أوروبا تناقش مشروعاً سويدياً يعتبر القدس عاصمة لدولتين
للمرة الأولى في تاريخه، سيناقش الاتحاد الأوروبي في اجتماعه على مستوى وزراء الخارجية في السابع من الشهر الحالي في بروكسل مشروع قرار اقترحته الرئاسة السويدية لمعالجة إحدى أهم قضايا الحل النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي قضية القدس، ويدعو الى اعلانها عاصمة للدولتين الاسرائيلية والفلسطينية. وبصرف النظر عن فرص نجاح هذا المشروع فإن فيه ما يؤكد على بداية تقبل الأسرة الدولية لمبدأ إقرار صورة الحل النهائي خارج إطار طاولة المفاوضات.
وقد هاجمت إسرائيل بشدة مشروع القرار وبدأت حملة واسعة لوأده، وشرعت الدبلوماسية الإسرائيلية بحملة لدى الدول الأوروبية لإقناعها بإحباط مشروع تقسيم القدس التي سبق لإسرائيل، من طرف واحد، إقرار توحيدها وإعلانها عاصمة لإسرائيل. وهددت وزارة الخارجية الإسرائيلية، تلميحا، بإبعاد الاتحاد الأوروبي عن أي دور في العملية السياسية، حيث قال المتحدث باسمها أن الخطوة السويدية «تضر» بقدرة أوروبا على «المشاركة أو القيام بدور مهم في الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين». وطالب المتحدث أوروبا «بممارسة الضغط على الفلسطينيين للعودة إلى المفاوضات. فخطوات مثل التي تقودها السويد تأتي بنتائج معاكسة».
ويمكن القول أن أولى ثمار المساعي الإسرائيلية تجلت في الموقف الفرنسي الذي أعلن أن المبادرة السويدية «غير متوازنة». ويحاول الدبلوماسيون الإسرائيليون استجلاء مواقف 26 دولة أوروبية أخرى في الاتحاد. وتؤمن إسرائيل أن هناك دولا تعارض الموقف السويدي ولكنها ليست واثقة من مواقف الدول الكبرى الأوروبية.
وذكرت صحيفة «هآرتس» أن ممثليات اسرائيل في الاتحاد الاوروبي تتابع منذ أسابيع المبادرة السويدية بتغيير مكانة القدس. السفير الاسرائيلي في مؤسسات الاتحاد الاوروبي في بروكسل، دان كورئيل، بعث الأسبوع الماضي الى القدس ببرقيات وجه فيها اصبع الاتهام الى السويد التي قال أنها «تأخذ الاتحاد الاوروبي الى مسار صدام مع اسرائيل». واشار مسؤولون بارزون في وزارة الخارجية الى ان الرأي في القدس هو أن «السويد تقود خطا مناهضا لاسرائيل على نحو حاد، وتجعل أوروبا غير ذات صلة بالمسيرة السلمية مثلما كانت قبل العام 2005».
ورغم الغطرسة المعهودة والركون الثابت للموقف الأميركي، فإن المحترفين في وزارة الخارجية الإسرائيلية يخشون من احتمال ميل الألمان والفرنسيين والإيطاليين والبريطانيين إلى تأييد المبادرة. فهذه الدول تمثل فعليا القوى العظمى الأوروبية التي يترك موقفها أثرا، ولو من بعيد، على الموقف الأميركي.
وإذا كانت التجارب قد علمت وزير الخارجية الفاشي أفيغدور ليبرمان أن يكبح لسانه الطويل فإن شرارة الرد انطلقت، وللمرة الأولى، من الليكودي نائب وزير تطوير الجليل والنقب أيوب قرا. وأعلن قرا، المعارض بطبيعته للتسوية الإقليمية مع الفلسطينيين، أن «بوسع السويد أن تعلن استوكهولم عاصمة لفلسطين و(الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن ملكا للسويد. وآمل من باقي دول الاتحاد أن تتصرف بمنطق وألا تلحق بالسياسة الرخيصة»
أما عضو الكنيست يوحنان بلاسنر من حزب كديما، والذي يرأس جمعية الصداقة الإسرائيلية ـ السويدية فأعلن أن «البلاغ السويدي يشير إلى تراجع مقلق في مواقف الأسرة الدولية من إسرائيل». وأوضح أن «هذا ثمن التردد السياسي. فبدلا من أن تقود إسرائيل الخطوات السياسية كما كان الحال في الماضي، تضطر للرد وتدفع ثمنا سياسيا باهظا على الجمود».
ورأى عضو الكنيست داني دانون من الليكود أنه «أخطأ كل من ظن أن تجميد البناء سيزيل الضغط الدولي، فحكم أرييل كحكم القدس. وفقط الإصرار على حقوقنا هو ما يزيل الضغط الدولي».
وكانت «هآرتس» قد نشرت مسودة مشروع قرار سويدي يعرب عن القلق الأوروبي من الجمود في العملية السياسية ويدعو لاستئناف فوري لمفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وشددت المسودة على أن هدف المفاوضات هو إقامة «دولة فلسطينية مستقلة وديموقراطية قابلة للحياة وذات تواصل إقليمي تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون القدس الشرقية عاصمة لها».
وتعرب المسودة عن القلق العميق من الوضع في القدس الشرقية وتطالب «الطرفين بتجنب الاستفزازات». وجاء في المسودة «أننا لم نعترف أبدا بضم شرقي القدس. ومن أجل التوصل إلى سلام حقيقي، ينبغي البحث عن سبيل لحل مكانة القدس كعاصمة للدولتين». وتطالب المسودة إسرائيل بإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية في شرقي القدس وتدعو «حكومة إسرائيل للكف عن التعامل التمييزي ضد الفلسطينيين في شرقي القدس».
ولا يشيد المشروع بقرار إسرائيل تجميد البناء ويعلن أن «مجلس وزراء الخارجية يسجل امامه قرار حكومة اسرائيل التجميد الجزئي والمؤقت للبناء في المستوطنات، ويأمل في أن يشكل هذا خطوة الى الامام نحو استئناف المفاوضات». كما أن رفع الحواجز في الضفة يحظى بثناء قليل. فقد ورد فيه أن «حواجز عديدة بقيت في مكانها لحماية المستوطنات».
وفي مسألة الحدود يشدد الاتحاد الاوروبي على أنه لن يقبل أي تغيير تجريه اسرائيل على خطوط العام 1967 إلا إذا وافق الفلسطينيون على ذلك. كما ورد ان الاتحاد الاوروبي يرحب بخطة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض «ويمكنه، في الزمن المناسب، أن يعترف بدولة فلسطينية». وثمة في وزارة الخارجية في القدس من يرى في هذا السطر تلميحا بان الاتحاد الاوروبي سيعترف باعلان استقلال فلسطيني من طرف واحد.
ورغم الحملة على السويد فإن مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية اعترفوا بأنه ليس ثمة جديد في هذا الموقف. بل أن بعض هؤلاء المسؤولين ذهبوا إلى أبعد من ذلك وقالوا أنه «ليس في هذه الصيغة ما يختلف كثيرا عن تلك الواردة في خريطة الطريق». وانتقد مسؤول في الخارجية مشروع القرار لأنه على سبيل المثال «يتحدث فقط عن العاصمة الفلسطينية، وليست هناك أية دعوة للاعتراف بالقدس الغربية كعاصمة لإسرائيل، واستعداد لنقل كل السفارات الأوربية إليها». وأضاف أن «الإثارة لا تكمن في الإعلان، والذي بدت صيغته معروفة بنبرة أقل شدة في خريطة الطريق، وإنما في الالتواء السويدي الذي لا يقرب العملية السلمية وإنما يعرض موقفا منحازا من أجل إثارة الغضب».
ومن الصعب اعتبار الاقتراح السويدي إسنادا للمطلب الفلسطيني بالإعلان في الأمم المتحدة عن قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية في حدود العام 1967. فقد أعلن وزير الخارجية السويدي كارل بيلت نفسه قبل أيام أن هذا الأمر سابق لأوانه وقال إن هذا المطلب ينم عن يأس الفلسطينيين من التقدم نحو التسوية.
ومع ذلك فإن موقف غالبية الدول الأوروبية، إن لم يكن جميعها، يعارض فكرة أن «القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل». وقد سبق لغالبية العواصم الأوروبية أن أعلنت أنها ترى في القدس الشرقية أرضا محتلة وهي جزء من الدولة الفلسطينية العتيدة.
ونقلت صحيفة «معاريف» عن الممثلية الفرنسية في بروكسيل اعتراض باريس على المشروع السويدي. وقالت الصحيفة أن الممثلية الفرنسية قدمت أمس 50 تحفظا على الاقتراح وانتقدته واعتبرت أنه «غير متوازن». وأشار مسؤولون فرنسيون في الممثلية إلى أن «الاقتراح ليس إيجابيا بما فيه الكفاية لإسرائيل»، كما أن «التعامل مع العملية السياسية مع الفلسطينيين ليس متفائلا ولا يأخذ بالحسبان التطورات الاقتصادية في الضفة».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد