقد تبيّن أن بعض الإسرائيليين سوف يتعرضون للخسارة بسبب تورطهم في المعاملات الاقتصادية في دبي. فالإسرائيلي «يسحاق تشوفا» والإسرائيلي «ليڤ ليڤييڤ» سوف يتعرضان لخسائر بسبب الشراكة بين شركة «عيلاد» وشركة «دبي العالمية» وإحدى الشركات السنغافورية، وذلك من خلال تورطهما في مبلغ 1.77 مليار دولار تمَّ استخدامها في الاستثمارات العقارية في دبي، إضافةً لذلك، فإن «ليڤ ليڤييڤ» سوف يتعرض لخسائر في محلات الجواهر التي يملكها في دبي، إضافة إلى بعض الخسائر الأخرى لأنه من كبار المتعاملين والمؤسسين لبورصة الجواهر في دبي.
وأضافت المعلومات الإسرائيلية، بأن الإسرائيلي «بيني شتاينميتز» والإسرائيلي «عيدان عوفير» قد زارا دبي عدة مرّات خلال الفترة الماضية التي سبقت الأزمة، ولكنهما عادا إلى إسرائيل وهما أكثر اطمئناناً بأن أموالهما واستثماراتهما في "أيدٍ أمينة"، ولن تتعرض للخسارة التي سوف تتعرض إليها أموال واستثمارات المواطنين الخليجيين في دبي وربما في بقية مناطق الخليج العربي.
وتقول بعض التسريبات، بأن الاستثمارات الإسرائيلية الأخرى في دبي سوف لن تتعرض لخطر الخسارة في دبي، وإنما سوف يتحملها "الوكلاء الأردنيون" الذين تحملوا عبء القيام بها تحت غطاء أسمائهم التجارية ومنشآتهم، وقدموا الضمانات للإسرائيليين. وبالتالي، فإن الإسرائيليين سوف لن يعترفوا بأي مسؤولية عن خسائر الأزمة وإنما سوف يستخدمون الضمانات التي حصلوا عليها من الأردنيين لجهة الحصول على حقهم كاملاً من هؤلاء الوكلاء: أنها التجارة مع اليهود يا غبي!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد